يتوقع محللون انكماشاً مرجحاً للاقتصاد السعودي في العام 2023، بسبب تمديد خفض إنتاج النفط الأكبر من نوعه في نحو 15 عاماً، فيما يوفر توزيع "أرامكو" أرباحاً إضافية بعض الأمان للمالية العامة، مع استبعاد إبطاء صندوق الثروة السيادي أنشطته رغم تراجع الإيرادات.
فبحسب تقرير موسّع لوكالة "رويترز" نشرته اليوم الجمعة، تواجه السعودية خطر انكماش اقتصادها هذا العام بعد قرارها تمديد خفض إنتاج النفط الخام، ما يبرز مدى اعتمادها الذي لا يزال كبيراً على الخام مع سير إصلاحات لتنويع الأنشطة الاقتصادية بوتيرة بطيئة.
وتقول الرياض إنها تهدف إلى استقرار سوق النفط من خلال تمديد الخفض الطوعي بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية 2023.
وتسبب قرارها، الذي أعلنته يوم الثلاثاء، في دفع أسعار الخام لتتجاوز 90 دولاراً للبرميل للمرة الأولى هذا العام، لكنها لا تزال دون متوسط أسعار العام الماضي عند 100 دولار تقريباً للبرميل بعد غزو روسيا أوكرانيا. (الدولار = 3.7507 ريالات).
ومن شأن خفض إنتاج النفط، وبالتالي تراجع إيراداته هذا العام، دفع الاقتصاد السعودي إلى الانكماش للمرة الأولى منذ العام 2020 في أوج جائحة كورونا، رغم أن توزيع أرباح نقدية إضافية من عملاق النفط "أرامكو" قد يقدم بعض الحماية للماليات العامة.
في السياق، يقول المحلل في "خليج إيكونوميكس" جاستن ألكسندر إن خفض إنتاج النفط لثلاثة أشهر إضافية،فضلاً عن عمليات خفض الإنتاج الأخرى هذا العام، تعني تراجع الإنتاج 9% في 2023، وهو أكبر انخفاض في الإنتاج في 15 عاماً بالنسبة للمملكة.
من جهتها، ترى كبيرة خبراء الاقتصاد في "بنك أبوظبي التجاري" مونيكا مالك أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية يتجه للانكماش 0.5% هذا العام، في مراجعة لتوقعها الشهر الماضي بنمو 0.2%، فيما قال ألكسندر إن القطاعات غير النفطية تحتاج إلى تسجيل نمو بنحو 5% في المتوسط هذا العام للحفاظ على النمو الاقتصادي.
وأضاف ألكسندر، وهو محلل أيضاً في شؤون الخليج في "غلوبال سورس بارتنرز": "هذا في الحقيقة هو بالضبط معدل النمو في النصف الأول، لكن المؤشرات الأساسية، مثل مؤشر مديري المشتريات، أشارت إلى تباطؤ محدود، وبالتالي قد يكون من الصعب الحفاظ على هذا النمو في النصف الثاني. ونتيجة لذلك، يبدو من المرجح حدوث انكماش طفيف في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي".
وفي العام الماضي، نما الاقتصاد السعودي 8.7% وحقق فائضا بلغ 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان ذلك هو أول فائض في 9 سنوات، وتزامن مع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قرب 124 دولاراً للبرميل. وهذا العام، توقعت الحكومة فائضاً يبلغ 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن بعض خبراء الاقتصاد يقولون إن حتى هذا يُعد ضرباً من التفاؤل.
وفي الشهر الماضي، قالت "أرامكو" إنها ستوزع نحو 10 مليارات دولار من الأرباح على المساهمين في الربع الثالث من التدفق النقدي الحر في أول خطوة ضمن عدة توزيعات إضافية، علماً أن "أرامكو" مملوكة للحكومة السعودية بنسبة 90% ولديها الكثير من السيولة النقدية بفضل الارتفاع الحاد في أسعار النفط العام الماضي.
تعقيباً، يقول جيمس سوانستون من "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة: "على الرغم من ذلك، نعتقد أن الحكومة ستسجل عجزا في الميزانية نسبته 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بما يقل كثيراً عن تقديرات الموازنة بتحقيق فائض نسبته 0.4%"، فيما لم ترد وزارة المالية السعودية بعد على طلب من "رويترز" للتعليق.
وسجلت المملكة عجزاً في الميزانية بلغ 8.2 مليارات ريال (2.19 مليار دولار) في النصف الأول من العام الجاري.
وأمس الخميس، قال مسؤول من صندوق النقد الدولي، توقع عجزاً هذا العام يبلغ 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي، إن الميزانية ستكون أقرب إلى التوازن نتيجة توزيعات الأرباح النقدية الإضافية من "أرامكو". وبخلاف عدد متزايد من خبراء الاقتصاد، يتوقع الصندوق أن يتمكن الاقتصاد من تسجيل نمو محدود لهذا العام.
ما الوضع بالنسبة لصندوق الثروة السيادي السعودي؟
وفيما لا يزال النمو في الاقتصاد غير النفطي قوياً في الوقت الراهن، أنفق صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي المكلف بقيادة المملكة لتنفيذ رؤية 2030 الاقتصادية، مليارات على نجوم كرة قدم عالميين والسياحة ورياضة الغولف والترفيه وشركات تصنيع السيارات الكهربائية.
وقالت شركة "آر.بي.سي كابيتال ماركتس" في مذكرة: "بالتأكيد لا نرى أي مؤشرات على أن سلسلة الاستحواذات التي ينفذها صندوق الاستثمارات العامة ستهدأ"، بينما لم يرد الصندوق بعد على طلب للتعليق.
وأدت الإصلاحات في الاستثمارات التي تقودها الدولة إلى زيادة حصة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 44% العام الماضي، لكن ذلك لا يشكل إلا ارتفاعاً نسبته 0.7% عن العام 2016.
حول هذه النقطة، يقول الباحث المساعد في "تشاتام هاوس" في لندن نيل كويليام: "أعتقد أن الواقع اتضح، وهو أن وتيرة التغيير لا يمكن أن تتحرك بالسرعة المأمولة، ويظل الاقتصاد معتمداً على الهيدروكربون، وسيظل كذلك لفترة من الزمن".
وتشير تقارير إلى أن ما تصل قيمته إلى 50 مليار دولار من أسهم أرامكو الجديدة قد يطرح في بورصة الرياض قبل نهاية العام، ما قد يوفر مبالغ ضخمة يمكن إنفاقها على مشروعات كبرى. ونقلت الحكومة ملكية 8% من "أرامكو" إلى صندوق الاستثمارات العامة وإحدى شركاته التابعة.
ويأتي تمويل صندوق الاستثمارات العامة من ضخ رأس المال ونقل الأصول من الحكومة وأدوات الدين وإيرادات الاستثمارات القائمة. لكنه أعلن عن تسجيل خسائر قدرها 15.6 مليار دولار العام الماضي، بما يرجع بالأساس لاستثماره في صندوق (فيجن فاند1) التابع لـ"سوفت بنك غروب"، إضافة إلى تراجع أوسع نطاقاً في السوق بشكل عام، خاصة في مجال التكنولوجيا.
وانتهى كويليام إلى القول: "حتى الآن، لم تثبت استثمارات الصندوق أنها مثمرة كما كان مأمولاً منها، ولم تجتذب البلاد أيضا ما أملته من الاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي أرامكو ستكون المحرك الأساسي الذي يواصلون الاعتماد عليه بقوة".
(رويترز)