اعتباراً من يوم الجمعة الماضي، أصبحت إيران عضواً كاملاً في منظمة "شنغهاي للتعاون"، حسب ما أعلن عن ذلك في القمة الـ22 لأعضاء المنظمة في العاصمة الأوزبكستانية سمرقند، ما يعد "نقطة تحول" في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، كونها تأتي في توقيت تتعرض فيه البلاد إلى عقوبات أميركية مشددة وشاملة منذ 2018، على خلفية الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفي ضوء غياب أفق واضح لرفع هذه العقوبات في المفاوضات النووية المتعثرة حالياً، والتي قال مسؤول السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أخيراً، إنها "وصلت إلى طريق مسدود".
تأتي عضوية إيران في شنغهاي في عدة سياقات اقتصادية وسياسية مهمة، أبرزها الاستدارة الإيرانية في السياسة الخارجية نحو تعزيز العلاقات مع الجيران والشرق، وذلك على حساب العلاقات مع الغرب في ضوء استمرار الصراع الإيراني مع القوى الغربية، وبالذات الولايات المتحدة الأميركية. وعليه، تنظر الحكومة الإيرانية المحافظة إلى العضوية الكاملة بمنظمة "شنغهاي للتعاون" كبوابة للالتفاف على العقوبات الأميركية والنظام المالي الدولي الخاضع للسيطرة الأميركية.
وفي كلمة له في قمة "شنغهاي للتعاون"، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الجمعة، أن انضمام بلاده إلى المنظمة يشكل "خطوة مهمة في السياسة الإقليمية والدولية للجمهورية الإسلامية"، معلنا استعداد إيران للعب "دور مؤثر" في مجال الطاقة لجهة إزالة مخاوف الدول الأعضاء في هذا المجال.
وأشار رئيسي إلى أن إيران تتجاور مع قطبين كبيريين للطاقة والهيدروكربونات في الخليج وبحر قزوين، فضلاً عن تمتعها بـ"شبكة نقل واسعة وموقع ترانزيت مناسب وقوة عاملة متخصصة"، مضيفا أنها "تعطي أولوية خاصة لتوسيع ممر الشمال الجنوب" الذي يربط روسيا بالمحيط الهندي عبر الأراضي الإيرانية.
أهمية "شنغهاي" لإيران
يقول المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي، إن منظمة "شنغهاي للتعاون" أكبر منظمة دولية حجما ومساحة وسكانا، تضم اقتصادات كبرى مثل الصين، واقتصادات نامية مثل الهند، مضيفا في مقابلة مع "العربي الجديد" أن دول المنظمة تشكل "سوقاً كبيراً وواسعاً للغاية"، كما أن المنظمة نفسها تمثل "محوراً اقتصادياً وأمنيا وسياسياً" بين أعضائه ترابط جغرافي متكامل.
ويؤكد لطيفي أن عضوية إيران الكاملة في شنغهاي "فرصة كبيرة" لها، لافتا إلى أنه "على الرغم من بعض الخلافات الحدودية والسياسية بين أعضاء المنظمة، لكن تربطهم مشتركات كبيرة، وتجمعهم أهداف مشتركة تشكل فرصة لبناء عالم جديد".
وفي إشارة إلى العقوبات الأميركية على النظام المالي الإيراني، يوضح المتحدث باسم الجمارك الإيرانية أن "ميثاق شنغهاي للتعاون ينص على اعتماد العملات الوطنية" في التجارة البينية، ليؤكد أن ذلك "يصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية لكونه يضعف سلطة الدولار واليورو ومركزية النظام المالي الدولي الذي حرمت إيران من استخدامه بسبب العقوبات".
سيؤدي اعتماد العملات الوطنية في التجارة الخارجية إلى تعزيزها أولاً، وتقوية اقتصاد الدول الأعضاء بمنظمة "شنغهاي" ثانيا، كما يقول المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، الذي أضاف أن عضوية إيران فيها ستعزز دور وموقع الممرات التجارية الدولية العابرة من الأراضي الإيرانية، منها ممر "الشمال الجنوب"، فضلا عن تعزيز موقع إيران في اتحادات اقتصادية أخرى، مثل الاتحاد الأوراسي ومنظمة التعاون الاقتصادي "إيكو".
