استمع إلى الملخص
- تتنافس قطر وإيران على إنشاء خطوط أنابيب الغاز عبر سوريا، حيث تسعى قطر لربط حقل غاز الشمال بالأسواق الأوروبية، بينما تروج إيران لخط بديل عبر العراق وسوريا لتعزيز نفوذها.
- تلعب تركيا دورًا رئيسيًا في معادلة الترانزيت، مستفيدة من مرور خطوط الأنابيب عبر أراضيها، بينما تسعى الولايات المتحدة لاحتواء النفوذ الروسي في سوق الطاقة.
دخلت سورية، مع سقوط نظام الأسد، مرحلة جديدة من إعادة تشكيل ملامحها السياسية والاقتصادية وسط تنافس دولي وإقليمي على مواردها وموقعها الاستراتيجي. وتُعد أزمة الغاز واحداً من أبرز التحديات التي تواجه البلاد في هذه المرحلة، حيث أدى انهيار البنية التحتية واستمرار العقوبات إلى تفاقم انعدام أمن الطاقة.
في هذا السياق، تتزايد أهمية مشروعات خطوط الغاز الإقليمية باعتبارها خياراً محتملاً لتعزيز إمدادات الطاقة في سورية وإعادة دمجها في شبكة الطاقة الإقليمية. ومن بين هذه المشاريع، يبرز خط الغاز القطري ـ التركي، الذي كان يُنظر إليه سابقاً على أنه مسار لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، وخط غاز إيران ـ العراق ـ سورية الذي يعرف بـ "خط أنابيب الغاز الإسلامي"، الذي كان يهدف إلى ربط إيران بأسواق البحر المتوسط وتعزيز نفوذها الإقليمي.
وذكر فيليبو سارديلا، رئيس معهد تحليلات العلاقات الدولية في روما، في تحليل تحت عنوان "خط أنابيب غاز قطر ـ تركيا والحرب في سورية" أن الحرب الأهلية السورية اندلعت عام 2011 نتيجة لديناميات جيوسياسية معقدة من نواحٍ عدة. وكانت ثمة شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية ممتدة تحت سطح الأحداث السياسية والعسكرية.
وأوضح سارديلا في التحليل الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن من بين هذه المشاريع، مشروع خط أنابيب قطر ـ تركيا (بطول 1500 كيلومتر تقريباً) الذي يهدف إلى ربط حقل غاز الشمال الضخم في قطر بالأسواق الأوروبية عبر السعودية، والأردن، وسورية وتركيا. لكن نظام بشار الأسد عارض المشروع، وفضل خط أنابيب بديل ترعاه إيران ويمر عبر العراق وسورية.
وتابع المحلل الجيوسياسي الإيطالي، قائلاً إن مقترح خط الأنابيب القطري ـ التركي كان محاولة من الدوحة لتنويع مسارات التصدير، وتوريد الغاز الرخيص مباشرة إلى الأسواق الأوروبية، حيث يمكنه الدخول في منافسة مع الغاز الروسي والإيراني. وفي هذا السياق، عمدت قطر إلى بناء تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، ما عزز مكانتها السياسية والتجارية شريكاً موثوقاً للطاقة.
وأضاف أن خط الغاز البديل، الذي اقترحته إيران، وكان من المفترض أن يمر عبر العراق وسورية بطول 2000 كيلومتر تقريباً، يمثل استراتيجية للتحايل على العقوبات والتنافس المباشر مع قطر، وتوسيع النفوذ الإيراني في بلاد الشام. وركزت طهران، على عكس قطر، أكثر على التحالفات الإقليمية مع روسيا والصين، في محاولة لمواجهة مصالح الكتلة الغربية وحلفائها الخليجيين.
مصالح متعارضة
وكان من شأن بناء خط الأنابيب بين قطر وتركيا أن يقلل كثيراً من اعتماد أوروبا على الغاز الإيراني والروسي، ما يمثل تهديداً استراتيجياً لطهران، وكذا لمركز موسكو المهيمن في سوق الطاقة الأوروبية. ونتيجة لذلك، دعمت إيران بقوة نظام الأسد، مستخدمة الأراضي السورية ممراً لمشروع خط أنابيب الغاز البديل. وترتبط معارضة إيران لخط أنابيب الغاز القطري أيضاً بهدفها المتمثل بالحفاظ على سيطرتها على طرق الطاقة في المنطقة، والاستفادة من ثقلها الاستراتيجي في الخليج والعراق.
وأشار المحلل الجيوسياسي الإيطالي إلى أن استقرار الأوضاع في سورية سيسمح بإعادة التفاوض بشأن مسارات الطاقة الإقليمية، من خلال التوصل إلى مواءمات بين الأطراف الفاعلة المعنية، متوقعاً أن تصبح سورية منفذ عبور لخطوط أنابيب الغاز. ولفت إلى أن سوق الطاقة الأوروبي سيستفيد من تنويع أكبر لمصادر الإمداد، وبالتالي تقليص الاعتماد على روسيا.
