تواجه الجزائر في سنة 2021 صعوبات كبيرة في الحفاظ على صادراتها النفطية والغازية على السواء، في ظل ارتفاع الطلب الداخلي واستقرار الإنتاج، بل وانخفاضه في بعض الأشهر لأسباب تقنية، ما بات يهدد عائدات البلاد الريعية، من العملة الصعبة، إذ تشكل إيرادات الطاقة 92 بالمائة من إجمالي واردات الجزائر من العملات الأجنبية، حسب بيانات رسمية.
ويأتي ذلك في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية حادة، زادتها تعقيداً الجائحة الصحية وركود الاقتصاد، وفقدان الدينار لبريقه بعد تسجيله أرقاماً متدنية غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية.
تهاوي المؤشرات
رغم أن الجزائر عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إلا أن اعتمادها على إيرادات النفط تراجع بشكل حاد، حيث تنتج في أحسن الأحوال عُشر حصة المنتجين العمالقة في "أوبك" وخارجها، مثل العراق أو السعودية أو روسيا، كما تراجعت صادرات الغاز الطبيعي، الأمر الذي جعل تنويع الاقتصاد حلما بعيد المنال، حسب مراقبين.
ومما يؤكد هذه التحليلات والتوقعات أرقام ومؤشرات نفط وغاز الجزائر، التي تهاوت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، بشكل بات يؤرق حكومة الرئيس عبد المجيد تبون، التي بنت تمويل مخططها الخماسي 2020- 2024 المقدر بـ 260 مليار دولار على عائدات النفط.
وبلغة الأرقام، يؤكد مدير مكتب "اينرجي" للطاقة بباريس ومدير مجمع "سوناطراك" النفطي سابقا، مراد برور، أن "الجزائر في عام 2019 انخفض إنتاجها النفطي إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، مما جعلها تحتل المرتبة 16 على مستوى العالم والثالث في أفريقيا بعد نيجيريا وأنغولا، ويعد هذا الانخفاض الأكبر على مدى عشر سنوات (مقارنة بعام 2009) وبتراجع بلغ 17 بالمائة في هذه المدة الزمنية، وفق بيانات رسمية.
وأضاف أن "تقديرات سوناطراك تشير إلى تراجع الإنتاج في 2020 المنتظر الكشف عن أرقامها المفصلة الأيام المقبلة، بسبب التزام الجزائر باتفاق تخفيض الإنتاج، وفي العام الماضي، صدرت البلاد، بحسب الأرقام التي وصلتنا من وزارة الطاقة، حوالي 82.2 مليون طن من المكافئ النفطي من النفط والغاز، مقابل 20 مليار دولار، بانخفاض قدره 40 بالمائة في القيمة و11 بالمائة في الحجم، مقارنة بعام 2019، ومن الصعب إعطاء هذه الأرقام قراءة أخرى سوى أن سنة 2021 ستكون صعبة على نفط وغاز الجزائر".
وأوضح مراد برور، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من المؤكد أن الأزمة الصحية أدت إلى انخفاض الطلب العالمي وتسببت في انخفاض الأسعار، لكن الانخفاض في أحجام الصادرات لا يمكن تفسيره إلا من خلال انخفاض الإنتاج، إلى 142 مليون طن في عام 2020، مقابل 157 مليون طن في عام 2019، بانخفاض قدره 30 بالمائة، مع العلم أن الطلب الداخلي قد انخفض أيضًا بسبب الوباء بـ 13بالمائة، من 67 إلى 59 مليون طن من المكافئ النفطي".
وعاش غاز الجزائر ضغطاً كبيراً من الأوروبيين، سنة 2020، إذ اعترض الزبائن على الأسعار، بعد سنة واحدة من تجديد الجزائر عقود إمدادات الغاز مع شركائها التاريخيين في القارة العجوز، في مقدمتهم إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
ودخلت الجزائر، سنة 2018، مرحلة تجديد عقود الغاز مع شركائها التقليديين، بعد وصول أغلب العقود إلى نهاية آجالها، مع انتهاء سنة 2019.
وتابع مدير مكتب "إينرجي" للطاقة بباريس ومدير مجمع "سوناطراك" النفطي سابقا أنه "في الخارج، يُراقب المختصون الوضع أيضًا، والعديد من المحللين والوكالات والمواقع المتخصصة يبدون نفس الملاحظة، ربما تعيش الجزائر سنواتها الأخيرة كدولة نفطية بسبب عدة عوامل، منها قرب نفاد خزانات الآبار العاملة، وانخفاض الاستثمار، وعدم الاستقرار القانوني، والفساد البيروقراطي، وعدم الاستقرار الإداري لشركة النفط سوناطراك، والارتفاع الذي لا يرحم في الاستهلاك المحلي".
جرح عميق
دخلت إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا والمنطقة العربية في معادلة صعبة، في ظل تخمة المعروض العالمي، لا سيما الغاز الروسي الرخيص، فضلاً عن دخول منافسين جدد لتصدير الغاز، كالولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يزيد من مأزق البلد الأفريقي الباحث عن زيادة موارده المالية لمواجهة تراجع عائدات النفط.
وقال مدير الإحصاء في الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات (سلطة ضبط إنتاج وبيع النفط والغاز في الجزائر)، نبيل جودار، إن "الأرقام الأولية تؤكد توجه مبيعات الغاز نحو التراجع، خاصة عبر عقود الأنابيب نحو إيطاليا وإسبانيا، بنسب كبيرة خلال العام الحالي، قد تفوق تراجع مستويات الأعوام الماضية".
وأضاف جودار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تراجع الصادرات يعود بدرجة أولى لتراجع الطلب لأسباب عديدة، كما لا يمكن أن ننسى تراجع إنتاج الجزائر من الغاز في 2020 بنسب فاقت 15 بالمائة عن سنة 2019، قابله ارتفاع الطلب الداخلي بنسبة 7 بالمائة".
وأمام تعقد الوضعية، تبدو الحكومة الجزائرية عاجزة عن توفير الحلول العاجلة، فمنذ سنوات والحكومة تعلن عن انتقال طاقوي قريب، يسمح بالتوجه نحو الطاقات المتجددة، لخفض الطلب الداخلي وحماية صادرات البلاد الغازية والنفطية، التي تشكل النسبة الكبرى من عائدات الجزائر من العملة الصعبة، في وقت يبقى ملف الغاز الصخري مجمداً بقرار سياسي، كونه محل رفض شعبي، بسبب المخلفات التي تترتب على استغلاله.
ومما يزيد جرح طاقة الجزائر عمقا، ليس فقط تراجع الإنتاج والصادرات، وجائحة كورونا. فحسب وكالة الأنباء المتخصصة في الإدارة العامة والاقتصاد الأفريقي "Ecofin"، فإن "جرح الجزائر أعمق"، إذ تشير في تحليلاتها إلى تزايد الطلب المحلي، ونقص الاستثمار في الاستكشاف و"تراكم سنوات من سوء الإدارة في القطاع".
من جانبه يتحدث موقع "Worldoil.com" المتخصص عن عوامل أخرى، مثل عدم الاستقرار على رأس شركة سوناطراك، موضحًا أن الأخيرة "أعلنت أنها تهدف إلى زيادة صادرات الغاز بنحو 25 بالمائة هذا العام، مع خفض النفقات".
وكتب الموقع في تحقيق مطول نشر في 31 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "التغييرات المتكررة في القيادة أعاقت جهود الشركة لزيادة إنتاج الطاقة، إذ كان لديها أربعة رؤساء تنفيذيين في العامين الماضيين و12 منذ عام 2010".