هل ينجح النظام السوري في الاستيلاء على مشاريع "التعافي المبكر"؟

25 سبتمبر 2022
النظام يعوّل على الأموال والمشاريع المرتبطة بالتعافي المبكر (العربي الجديد)
+ الخط -

يسعى النظام السوري إلى استغلال الجهود الدولية الرامية إلى التخفيف من معاناة السوريين في الداخل، لكي تصب في صالح تقوية النظام نفسه، عبر الإشراف على كيفية إنفاق أموال المساعدات الدولية، ومحاولة احتكار إدارتها، والتحكم فيها، في محاولة للالتفاف على الموقف الدولي الذي يربط عملية إعادة الإعمار، بتحقيق تقدم في الحل السياسي.
وقد وجد النظام ضالته في مصطلح "التعافي المبكر" الذي ورد ذكره في قرار مجلس الأمن (2642) الصادر في 9 يوليو/ تموز العام الماضي والخاص بتمديد المساعدات الإنسانية عبر معبر "باب الهوى" في شمالي سورية، وذلك بهدف "توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى" وفق القرار.

وتحاول كل من روسيا والنظام السوري إقحام هذا المصطلح ضمن جهود التحايل على العقوبات الدولية المفروضة على النظام من جهة، ولفتح باب مساعدات إعادة الإعمار المغلق بقرار غربي حتى الآن، ربطا بالحل السياسي.

وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة "سانا" الرسمية أن وزير خارجية النظام فيصل المقداد بحث مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ضمن اللقاءات التي يجريها في نيويورك خلال مشاركته في الاجتماعات الدورية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، "جوانب التعاون بين سورية والأمم المتحدة".

وأشارت إلى تعهد غوتيريس "بالعمل على ضمان تمويل مشاريع التعافي المبكر، خاصة الكهرباء التي تعد من أهم القطاعات الحيوية وأنه سيتواصل مع الدول المعنية بهذا الشأن".

بدوره، أشتكى المقداد، وفق الوكالة، من أن بعض الدول تعرقل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2642 بخصوص مشاريع التعافي المبكر.

وكان المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي زار دمشق في 13 من الشهر الجاري، قد أكد أن "التعافي المبكر" في سورية، يجب أن ينجز "بسرعة، خاصة في بعض المناطق في ما يتعلق بالمياه والكهرباء".
ورأى غراندي في تصريحات أدلى بها في الأردن الذي وصل إليه قادما من سورية، أن مشاريع التعافي المبكر، هي سبب استمرار الأمم المتحدة بالعمل مع حكومة النظام السوري "بهدف المساعدة في خلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين".

 النظام يعول على أموال التعافي المبكر  

وتشير المعطيات إلى أن النظام السوري بات يعول أساساً على الأموال والمشاريع المرتبطة بـ"التعافي المبكر" باعتبار أن لها غطاء دوليا عبر قرار مجلس الأمن، وهو يستعجل الأمم المتحدة لزيادة عدد هذه المشاريع، وتوسيعها لتشمل جميع القطاعات، خاصة قطاع الكهرباء الذي يعيش واقعا مترديا، يوثر سلبا على كل القطاعات الأخرى، بما فيها الصناعة والزراعة والسياحة.

وبحث نائب وزير خارجية النظام بشار الجعفري في 22 الشهر الماضي مع رؤساء مكاتب وبعثات وكالات الأمم المتحدة العاملة في سورية "آليات متابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2642 المتعلق بالوضع الإنساني في سورية وخطط الأمم المتحدة لتنفيذ المشاريع المشمولة بمجال التعافي المبكر في سورية، ولا سيما في ما يخص قطاعي الكهرباء والمياه"، وفق وسائل إعلام النظام.
 وقال الجعفري إن حكومته "قرأت القرار 2642 قراءة إيجابية وطموحة وتعتبر وكالات الأمم المتحدة شركاء لها في تنفيذ هذا القرار وعليها الإسراع في تنفيذ مضمونه وتجاوز الروتين وإجراءات البيروقراطية".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويقول خالد التركاوي الباحث في مركز "جسور" للدراسات في حديث لـ "العربي الجديد" إن "حكومة النظام تركز كثيرا على مشاريع التعافي المبكر، باعتبارها منفذا للحصول على أموال المنظمات الدولية، حتى أن روسيا اشترطت للموافقة على بقاء معبر باب الهوى مفتوحا، تنفيذ هذه المشاريع".