من جهته، ذكر رئيس مركز كارلو دى كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبى غاليانو، في تحليل نشره موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي تحت عنوان "سورية، وراء الحرب يتوارى حلم خط الغاز الإسلامي" أن الطاقة كانت أحد أهم الأسباب، من وجهة النظر الاستراتيجية، لدعم روسيا وإيران نظام بشار الأسد خلال الحرب السورية.
ورأى غاليانو أن مسألة الطاقة ستعود، مع سقوط نظام الأسد، لتكون في بؤرة الاهتمام. والحقيقة أن تحقيق الاستقرار في سورية من شأنه إتاحة بناء خطوط أنابيب الغاز التي تعبر البلاد وتتصل بالشبكة التركية، ما يضمن لأوروبا مصادر جديدة للإمدادات. هذا الاحتمال لا يحظى باهتمام قطر فحسب، بل أيضاً السعودية والإمارات، اللتين ترغبان في تنويع صادراتهما من الطاقة وتقليل الاعتماد على الطرق البحرية المعرضة للمخاطر في الخليج.
دور تركيا في معادلة الترانزيت وهواجس أميركا
وأضاف غاليانو أن تركيا تلعب دوراً رئيسياً في هذا الإطار، ولا سيما أن لديها مصلحة مزدوجة، عبر النفاذ مباشرة إلى موارد الطاقة في الشرق الأوسط وتحصيل رسوم العبور المربحة الناتجة من مرور خطوط أنابيب الغاز عبر أراضيها. وهو مشروع من شأنه، بالإضافة إلى تعزيز مكانة تركيا الاقتصادية، أن يعزز دورها مركزاً للطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.
وأشار إلى أن السيطرة على سورية وإدارة ممرات الطاقة التي يمكن أن تنشأ من أراضيها تمثل أيضاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة تحدياً مزدوجاً: احتواء النفوذ الروسي في قطاع الطاقة والحفاظ على أوروبا في موقع التبعية الذي يسيطر عليه الحلفاء الغربيون.
ولفت إلى أن القدرة الإنتاجية لخطي الغاز المقترحين تراوح بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، بما يكفي لتغطية جزء كبير من احتياجات أوروبا، التي بلغت في عام 2022 حوالى 400 مليار متر مكعب. وتبلغ التكلفة التقديرية لخط الأنابيب بين قطر وتركيا نحو 10 مليارات دولار، فيما قد تبلغ تكلفة خط الأنابيب بين إيران والعراق وسورية ما بين 6 و8 مليارات دولار. ويضاف إلى تلك التكلفة في كلا المشروعين استثمارات إضافية لإنشاء بنى تحتية داعمة، مثل محطات الضغط وموانئ التحميل.
الآثار الجيوسياسية لخط أنابيب الغاز
ورأى الباحث الإيطالي أن مرور خط أنابيب غاز عبر سورية سيكون له آثار هائلة: خلق بديل للغاز الروسي من الشرق الأوسط، من شأنه أن يضعف الاحتكار الروسي ويزود أوروبا بقدر أكبر من المرونة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تحل الكميات المنقولة عبر خطوط الأنابيب الجديدة محل الغاز الروسي بالكامل على المدى القصير.
وقال إن من خلال السيطرة على ممرات الغاز، ستتمكن تركيا من تعزيز مكانتها مركزاً إقليمياً للطاقة، ما يعزز من نفوذها على أوروبا والشرق الأوسط. وهذا ما يفسر اهتمام أنقرة برؤية نظام صديق في سورية ودعمها للإدارة الجديدة في دمشق، لكن واشنطن ترى في خط الأنابيب تهديداً اقتصادياً. لقد استثمرت الولايات المتحدة بكثافة لتصبح المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وقد تعارض بشدة المشاريع التي تقلل من اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي المسال الأميركي.
واستدرك غاليانو أن أوروبا يتعين عليها أن تواجه هذه المباراة المعقدة بهدف واضح: الحد من اعتمادها على مصادر الطاقة غير المستقرة أو التي تشكل خطورة من وجهة النظر الجيوسياسية. وفي هذا السياق، أظهرت الأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة، من الحرب في أوكرانيا إلى أزمة الطاقة في أعقاب انقطاع تدفقات الغاز الروسي، أن موثوقية الإمدادات مسألة تتعلق بالأمن القومي. وأضاف أن ما يسمى "حلم خط أنابيب الغاز" عبر سورية يمكن أن يمثل فرصة جديدة، ولكنه أيضاً يشكل عنصراً إضافياً من المخاطر.