والاتحاد الأوراسي تكتل اقتصادي يضم كلا من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان، فيما تحظى كل من مولدوفا وأوزبكستان وكوبا بوضع مراقب فيه، فيما تضم منظمة إيكو إيران وأذربيجان، وأفغانستان، وأوزبكستان، وباكستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقرغيزستان، وكازاخستان.
وخلال يونيو/حزيران الماضي، كشف مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري عن أن طهران اقترحت رسميا، على منظمة شنغهاي للتعاون، اعتماد عملة موحدة للمبادلات التجارية والمالية بين الأعضاء، بغية تسهيل التجارة بين الدول الأعضاء.
انضمت إيران كعضو مراقب في منظمة شانغهاي للتعاون قبل 15 عاماً، لكنها لم تصبح عضواً دائما فيها، قبل أن توافق المنظمة في اجتماعها الـ21 العام الماضي على عضوية إيران، على أن تبدأ إجراءات استكمال العضوية، وهو ما جرى بالفعل خلال العام الأخير، ليعلن الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرضيايف، الجمعة الماضي، في القمة الـ22 للمنظمة المنعقدة في سمرقند، عاصمة أوزبكستان التاريخية، عضوية إيران الكاملة فيها بعد توقعيها على جميع أوراقها ومعاهداتها السابقة.
وتأسست منظمة شنغهاي عام 1996 تحت اسم "شنغهاي 5" في اجتماع بمشاركة قادة روسيا والصين وقرغيزستان وطاجكستان، لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة، لكنها ارتقت لاحقا عام 2000 إلى منظمة سياسية واقتصادية وأمنية إقليمية، وتغير اسمها إلى "شنغهاي للتعاون" وأصبحت تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان والهند وباكستان، وأخيراً إيران، كأعضاء دائمين.
لكن ثمة بلدان تشارك في المنظمة بصفة المراقب، هي أفغانستان ومنغوليا وبيلاروسيا. كما أن دولاً أخرى تشارك في حوارات المنظمة، هي تركيا وأذربيجان وسريلانكا وأرمينيا وكمبوديا ونيبال والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر. علما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شارك هذا العام لأول مرة في قمة "شنغهاي للتعاون".
تساعد "شنغهاي للتعاون" إيران "حتماً في مواجهة العقوبات الأميركية والالتفاف عليها"، حسب ما صرّح به المتحدث باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي لـ"العربي الجديد"، قائلا في الوقت ذاته إن بلاده "هزمت نظام العقوبات" الأميركي، مستشهدا بأن تجارتها غير النفطية خلال العام الماضي "سجلت رقما قياسياً بعد أن بلغت 54 مليار دولار"، ويضيف أنها قبل العقوبات الأميركية عام 2018، بلغت 51 مليار دولار.
ويؤكد لطيفي أن إيران لن تكتفي بالالتفاف على العقوبات فقط عبر التجارة والعلاقات مع الدول الأعضاء في منظمة "شنغهاي للتعاون"، قائلا إنها "تبتكر أساليب حديثة لتصدير سلعها وتقوية اقتصادها، سواء عبر العملات الوطنية أو المقايضة".
التجارة الإيرانية مع "شنغهاي"
يبلغ حجم اقتصاد منظمة "شنغهاي للتعاون" نحو 20 تريليون دولار، وما يميزها وجود تكامل اقتصادي وجغرافي بين أعضائها، إذ غنها تضم أكبر منتجي النفط والغاز، كروسيا وإيران، كما أنها تضم أيضا مستهلكين كباراً مثل الصين والهند.
تجارة إيران تزدهر سنويا مع أعضاء "شنغهاي للتعاون"، فحسب المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، نمت، خلال الأشهر الخمسة الماضية، نحو 31%، إذ وصلت قيمة التجارة الإيرانية مع الدول الأعضاء إلى 17 مليار دولار.
