هكذا تضغط اضطرابات البحر الأحمر الاقتصاد الأوروبي

19 يناير 2024
شركات شحن منها "ميرسك" حولت مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح (Getty)
+ الخط -

أدت أسابيع من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر على سفن متجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى تعطيل الشحن في قناة السويس، أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا يحمل 12% من حركة الحاويات العالمية.

وبالنسبة للاقتصاد الأوروبي، الذي يتجنب بالفعل ركودا معتدلا في الوقت الذي يحاول فيه التخلص من التضخم المرتفع، فإن تعطيلا طويل الأمد سيشكل خطرا جديدا على توقعاته، وقد يعرقل خطط البنوك المركزية لبدء خفض أسعار الفائدة هذا العام.

وفي ما يلي بعض العوامل التي يأخذها صناع السياسات في الاعتبار أثناء تقييمهم الوضع وتداعياته.

ما تأثير صراع البحر الأحمر على الاقتصاد الأوروبي حتى الآن؟

من حيث الاقتصاد الكلي، التأثيرات صغيرة إلى لا تذكر. فبينما قالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنها تراقب الوضع، ذكرت هذا الأسبوع أن التأثير الوحيد الملحوظ على الإنتاج حتى الآن كان بضع حالات من فترات التسليم المتأخرة.

واتفق معها رئيس "بنك إنكلترا" المركزي أندرو بيلي، الذي قال في جلسة استماع برلمانية، إن الأمر "لم يكن له في الواقع التأثير الذي كنت أخشى حدوثه"، لكنه أقرّ بأن الشكوك لا تزال حقيقية.

ولم يظهر حتى الآن أي تأثير من الهجمات على المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في أوروبا، بما في ذلك أرقام التضخم لشهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، والتي ارتفعت قليلا في جميع أنحاء المنطقة، بسبب مزيج من التأثيرات الإحصائية المتوقعة إلى حد كبير، وبعض التأثيرات لمرة واحدة وبعض الضغوط على أسعار الخدمات.

وقد يتغير ذلك برصد القراءات الأولية لمؤشر مديري المشتريات (PMI) يوم الأربعاء المقبل، للنشاط في الاقتصادات الأوروبية في يناير/ كانون الثاني الحالي، والتقدير الأول للتضخم في منطقة اليورو في 1 فبراير/ شباط عن الشهر الأول من السنة.

وقد تطرح رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد هذا الموضوع في مؤتمرها الصحافي بعد اجتماع تحديد سعر الفائدة يوم الخميس المقبل.

لماذا لا يعزز البنك المركزي الأوروبي اقتصاد القارة؟

ربما يكون السبب الرئيسي هو أن أداء الاقتصاد العالمي ككل لا يزال دون المستوى، مما يعني أن هناك الكثير من التراخي في النظام. مثلا، أسعار النفط هي القناة الأكثر وضوحا التي يمكن من خلالها أن تضرب مشكلات الشرق الأوسط الاقتصادات في أوروبا وخارجها.

والأزمة الفعلية لم تنطلق بعد، لأن الإمدادات قوية ونمو الطلب يتباطأ، كما قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول لوكالة "رويترز" هذا الأسبوع.

وقال بيرول: "لا أتوقع تغيرا كبيرا في أسعار النفط لأن لدينا كمية كبيرة من النفط في السوق".

وذكرت شركة الخدمات اللوجستية الألمانية العملاقة "دي أتش إل" DHL أنها لا تزال لديها قدرة شحن جوي متاحة، مع أن هذا ليس خيارا للجميع.

كما أن هذه الصورة الاقتصادية الضعيفة تجعل من الصعب على الشركات أن تمرر إلى المستهلكين أي زيادات في التكاليف التي يواجهونها، على سبيل المثال من خلال الاضطرار إلى تغيير مسارهم حول أفريقيا. فقد أعاد الكثير منهم بناء الهوامش في العام الماضي، ويقبلون أنهم قد يضطرون ببساطة إلى استيعاب هذه الهوامش.

في هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة "بيبكو" مالكة "باوندلاند"، آندي بوند، لـ"رويترز"، إن "أفضل توقعاتنا في الوقت الحالي هي أننا قادرون على استيعاب التكلفة الإضافية التي نقدر أنها ستأتي وما زلنا نحققها.. تحسين هامش الربح الإجمالي".

حتى إن شركة بيع الأثاث بالتجزئة "إيكيا" IKEA قالت إنها ستلتزم بتخفيضات الأسعار المخطط لها، ولديها مخزون لاستيعاب أي صدمات في سلسلة التوريد. وما دام هذا هو الحال بالنسبة لعدد كاف من الشركات، فإن التعطيل لن يحرك عجلة تضخم أسعار المستهلك.

هل يستطيع صناع السياسات الأوروبيون مواجهة أزمة الشحن البحري؟

كلا، لأنه كلما طال أمد الاضطراب، كلما زاد احتمال تأثيره على الصورة الاقتصادية الأوسع، حتى ولو على نحو تدريجي.

وباستخدام تقديرات صندوق النقد الدولي لتأثير ارتفاع تكاليف الشحن، قدرت "أكسفورد إيكونوميكس" في مذكرة بتاريخ 4 يناير/ كانون الثاني، أن المكاسب في أسعار النقل بالحاويات ستضيف 0.6 نقطة مئوية إلى التضخم في غضون عام. ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو من 5.4% في عام 2023 إلى 2.7% هذا العام.

وخلصت "أكسفورد إيكونوميكس" إلى أنه "في حين يشير هذا إلى أن الإغلاق المستمر للبحر الأحمر لن يمنع التضخم من الانخفاض، فإنه سيبطئ سرعة عودته إلى طبيعته". ومع ذلك، فإنه لا ترى أن هذا يمنع ما هو متوقع من خفض أسعار الفائدة.

وتمثل هجمات الحوثيين والمشكلات الأوسع في الشرق الأوسط أبرز "المخاطر الجيوسياسية" التي يشار إليها في محاضر مناقشات السياسة النقدية لمحافظي البنوك المركزية. فثمة خوف هو من التصعيد، وهذا الخوف في حد ذاته قد يغذي القرارات القادمة.

وأخيرا، ثمة احتمال بأن يشجع هذا الوضع الشركات على المضي قدما في الخطط التي جرى وضعها، بعد أن عطلت جائحة كورونا التجارة، من أجل إيجاد طرق إمداد بديلة أكثر قابلية للتنبؤ بها.

وقد يشمل ذلك مسارات تجارية أطول، لكن أكثر أمانا، و"تعزيزا قريبا" أو "إعادة دعم" لتقريب الإنتاج من الأسواق الرئيسية. لكن مهما كانت الخيارات التي سيتم استكشافها، فمن المرجح أن تشترك جميعها في شيء واحد، هو "التكاليف الأعلى".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون