مع انطلاق الدراسة.. كونوا أشعريين يا أهل مصر

02 سبتمبر 2022
الأسر الفقيرة 8.5 ملايين من إجمالي عدد الأسر في مصر والبالغ 25.1 مليوناً (Getty)
+ الخط -

 تعيش الطبقتان المتوسطة والفقيرة في مصر حياة صعبة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، على مدار السنوات الماضية، بسبب التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية، والتي تتجلى مظاهرها في انخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أعباء الأسرة. 

ولم يعد أمام الحكومة إلا أن تمارس المزيد من الإجراءات التي اعتادت عليها منذ منتصف عام 2013، بتحميل المواطنين أعباء لا قبل لهم بها، من تقليص الدعم، ورفع أسعار السلع والخدمات العامة، وفي نفس الوقت تكاد تكون الدخول أو الرواتب شبه ثابتة، أو تزيد بنسب قليلة.

وتسبب هذا الوضع في زيادة عدد الأسر الفقيرة، فحسب تصريح نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، في فبراير 2021، بلغ عدد الأسر الفقيرة 8.5 ملايين أسرة، من إجمالي عدد الأسر في مصر، والبالغ 25.1 مليون أسرة.

فما بالنا الآن، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءًا بمصر، بعد فبراير/شباط 2022، والبلاد تتعرض لأكبر أزمة تمويلية في تاريخها، وثمة تمهيد من قبل إعلاميي النظام، بأن هناك موجة غلاء جديدة، سوف تعيشها البلاد، مع قرب توصل حكومة مصطفى مدبولي لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

الأشعريون يا أهل مصر 

يسأل القارئ: وما علاقة الأشعريين بما يمر به فقراء مصر، خاصة أن الحكومة شبه رفعت يدها عن الفقراء، بعدما تورطت في سياسات اقتصادية فاشلة، وانحازت لصالح الأغنياء، وأهدرت موارد البلاد المحدودة في مشروعات غير ذات جدوى؟

النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الشريف: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم".

والأشعريون الذين استجلبوا حب رسول الله بسلوكهم، حتى وصفهم بأنهم منه، وهو منهم، هم قبيلة الأشعريين، التي ينتمي إليها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري. والنبي امتدح سلوكهم التكافلي، لأنهم إذا تعرضوا لأزمة يقل فيها الطعام، أو كانوا في جهاد في سبيل الله، جمعوا ما عندهم من طعام ومختلف أنواع الزاد، وقسموه بينهم بالسوية.

عدد الأسر الفقيرة 8.5 ملايين أسرة، من إجمالي عدد الأسر في مصر، والبالغ 25.1 مليون أسرة

وبطبيعة الحال، الحمد لله نجد أن المجتمع المصري تكافلي، ويكثر فيه عمل الخير، ووقت أن كانت تُنشر أرقام رسمية مقاربة للحقيقة والواقع في مصر، قبل ثورة 25 يناير 2011، قدر حجم الأموال التي تنفق على أعمال الخير سنويًا بمصر بنحو 18 مليار جنيه. (الدولار=19.24 جنيها).

ونعلم ما يعانيه العمل الخيري المنظم الآن، من سيطرة الأجهزة الأمنية، وسعى نظام السيسي لعسكرة نشاط الجمعيات الخيرية، بوضع قيادات سابقة بالجيش والشرطة على رأس كبرى الجمعيات الخيرية، مما أفقدها ثقة من كانوا يتبرعون بها في الأوقات السابقة، فضلًا عن إغلاق العديد من الجمعيات الخيرية التي كان يديرها الإسلاميون قبل انقلاب يوليو 2013.

وأحد أهم ملامح مكافحة الفقر في المجتمع المصري، هو الحماية الأسرية أو العائلية، بسبب غياب أو ضعف الحماية الاجتماعية التي يجب أن تقدمها الحكومة للمواطنين.. فمن خلال الحماية الأسرية أو العائلية، يحصل الفقراء من أقاربهم على الكثير من احتياجاتهم من طعام وملابس ومصارف الدراسة، وتجهيز البنات للزواج وغير ذلك.

لذلك، يمكن القول إن المصريين، في هذا السلوك الاجتماعي الإيجابي، والذي يوجبه الدين الإسلامي، يهتدون بسلوك الأشعريين، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال في حديث الشريف: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".

الأشعريون والمدارس 

أيام معدودة ونستقبل العام الدراسي الجديد، بمراحله التعليمية المختلفة في مصر، وطبعا حكومتنا السيئة أعدت العدة، من خلال عجزها عن توفير المعلمين بالعدد المطلوب، أو الفصول الدراسية الكافية للتعليم ما قبل الثانوي، حيث تبين الإحصاءات وجود عجز في عدد المعلمين بنحو 320 ألفاً، وعجز الفصول الدراسية بنحو 250 ألف فصل، فضلًا عن رفع الرسوم الدراسية بمختلف المراحل الدراسية.