ويضيف لطيفي أن إيران صدرت إلى الدول الأعضاء بالمنظمة، خلال هذه الفترة، سلعاً بأكثر من 9 مليارات دولار وبوزن حوالي 17.38 مليون طن، مشيرا إلى أن هذه الأرقام زادت بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي، لافتا إلى أن الواردات الإيرانية من الدول الأعضاء زادت 68% في الأشهر الخمسة الماضية، بقيمة 7.98 مليارات دولار وبوزن يزيد عن 4 ملايين طن.
تتصدر الصين قائمة التجارة مع إيران بين أعضاء "شنغهاي للتعاون"، حيث صدرت إيران إليها سلعا بقيمة 6.72 مليارات دولار خلال الأشهر الخمسة الماضية بزيادة 14%، وفق الجمارك الإيرانية، تليها الهند بـ729 مليون دولار بزيادة 20%، ثم أفغانستان بـ641 مليون دولار بنمو 25%، ثم باكستان بـ475 مليون دولار بارتفاع بلغت نسبته 13%، ثم روسيا بـ291 مليون دولار بزيادة 32%.
كما تصدرت الصين أيضا قائمة الموردين إلى إيران بنحو 5.5 مليارات دولار، بزيادة 53% على أساس سنوي، تليها الهند بقيمة 1.15 مليار دولار بنمو 142%، ثم روسيا بـ715 مليون دولار بزيادة 50%، وباكستان بـ429.3 مليون دولار بارتفاع نسبته 375%، وكازاخستان بـ78.4 مليون دولار بزيادة 174%.
ويتوقع المتحدث باسم الجمارك الإيرانية أن تتجاوز تجارة إيران مع أعضاء منظمة "شنغهاي للتعاون"، مع نهاية هذا العام، 37 مليار دولار، مؤكدا أن ارتفاع التبادل التجاري مع هذه الدول جاء فيما لم تكن إيران عضواً دائما في المنظمة، وبعد أن اكتسبت عضوية دائمة، ستشهد التجارة معها "قفزة كبيرة".
تحديات عدة
وعلى الرغم من الفرص الكبيرة التي تخلقها عضوية إيران في "شنغهاي للتعاون" لتوسيع تجارتها الخارجية، لكن ثمة تحديات أيضا تعتريها لا يمكن الاستهانة بها، لعل أبرزها، حسب خبراء إيرانيين، هو استمرار العقوبات الأميركية على إيران، الذي يشكل مانعاً لدى الدول الأخرى بما فيها تلك التي تواجه مشاكل وتوترات سياسية، مثل الصين، مع الولايات المتحدة، لتنمية علاقاتها التجارية خشية تعرضها لعقوبات أميركية.
وفي السياق، يُستشهد بحجم التجارة الإيرانية مع الصين، والتي كانت قيمتها قبل العقوبات الأميركية نحو 40 مليار دولار سنويا، لكنها تراجعت خلال السنوات الأخيرة لتصل، خلال العام الماضي، إلى 14 مليار دولار.
ووفق موقع "خبر أونلاين"، فإن أعضاء المنظمة ملتزمون بالمعايير الدولية في التعاملات المالية، وعليه، فإن هذه الدول قد لا يمكنها التجارة مع إيران بسهولة في الظروف الراهنة بسبب عدم انضمامها إلى مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف"، فضلا عن العقوبات الأميركية.
وكانت مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف" (FATF)، قد أدرجت، خلال فبراير/شباط 2020، إيران على قائمتها السوداء بعد انتهاء مهلتها الرابعة لها لإقرار التشريعات اللازمة للانضمام إليها. و"فاتف" هي هيئة رقابية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف عملها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
والتحدي الآخر، الذي يتحدث عنه خبراء إيرانيون، أن روسيا بصفتها أحد أهم أعضاء "شنغهاي للتعاون" تعد منافساً لإيران في قطاع الطاقة، ولذلك، ستواجه إيران مشاكل وتحديات في تعزيز تعاونها مع دول أسيا الوسطى في مجال الطاقة، الذي تتعرض فيه إيران لعقوبات أميركية مشددة.