هبوط جديد لليرة السورية يرفع الأسعار إلى مستويات قاسية

25 مارس 2023
استمرار تراجع الليرة (Getty)
+ الخط -

يستمر تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، ليبلغ أدنى مستوى له منذ إعلان السوريين ثورتهم عام 2011، وقت لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة، حيث سجلت العملة اليوم السبت 7500 ليرة للدولار في أسواق العاصمة دمشق، لترتفع أسعار السلع والمنتجات الغذائية، أيضاً إلى أعلى سعر تشهده سورية، بعد أن سجل كيلو الخيار اليوم 8500 ليرة والبصل 6 آلاف ليرة وارتفع سعر كيلو لحم الخروف في أسواق دمشق إلى أكثر من 100 ألف ليرة.

ويحمّل المستشار الاقتصادي، أسامة قاضي حكومة بشار الأسد مسؤولية تهاوي سعر صرف الليرة السورية جراء انسحابها من دعم العملة الوطنية، عبر التدخل المباشر وبيع الدولار أو تمويل التجار وعدم تركهم يجمعون العملات الأجنبية من السوق لتسديد ثمن المستوردات، بل، ولحاق المصرف المركزي السوق السوداء ليسعّر الليرة وفق مؤشراته، طمعاً بالحوالات الخارجية التي كانت تتسرب إلى أسواق الدول المجاورة وتعود بالعملة المحلية للداخل السوري، فتزيد من العرض وبالتالي من تراجع الليرة.

وفي الوقت الذي لا يقلل فيه رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية من الأسباب الاقتصادية، كتراجع الصادرات وانعدام عائدات السياحة، أو السياسية من عقوبات وهروب للرساميل والمنشآت، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن غاية نظام بشار الأسد هي البقاء في السلطة حتى لو انهارت الليرة، فبدلا من تحسين سعر الصرف عبر التدخل أو رفع سعر الفائدة لموازنة المعروض النقدي في السوق، رأينا المصرف المركزي يضارب عبر القرارات واللعب بالتسعير، لينهج، منذ أكثر من شهر، شكلاً جديداً بالانسحاب من دعم الليرة عبر التسعير وفق دولار السوق السوداء، ما خلق حاجزاً لليرة "لا أعتقد أن تتخطاه وهو 7500 ليرة للدولار" الأمر الذي انعكس على المستهلك الذي يتقاضى أجره بالليرة، بواقع ارتفاع أسعار زاد عن 100% خلال عام ونحو 50% منذ مطلع عام 2023.

ويستمر المصرف المركزي في دمشق، بتخفيض سعر صرف الليرة أمام دولار الحوالات الخارجية المحولة عبر الشركات العالمية، ليصل سعر الدولار وفق آخر نشرة أصدرها المركزي في دمشق، الأربعاء الماضي إلى 7200 ليرة ويسجل اليورو 7596.72 ليرة.

وتصدر هذه النشرة حسب المصرف المركزي في دمشق، بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية التجارية والحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية.

وتسعى حكومة بشار الأسد إلى الاستفادة من التحويلات الخارجية، عبر ما يصفه مختصون بـ "تعويم جزئي" من خلال تسعير الدولار رسمياً بموازاة سعر السوق، لكن سعر الدولار بشركات الصيرفة يبقى أعلى من سعر نشرة المصرف المركزي، ما أساء إلى سعر الليرة "سعر مقياسي وحاجز جديد" من دون أن تستفيد سورية من الحوالات التي يقدرها اقتصاديون بنحو 5 ملايين دولار يومياً، لأن سعر السوق لم يزل أعلى بنحو 300 ليرة سورية.

وبدأت دمشق الشهر الماضي عبر القرار 144 بالتخلي عن سعر الدولار الرسمي وإصدار نشرة تسعير أسبوعية "نشرة الحوالات والصرافة" رافعة سعر تصريف الحوالات الواردة عبر شبكات التحويل العالمية إلى سعر السوق السوداء بادئة أول رفع لسعر الدولار إلى 6650 ليرة قبل أن تتماشى مع السوق وترفع سعر العملة الأميركية إلى 7200 ليرة سورية.

وسمح قرار المصرف المركزي السوري للمصارف وشركات الصرافة بتسلم قيم الحوالات الخارجية الواردة وتصريف المبالغ النقدية "كاش"، وفق سعر صرف مقارب لسعر التداول "السعر المحدد وفق العرض والطلب بسوق القطع غير الرسمي" معتبراً خلال تعاميم مرافقة لنشرات الأسعار الخاصة بالحوالات، أن القرار يحقق ميزات مهمة إضافةً لتعديل سعر الحوالات والتصريف، وهي تسهيل عمليات التصريف المباشر لدى المصارف.