وإذا كنا قد ذكرنا أن عدد الأسر الفقيرة بمصر يصل إلى 8.5 ملايين أسرة، وبما يعني أن نسبة الفقراء تقدر بنحو 33.8% من إجمالي سكان مصر، ولا ننسى أن هناك 1.5 مليون أسرة مصرية تعيش كل أسرة منها في حجرة واحدة. وهو ما يعكس حجم الفجوة في توزيع الثروة.

فبالوقت الذي يعيش فيه هذا العدد من الأسر في حجرة واحدة، نجد تلك الأسر التي تشتري شاليه لفترة شهور الصيف بمبلغ 110 ملايين جنيه، ولا يغيب عنا في تلك الأحوال أن نذكر بالفجوة الكبيرة بين خط الفقر للأسرة المصرية والحد الأدنى للأجور عند 2700 جنيه.

وجود عجز في عدد المعلمين بنحو 320 ألفاً، وعجز الفصول الدراسية بنحو 250 ألف فصل، فضلًا عن رفع الرسوم الدراسية بمختلف المراحل

هذه الأسر الفقيرة لديها أبناؤها في مراحل التعليم المختلفة، وهي مطالبة الآن بتجهيز مصاريف المدارس ومتطلبات الدراسة، من حقائب وملابس وأدوات مدرسية. والطامة الكبرى ميزانية للدروس الخصوصية، فضلًا عن ميزانية لتجهيز وجبة مدرسية، أو مصاريف جيب للمواصلات والطعام.

وحتى نكون أشعريين ونحقق التكافل المطلوب، فعلى كل ولي أمر أو أسرة مصرية، أن تستوعب أهمية التعليم بالنسبة للفقراء، فهو المخرج الأول والمهم للحراك الاجتماعي الإيجابي للفقراء، وكسرهم لطوق الفقر، فمن خلال التعليم ستكون مصر أفضل في قادم الأيام.

واستمرار التسرب من التعليم، أو زيادة الأمية، يعني زيادة معدلات الجريمة، وتعرض الأمن الاجتماعي لمزيد من الخطر. 
لذلك على القادرين أن يتجهوا لرعاية الأسر الفقيرة، سواء في الطبقة الفقيرة، أو في الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، إذا كانت لديكم حقائب مستعملة وبحالة جيدة، أو ملابس مدارس مستعملة وبحالة جيدة، فأعطوها للفقراء بطريقة تحفظ عليهم مشاعرهم. 
وكذلك القادرون على مساهمة في تدبير المصاريف الدراسية للطلاب والتلاميذ الفقراء، فلا بد أن تُعطى لهم هذه المساعدة قبل بداية العام الدراسي بفترة كافية، حتى لا يبدأ العام الدراسي، ويتعرض هؤلاء التلاميذ والطلاب لمواقف تجرح مشاعرهم أمام زملائهم ومدرسيهم، بأنهم عاجزون عن دفع مصاريف الدراسة. 
منذ أيام قرأت عن حالة إنسانية كبيرة، في بلد مسلم يراعي مسألة الحد الأدنى للأجور بصورة حقيقية، حيث تبين أن هناك عامل نظافة يوفر كفالة لثلاثة طلاب بالتعليم، وقال الرجل إنه يسكن في بيته ولا يدفع إيجاراً، وإنه يستطيع أن يتبرع بجزء من دخله الشهري لمساعدة الطلاب.

فما بالنا، ونحن لدينا ما يمكن أن نقدمه بصور كثيرة، لتعليم أبناء الفقراء، لعل ما ذكرنا من احتياجات للفقراء للدخول للعام الدراسي، حقائب، ملابس، مصاريف المدارس، أعباء الوجبات المدرسية، مصاريف الدروس الخصوصية، وغيرها، ومن وسع الله عليه ويمكنه تقديم حقائب وملابس جديدة لأبناء الفقراء، فهو أمر جيد، ولينفق ذو سعة من سعته.

استمرار التسرب من التعليم، أو زيادة الأمية، يعني زيادة معدلات الجريمة، وتعرض الأمن الاجتماعي لمزيد من الخطر

لا يعني هذا أنني أبرر التقصير الكبير للحكومة، تجاه الفقراء، فهو سلوك يستوجب المحاكمة السياسية والجنائية، في ضوء سوء تصرفها الاقتصادي غير الرشيد، والذي نتج عنه اتساع شريحة الفقراء، وتعرضهم لمآسٍ اقتصادية واجتماعية، تعمق حرمانهم من العديد من حقوقهم المعيشية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

فالتكافل الاجتماعي سلوك أصيل في مجتمعنا المصري، حث عليه ديننا، وعاداتنا وتقاليدنا، فاجعلوا من أموال صدقاتكم وزكواتكم مجالًا لتمويل تعليم الفقراء، ليكونوا خير شركاء في المجتمع. لا تنتظر بدء الدراسة، أو قبل البدء بيوم أو يومين. سارع من الآن، فالأجر كبير لهذا العمل.

المساهمون