وأضاف التركاوي الذي سبق أن أعد دراسة مطولة حول مشاريع التعافي المبكر، أن "المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى أن وزارات النظام المختلفة مثل الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل والزراعة والكهرباء تكثف جهودها، وتضع خططا لتأمين أموال بنحو مئة مليار دولار من الأموال الدولية، وهي خطة نظرية، لكنهم يسعون إلى تطبيقها".

ما هو التعافي المبكر  

وحول المقصود بهذا المصطلح، قال التركاوي إن النظام السوري ومعه روسيا يحاولان الخلط بين المصطلحات خدمة لأهدافهما، فهناك مشاريع "التنمية الاقتصادية" والتي تركز على البنى التحتية والتعليم والسكن والتكنولوجيا وكل ما من شأنه تحسين مستوى الحياة على المدى البعيد. وهناك أيضا مشاريع "الاستجابة الطارئة" والتي تعني القدرة على تأمين المساعدات والمشورة الفنية بشكل عاجل وسريع للمناطق المتضررة سواء نتيجة صراعات مسلحة أم كوارث طبيعية، وهي تركز على تأمين احتياجات النازحين.
وأوضح أن مصطلح "التعافي المبكر" يأتي وسطا بين هاتين الحالتين، يقوم به العاملون في الشأن الإنساني والشأن التنموي، ويعنى بالمشاريع التي تحتاجها المجتمعات الخارجة للتو من كارثة طبيعية أو حرب، بهدف ضمان عدم انتكاسة المجتمع، وتحفيز جهود التنمية. 

وأشار إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعرف مصطلح التعافي المبكر بأنه "نهج يلبي حاجات التعافي في مرحلة الاستجابة الإنسانية للطوارئ"، وهو لا يطابق فكرة إعادة الإعمار التي يتم الحديث عنها خلال النقاشات الدولية المتعلقة بسورية، ومع ذلك فهو مقبول لدى النظام وروسيا على المدى القريب على الأقل.

وأضاف أن المصطلح مقبول أيضا لدى الولايات المتحدة التي كانت لوحت بدعم مشاريع من هذا القبيل، كرد على تمنع روسيا في الموافقة على التمديد لقرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، بحيث يعتمد المجتمع المحلي على نفسه بقدر أكبر، بعيدا عن المساعدات الخارجية. وطبعا هذا ينطبق على المناطق الخارجة عن سلطة النظام السوري، في شمالي البلاد وشرقها.

النظام يتحايل على الأمم المتحدة 

وإذا كانت المنظمات الدولية تواجه صعوبات في الإشراف على مشاريعها ضمن مناطق غير خاضعة لسلطة نظام الأسد، على نحو ما شهدنا خلال كل موعد لتمديد قرار إدخال المساعدات الدولية إلى الشمال السوري، فإن الصعوبات تكون مضاعفة في مناطق سيطرة النظام الذي يسعى للسيطرة الكاملة على هذه المشاريع وتوجيهها لخدمة أجندته الخاصة.

ويقول الباحث التركاوي: "مع الأسف حتى الآن، هناك استجابة كبيرة لمطالب النظام السوري، من الناحية النظرية على أقل تقدير، وعملياً هناك بعض الأموال التي بدأت تتدفق لمناطق النظام، ويتم سرقتها فعلياً من قبل المسؤولين أو تحويلها إلى مؤسسات عسكرية أو أمنية كما هو الحال مع الأدوية".

ورأى الكاتب غازي دحمان أن مشاريع إعادة الإعمار تمول عادة عبر قروض واجبة السداد في حين أن مشاريع التعافي المبكر تقدم كمساعدة إنسانية، وهذا بيت القصيد لدى نظام الأسد الذي يكرس جهده لابتداع طرق تمكنه من الاستيلاء على هذه المشاريع، وتجييرها لخدمته.
وأضاف في حديثه مع "العربي الجديد" أن النظام السوري ما زال بالفعل يتحكم في كيفية توزيع المساعدات الدولية وسرقة التحويلات الخارجية من خلال التلاعب بأسعار صرف الدولار، أو توجيه مؤسسات تابعة له بالواقع، وتحمل صفة مستقلة، للتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها، بهدف خلق أولويات مصطنعة لإنفاق الأموال الدولية عليها، بعيدا عن الاحتياجات الفعلية للسكان.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بيانا حول آلية العمل بمشاريع التعافي المبكر في سورية، مع استثناء بعض القطاعات مثل النفط من هذه الأنشطة، بما يشمل شرق البلاد، وبعض مناطق الشمال السوري.
 

المساهمون