يبدو أن نطاق هجرة مصانع إنتاج الأدوية في أوروبا آخذ في الاتساع، رغم أن التوجهات العامة الألمانية والأوروبية كانت تقضي باستعادة عمليات التصنيع من آسيا، وبالتالي تقليل التبعية وإعادة توطين المنتجات المهمة في أوروبا التي أصبحت أقل جاذبية كمواقع للصناعات الدوائية.
في هذا الإطار، أفادت صحيفة "هاندلسبلات"، يوم الأربعاء، في تقرير، بأن هناك عوامل مؤثرة في هذا الاتجاه، من بينها ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار المبيعات المحددة ضمن لوائح قانونية والتي تشكل عبئا على الأعمال التجارية للشركات، مشيرة إلى أن دراسة لمعهد الأبحاث الاقتصادية في كيلن توصلت إلى استنتاج مفاده أن شركات الأدوية يمكن أن تعيد النظر في قرارات الاستثمار المستقبلية المخطط لها في ألمانيا.
ويستشهد الباحثون في المعهد المذكور صراحة بارتفاع أسعار الطاقة والمواد والسلع الأخرى المكلفة للمنتج، وهذا أساس ضعيف جدا لـ"حملات إعادة الإنتاج"، لا سيما أنه لا يمكن ببساطة نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين، وهناك خطر أن تزيد هجرة هذه الشركات إلى الخارج، مع الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الخام التي تمثل تحديا كبيرا لها، خاصة أنه لا توجد أي فرصة لتمرير الأسعار الباهظة في الأسواق الأوروبية.
وإنتاج أدوية الجينريك (البديلة) في ألمانيا على وجه الخصوص يمكن أن يكون مهددا، لأن كلفة تصنيعها في الصين أرخص بنسبة 20% إلى 60% مقارنة بالإنتاج في الدول الغربية.
كما أشار التقرير إلى أن صناعة الأدوية لا تعتبر كثيفة الاستهلاك للطاقة المباشرة وبحدود 1% فقط، على عكس الصناعات الكيميائية أو صناعة الصلب، لكن المنتجات الأولية للتصنيع تمثل مصدر استهلاك أساسيا للطاقة وترفع كلفتها إلى مستويات أعلى، بينها تكاليف المواد الكيميائية والورق والكرتون والزجاج والبلاستيك، وهذا ما يؤثر في هوامش الربح حتى بالنسبة لمصنعي أدوية الجينيريك، مثل مسكنات الألم الشائعة والمضادات الحيوية.
ووفقا لمعهد الأبحاث في كيلن، ارتفعت الأسعار الإجمالية للمنتج في هذه الصناعات الأربع في ديسمبر/كانون الأول 2022، بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق، وفي قطاع التصنيع بأكمله بنسبة 13%.
وعن إمكانية إعادة النظر في هذه التوجهات والاستثمارات من الشركات المصنعة للأدوية مع التراجع الحالي لأسعار الطاقة في الأسواق الأوروبية، يفترض اقتصاديون أن تستقر الأسعار عند مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة وبدء العدوان الروسي على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
من جهته، أفاد الخبير الاقتصادي في معهد كيلن والمشارك في الدراسة سيمون شوماخر بأن أحد فروع شركة الأدوية الفرنسية "سانوفي"، مثلا، أصبح آخر الوحدات المصنعة للمكونات النشطة في أوروبا وينتج ما مجموعه 200 عنصر نشط في 6 مواقع في أوروبا.
ومن هذا المنطلق، قال المدير العام للشركة المذكورة بيار هالر إن أسعار الطاقة تلعب دورا رئيسيا في كلفة الإنتاج، ومن الصعب الإنتاج في هذه الظروف، حيث تغيب المنافسة العادلة مع الهند والصين.
وتحدث أيضا عن المعايير البيئية الأعلى المطلوبة، والتي يُمنع الاستغناء عنها في أوروبا، مشددا على أنه من دون دعم الدولة لا يمكن أن تصبح الصناعة مستقلة عن آسيا مجددا، بل على العكس، وبالتالي فإن ظاهرة تحوّل صناعات الأدوية إلى الخارج تبدو مستمرة.