مهن غريبة تفرزها الحرب في غزة... تعرف عليها

27 يونيو 2024
سوق بين مبانٍ مدمرة في مخيم جباليا (محمود عيسى/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ظل الحرب على غزة، ظهرت مهن غير مألوفة كنتيجة للحصار، مثل المناداة على الركاب وبيع قطع الفاكهة وإصلاح الولاعات، تعكس إبداع الفلسطينيين في مواجهة الأزمات.
- الأزمة الحادة في النقل والمواصلات بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول المحروقات أدت إلى تغييرات جذرية في الحياة اليومية والاقتصادية للمواطنين في غزة.
- الانقطاع التام للتيار الكهربائي دفع السكان للابتكار في تلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل استخدام ألواح الطاقة الشمسية وإصلاح خزانات المياه المتضررة، مما يبرز صمودهم وتكيفهم مع الظروف القاسية.

ينهمك الفلسطيني أسامة حسونة من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في غزة بالمُناداة على الرُكاب للصعود على ظهر شاحنة لنقلهم إلى وجهاتهم، في مهنة غريبة خُلِقت خلال الحرب المستعرة على القطاع، نتيجة الأزمة الحادة في النقل والمواصلات، بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول المحروقات.

وتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بخلق العديد من المهن المُستجدة والتي تحمل طابعا غريبا لم يعتد عليه المواطنون من قبل، في محاولة لإدارة الأزمات التي تسببت فيها الحرب، والتغلب على حالة النقص الشديد في كل شيء.

ويدفع طول أمد الحرب على قطاع غزة الفلسطينيين إلى ابتكار أدوات، ومهن من شأنها إيجاد البدائل المناسبة لبعض النواقص، كذلك خلق فرص عمل مؤقتة يُمكنها توفير الدخل الذي يُعين أصحابها على الإيفاء قدر المُستطاع بالمتطلبات اليومية الهامة لأسرهم، في ظل حالة الغلاء الشديد.

ويقول الفلسطيني أسامة حسونة، الذي نزح برفقة عائلته من مخيم الشاطئ نحو منطقة المُعسكر في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، إن مهنة المناداة على الرُكاب لم تكن موجودة قبل الحرب، فيما كانت الشاحنات مُخصصة لنقل البضائع فقط، إلا أن العدوان أجبر المواطنين على تغيير الكثير من العادات.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويلفت حسونة لـ "العربي الجديد" إلى اضطرار الرُكاب للتنقل عبر العديد من وسائل النقل المُرهقة والمكشوفة للشمس والأتربة، كالشاحنات و "التكاتك" والعربات التي تجرها الأحصِنة، أو حتى في حقائب السيارات، لعدم وجود البدائل بسبب التأثيرات السلبية للنقص الحاد في الوقود على حركة سيارات الأجرة، إلى جانب تدمير نسبة كبيرة منها ضمن حرب الإبادة المتواصلة على الشعب الفلسطيني.

تعدد المهن الغريبة في غزة

تتعدد المهن الغريبة التي باتت تغزو شوارع قطاع غزة ضمن الحرب، حيث تشهد الأسواق حالة جديدة لبيع قطع البطيخ والأناناس نتيجة غلاء ثمنها بسبب ندرة دخول الفواكه نتيجة الاغلاق المتواصل للمعابر، وعدم قدرة المواطنين على شرائها كاملة نتيجة الأزمة المالية المتفاقمة، والتي ألقت بظلالها على القدرة الشرائية والاستهلاكية.

وتشهد طرقات الأسواق ومفترقات الطرق كذلك نقاط بيع سجائر الفرط، إلى جانب قص أصناف محددة وبيعها بالسنتيمتر بعد أن وصل سعر السيجارة الواحدة لأكثر من مائة ضعف ثمنها الأصلي، علاوة على بسطات أخرى لصناعة وبيع الغليون، والذي يعتبر بديلا عن السجائر، إلا أنه يعتمد بشكل أساسي على التبغ، وهو مرتفع الثمن أيضا، كما يحاول البعض التغلب على إشكالية انقطاع الإنترنت، عبر بيع حلقات المسلسلات والأفلام العربية والأجنبية، ونقلها بمقابل مادي للهواتف المحمولة.

ويساهم اكتظاظ آلاف النازحين في مناطق محددة بإنشاء دورات مياه مشتركة، حيث يتداعى البعض إلى مهنة صناعة كابينة دورة مياه جاهزة وتركيب قفل عليه لضمان خصوصيتها وبيعها، ما بات يساهم بزيادة إقبال النازحين على نسخ مفاتيح أقفال دورات المياه.

إصلاح الولاعات

دفع انقطاع الولاعات الفلسطيني بلال عرفات إلى امتهان تعبئة وتصليح الولاعات، في مهنة تعتبر الأغرب على مستوى المهن المُستحدثة خلال الحرب، خاصة وأن الولاعات كانت تُباع بأسعار زهيدة للغاية، تصل إلى حد أربع ولاعات بشيكل واحد، فيما ارتفع سعر الولاعة الواحدة ليصل إلى عشرة شواكل، أي بنسبة غلاء وصلت إلى 40 ضعفا. (الدولار يساوي 3.73 شواكل).

ويقول عرفات والذي يجلس أمام طاولة في سوق دير البلح الشعبي تكتظ بعشرات الولاعات وقطع الغيار الخاصة بها، لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع ثمن الولاعات دفع المواطنين إلى إصلاح التالف منها أو تعبئتها بالغاز بدلا من رميها كما جرت العادة، "يمكن إصلاحها وتعبئتها بمبلغ يصل إلى نصف الثمن الذي تباع فيه جديدة".

ويتابع عرفات: "لو حدثني شخص قبل الحرب أن هناك من يصلح الولاعات كنت سأضحك كثيرا، وأعتبر حديثه شيئا من العبث، بسبب رخص ثمنها قبل الحرب، إلا أن النقص الشديد الذي سببه العدوان الإسرائيلي على مختلف السلع، وما تلاه من غلاء فاحش في الأسعار يدفعنا الآن إلى تصديق كل ما يمكن أن نراه أو نسمع به".

غسل الملابس والتبريد

أما المُعضلة الأساسية، والمتمثلة في الانقطاع التام للتيار الكهربائي عن قطاع غزة مُنذ تسعة أشهر، فقد دفعت العديد من المواطنين إلى مُحاولة التغلب على الأزمة من خلال الاستعانة بألواح الطاقة الشمسية، وافتتاح المشاريع الصغيرة ذات الصلة، فاتجه بعضهم إلى شحن الجوالات وبطاريات الإضاءة والأجهزة الكهربائية، فيما اتجه آخر إلى غسل الملابس على الغسالة، وتمكن أكثرهم حظا من تشغيل ثلاجة، وإتاحة المجال لتبريد وتثليج الماء بمُقابل مادي، بعد كتابة اسم كل شخص على زجاجته.

وعلى الطريق الساحلي للمنطقة الوسطى، يُشعل الخمسيني الفلسطيني صبحي حنيدق الجمر لإحماء سيخ حديدي يستخدمه لكي يصلح خزانات المياه المتضررة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، حيث تتسبب الشظايا المُتناثرة بإحداث ثقوب في الخزانات المُحيطة بالأماكن المُستهدفة.

ويلفت حنيدق لـ"العربي الجديد" إلى أن ندرة وجود الخزانات، المترافقة مع الارتفاع الجنوني في أسعارها، دفعت العديد من الفلسطينيين إلى ترقيع الخزانات البلاستيكية بطريقة بدائية لا تعتمد سوى على سيخ حديدي وسكين ونار، موضحا أنه يعتمد في مهنته على توفير قوت أسرته التي تعيش في خيمة مُجاورة لمكان عمله.

المساهمون