في الوقت الذي يحتفي فيه المصريون، بإنجاز مهمة تعويم السفينة البنمية "إيفرغيفن" التي كانت جانحة في قناة السويس، كان الاحتفال الأكبر بالاعتماد بشكل أساسي على الأيادي والسواعد المصرية من أجل إتمام المهمة.
الحفاوة والتهنئة والفخر بالعمال أبطال هذا الحدث رغم معاناتهم من أزمات اقتصادية خانقة، كانت عناوين المنشورات والتدوينات القصيرة التي شاركها المصريون عبر حساباتهم المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي طوال اليومين الماضيين، حيث تكللت الجهود بنجاح تعويم السفينة ومغادرتها فعليًا أهم مجرى ملاحي في العالم. وبالفعل عبرت أكثر من 100 سفينة قناة السويس في الاتجاهين منذ تعويم السفينة الجانحة، حسب ما أفاد به التلفزيون المصري، أمس.
قصص العاملين في قناة السويس المشاركين في هذا الحدث الدولي كثيرة وتدعو للفخر، وفي نفس الوقت تعبر عن الأوضاع الحقيقية للعمال بشكل عام في مصر، كأزمة محلية ليس لها مكان في الصورة الكبيرة للحدث الدولي، حسب مراقبين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، المهندس السيد كراوية، أحد مهندسي القاطرات السبعة التي تولت عملية تعويم السفينة، هو ابن القيادي العمالي الراحل عبد المنعم كراوية، قائد عمال هيئة القناة منذ السبعينيات، والذي تم نقله من بورسعيد إلى السويس بسبب دفاعه عن زملائه، "فكان إبعاده عن مدينته المفضلة وعن موطنه وأهله، لكنه خلق من السويس وأهلها موطنا له ولأبنائه ولم يفارقها حتى رحيله"، حسب المحامي الحقوقي المصري، خالد علي، الذي استغل تلك المناسبة الوطنية لتوجيه التحية لروح المناضل العمالي عبد المنعم كراوية، والفخر والتقدير للمهندس سيد وكل عمال ومهندسي هيئة قناة السويس الذين ساهموا في تعويم السفينة.
وبينما توجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى قناة السويس صباح أمس، لتفقد مركز التدريب البحري والمحاكاة التابع للهيئة بالإسماعيلية، بعد نجاح جهود تعويم السفينة الجانحة، ولتوجيه الشكر والتحية لكل من أسهم في إتمام العملية، لا بد من إلقاء نظرة على أوضاع العمال في مصر، واستغلال تلك المناسبة للتذكير بمعاناتهم من أجل العمل على إصلاحها.
ويواجه قطاع كبير من عمال مصر أوضاعا اقتصادية مأساوية تعززت بسبب تداعيات فيروس كورونا الجديد، توضحها الأرقام الصادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية- بشأن الاحتجاجات العمالية في 2020 والتي كانت أغلبها تسعى إلى تحسين أوضاع العمال في ظل أزمة وباء كورونا، حيث وثقت 40 فعالية احتجاجية للعمال في الربع الأول من العام، و41 فعالية مماثلة في الربع الثاني، ونحو 75 فعالية في الربع الثالث، بالإضافة إلى 17 فعالية احتجاجية للعمال في الربع الخير من العام، ليصل إجمالي الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية في العام المنصرم، إلى نحو 173 فعالية من إجمالي 364 فعالية احتجاجية على مستوى كل الفئات والشرائح.
وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، قالت "هيومن رايتس ووتش"، إن مصر من ضمن 83 حكومة على الأقل حول العالم استغلّت الوباء الناتج عن فيروس "كورونا" لتبرير انتهاك حرية التعبير والتجمع السلمي، وهاجمت السلطات المنتقدين، واحتجزتهم، وحاكمتهم، وفي بعض الحالات قتلتهم. كما فضّت الحكومة احتجاجات سلمية، وأغلقت وسائل إعلامية، وسنّت قوانين فضفاضة تُجرّم التعبير الذي تزعم أنه يهدد الصحة العامة، ومن بين الضحايا صحافيون، ونشطاء، وعمال الرعاية الصحية، وجماعات سياسية معارضة، وآخرون انتقدوا استجابة الحكومات لفيروس كورونا.
صحيح أن وتيرة الاحتجاجات قلت تدريجيًا عن السنوات الماضية، نتيجة القبضة الأمنية الشرسة التي أحكمها النظام المصري على كافة مناحي الحياة، حسب التقارير الحقوقية التي رصدت هذه التحركات عامًا تلو الآخر، إلا أن هذا التراجع لا يعني أبدًا تحسنا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بل العكس تمامًا. فالوضع أسوأ لكن الصمت حتمي.
وما فاقم من معاناة عمال مصر قيام الحكومة برفع أسعار الوقود والكهرباء والعديد من الخدمات والسلع الضرورية، خلال الفترة الأخيرة.
وأدت جائحة كورونا إلى زيادات كبيرة في معدلات الجوع، وتدهور مستويات المعيشة لدى الأغلبية العظمى من سكان العالم، في ظل تخوف عالمي من تفشي البطالة وتعميق فقر العمال في العالم، نتيجة انتشار هذا الوباء. وتوصل تقرير لمنظمة العمل الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أن جائحة كوفيد-19 قد أدت إلى انخفاض الأجور الشهرية أو ازديادها ببطء أكبر خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020 في ثلثي البلدان التي توفرت فيها معلومات رسمية، مرجحاً أن تفرض الأزمة ضغطاً هائلاً باتجاه انخفاض الأجور في المستقبل القريب.