وتزامن تعويم دولار الحوالات الخارجية بدمشق مع قرارا وزارة التجارة الداخلية بالانسحاب من إصدار نشرات أسعار أسبوعية، وترك تسعير المنتجات الاستهلاكية في الأسواق، المنتجة محلياً والمستوردة، للتجار وفق فواتير تداولية تحرر من المنتجين وتجار الجملة والمستوردين.

الأمر الذي وصفه أسامة قاضي بـ"محاباة التجار على حساب المستهلكين" مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن واقع السوق والإنتاج في سورية لا يتناسب مع تحرير الأسعار وتطبيق قواعد السوق، إذ لا يطبق قانون منع الاحتكار، كما يلفت إلى أن تحميل التجار فقط، مسؤولية ارتفاع الأسعار "فيه ظلم" لأن معوقات الاستيراد وعدم تمويلها بالقطع الأجنبي، إضافة إلى الإتاوات على المستوردين، يفرض عليهم وضع أسعار نهائية تُضاف إليها تلك التكاليف، لنرى اختلالات سعرية وارتفاعات متتالية في الأسواق وعدم استقرار نقطة توازن العرض والطلب.

وبدأت آثار قرارات حكومة الأسد تتجلى بـ"أقسى حالاتها" خلال الفترة الأخيرة، فمع دخول شهر الصوم، قبل ثلاثة أيام، ارتفعت الأسعار بنحو 30% لبعض السلع والمنتجات، لترتفع الأسعار خلال بأكثر من 45% وفق ما يؤكد المتقاعد خليل مللي من العاصمة السورية دمشق.

ويضيف مللي أن سعر كيلو البرتقال ارتفع من 2500 إلى 3500 ليرة، والتفاح من 3500 إلى 5000 ليرة، ووصل سعر كيلو الفليفلة الخضراء بكل أنواعها إلى 8 آلاف ليرة، وتعدى سعر كيلو الخيار 8500 ليرة، مشيراً خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على الخضر والفواكه، بل الارتفاع الأكبر جاء على أسعار اللحوم والسلع المستوردة، ليسجل سعر كيلو الأرز الإسباني 17 ألف ليرة، والعدس الأبيض بمؤسسة التجارة الداخلية 16800 ليرة.

ويشير المتقاعد مللي إلى فلتان الأسواق واختلاف الأسعار كثيراً ضمن السوق نفسه، فحرية التسعير والرمي دائماً إلى ارتفاع سعر الدولار، زادا من الفوضى في الأسواق السورية التي وصلت الأسعار فيها إلى أكثر من عشرة أضعاف دخل المواطن وقدرته الشرائية.

ويحمّل، حتى التجار، رغم وصفهم من البعض بالمستفيدين، مسؤولية ارتفاع الأسعار لتخبط قرارات حكومة بشار الأسد، وخاصة تعويم سعر الليرة وتجربة تحرير الأسعار.

ويقول عضو غرفة تجارة دمشق، فايز قسومة إن تحرير الأسعار جزئياً تجربة باءت بالفشل، والغلاء أصبح لا يوصف، لذا يجب أن تلجأ الحكومة إلى تكبير الاقتصاد من خلال تأمين حوامل الطاقة وإنتاج أعظمي وتشجيع للصادرات لزيادة الرواتب بشكل متتالٍ، مشيرا إلى أنه يجب أن ترفع الرواتب حتى مليون ليرة.

ويضيف قسومة خلال تصريحات أمس نقلتها إذاعة "ميلودي" في دمشق: "إن الخطوات الحكومية ما زالت قاصرة ويجب وإزالة العقبات أمام المستوردين ومحاسبتهم إن أخطؤوا، والحكومة حاليا لا تستطيع محاسبتهم لأنها لم تعط الحلول السليمة للمستورد".

ويشير إلى أن رفع الأسعار ليس له علاقة بزيادة الرواتب، فقبل أن تعطي الحكومة منحة الـ 100 ألف كانت قد رفعت أسعار لتر المازوت والبنزين، بالتالي الحكومة في رأيه، هي من بدأت بجمع المنحة للموظف من مكان ثان، والتاجر لا يبيع أكثر مما يسمح به السوق وحاجته، لأن السوق يجب أن تقوده الحكومة والمجتمع الأهلي، لأن من أهم أدوار الحكومة خلق منافسة وإراحة الأسواق والاستماع للتجار عندها ستنخفض الأسعار، ولكن وفق ما نرى" لن تنخفض الأسعار بالمطلق" بسبب غياب المنافسة وقلة المستوردين.

المساهمون