قضى مرشحا الرئاسة في الانتخابات الأميركية والمحللون شهورًا في تحليل استطلاعات الرأي والبيانات التي تقدم إشارات حول كيفية تصويت الناخبين في أن عامل الاقتصاد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه العامل الأهم، خاصة في الولايات السبع المتأرجحة، والتي يُرجح أن تحسم نتيجة الانتخابات الحالية.
وشهد الاقتصاد الأميركي عامة تعافيًا ملحوظًا، وإن بقي متأثرًا بالتضخم، منذ الركود الذي حدث في عام 2020 نتيجة لجائحة كورونا. وتشير البيانات الصادرة في الأسبوع الماضي إلى استمرار النمو القوي، رغم تأثير عوامل مؤقتة مثل الأعاصير والإضرابات على سوق العمل.
وفي الولايات المتأرجحة، التي تضم 61 مليون نسمة وتمثل ناتجًا محليًّا إجماليًّا قدره 4.4 تريليونات دولار يعادل حجم الاقتصاد الألماني، تبدو الصورة الاقتصادية مختلطة، حيث شهدت ولايات مثل أريزونا وجورجيا وكارولاينا الشمالية نموًّا سريعًا بفضل الاستثمارات وتدفق السكان إليها.
بينما في الولايات الصناعية التقليدية مثل ميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن، كان النمو أكثر تباطؤًا وتفاوتًا، مع معاناة بعض المقاطعات تراجع عدد السكان. أما في نيفادا، فلا يزال تأثير الجائحة يثقل كاهل الاقتصاد بسبب الضربة التي تعرض لها قطاع السياحة.
الاقتصاد الأميركي في الولايات المتأرجحة
وعبر الولايات السبع المتأرجحة، يواصل الناخبون تصنيف الاقتصاد أولويةً قصوى وفقًا لاستطلاع أجرته بلوميبرغ و"مورننغ كونسلت". ولفترة طويلة هذا العام، تقدم دونالد ترامب مرشحًا ينال ثقة الناخبين في إدارة الاقتصاد، قبل أن تأتي كامالا هاريس، مع دخولها سباق الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي بدلاً من الرئيس الحالي جو بايدن في يوليو/تموز، لتقلص الفجوة، خاصة في قضايا اقتصادية محددة، مثل خفض تكاليف الإسكان.
وأظهرت البيانات الرسمية أن ستًّا من أصل سبع ولايات متأرجحة سجلت نموًّا أسرع من المتوسط الأميركي، بعد تعديل أرقام الربع الثاني من هذا العام. وأظهرت بيانات التعداد السكاني أن نمو السكان بعد 2020 في الولايات المتحدة كان مدفوعًا بزيادة التنوع العرقي، إذ انخفض عدد السكان البيض بينما ارتفع عدد السكان من الأقليات، خاصة فيما يعرف بولايات "الجدار الأزرق" مثل بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن.
وكانت هناك علاقة أيضًا بين تغيرات السكان وعدم توازن التعافي من جائحة 2020 في الولايات المتأرجحة. فعلى سبيل المثال، شهدت ولاية بنسلفانيا تعافيًا أسرع في المدن الكبرى مثل فيلادلفيا وضواحيها، بينما يعيش 40% من سكان الولاية في مقاطعات لم تستعد ناتجها المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل الجائحة بنهاية عام 2022. وصوت أغلب هذه المقاطعات لصالح ترامب في انتخابات 2020.
أما مؤشر البؤس، الذي يجمع بين معدل البطالة ونسبة التضخم السنوي، فقد سجل أعلى المعدلات في ميشيغن ونيفادا وبنسلفانيا. وعلى الرغم من ذلك، شهد متوسط الدخل في تلك الولايات زيادات قوية، بينما كانت زيادات الدخل في ولايات مثل جورجيا وأريزونا أقل.
وفي ولايات أريزونا ونيفادا، كان النمو الوظيفي مزدهرًا مع ارتفاع التوظيف بنسبة تزيد عن 10% خلال السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، يبقى معدل البطالة في نيفادا من أعلى المعدلات في البلاد، حيث إن ارتفاع البطالة ليس دائمًا مؤشرًا على تسريح العمال، بل قد يعكس ارتفاع عدد السكان والقوى العاملة بشكل أسرع من قدرة الاقتصاد المحلي على توليد الوظائف.
ويشكل ارتفاع تكاليف شراء المنازل مصدر قلق كبير للناخبين، حيث أصبح امتلاك منزل من الأحلام بعيدة المنال لكثيرين في الولايات المتحدة. كما ارتفعت تكاليف الإيجار ارتفاعًا ملحوظاً منذ أواخر عام 2019، خاصة في ولايات مثل كارولاينا الشمالية ونيفادا وأريزونا، وهو ما قد يكون في صالح ترامب في الانتخابات الحالية، لو أراد سكان هذه الولايات التعبير عن سخطهم على أوضاع الاقتصاد الأميركي، خلال فترة حكم الحزب الديمقراطي، ممثلًا في بطاقة بايدن-هاريس.
وبالتأكيد توجد قضايا أخرى تشغل الناخبين مع اقتراب يوم الانتخابات، مثل حقوق الإنجاب والإجهاض، وأمن الحدود، والهجرة، والسياسة الخارجية، وحالة الديمقراطية الأميركية. لكن في ما يخص أولئك الناخبين في الولايات المتأرجحة، الذين يعتبرون الاقتصاد هو العامل الحاسم في قراراتهم، قد يكون السياق المحلي هو الأكثر تأثيرًا، وليس الصورة الوطنية العامة.