معركة عض الأصابع بين أوروبا وروسيا حول التسعير وإمدادات الغاز

18 سبتمبر 2022
تراهن أوروبا على "الموردين الموثوقين" مثل الولايات المتحدة والنرويج والجزائر (فرانس برس)
+ الخط -

تتجه معركة عض الأصابع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا نحو التصعيد بعد أن قطعت موسكو الغاز عن 13 دولة أوروبية كلياً أو جزئياً، بينما تتوجه بروكسل نحو تسقيف أسعار الغاز، ووضع خطة صارمة لمواجهة شتاء روسي قاس.

وما يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الثقة في قدرته على تحمل انقطاع تام للغاز الروسي، الذي كانت دوله تعتمد عليه بنسبة 40 بالمئة، تمكنه من تخفيض هذه النسبة إلى 9 بالمئة فقط.

وتجاوز الاتحاد الأوروبي نسبة ملء خزانات الغاز، الهدف المحدد والمقدر بـ80 بالمئة، ليبلغ 84 بالمئة، ومع ذلك فإن رئيسة المفوضية الأوروبية ترى أن ذلك "ليس كافيا".

فهذه النسبة لا تسمح لأوروبا سوى بالصمود ثلاثة أشهر، لذلك تراهن فون ديرلاين على من تسميهم "الموردين الموثوقين"، والمتمثلين في الولايات المتحدة والنرويج والجزائر، للحفاظ على أوروبا دافئة على المدى الطويل.

الألم المتبادل

الكل يتألم في معركة الغاز، فدول الاتحاد الأوروبي تجد صعوبة في تعويض الغاز الروسي قبل الشتاء المقبل، ناهيك عن الأسعار المضاعفة، في حين تشهد مداخيل روسيا من النفط والغاز تراجعا شهريا بداية من أغسطس/آب الماضي، رغم ارتفاع الأسعار.

وعلى المديين القصير والمتوسط، من المرجح أن تفقد موسكو النسبة الأكبر من السوق الأوروبية، ومن الصعب على السوق الآسيوية استيعاب كامل الصادرات الروسية.

وتحتاج روسيا إعادة بناء شبكة جديدة من أنابيب الغاز نحو الصين، وربما الهند، على المدى المتوسط، بينما ستذهب معظم استثمارات خطوط أنابيب الغاز الروسية نحو أوروبا مهب الريح، إلا إذا تحسنت العلاقات مستقبلا، فلا يوجد مستحيل في السياسة.

وتكلفة فرض أوروبا وحلفائها عقوبات على روسيا، على خلفية الحرب في أوكرانيا، كانت كبيرة، بالنظر إلى تضاعف أسعار الغاز في السوق الدولية، وانتشار التظاهرات والاحتجاجات في أكثر من بلد أوروبي بعد ارتفاع فواتير الكهرباء وغاز التدفئة.

غير أن الاتحاد الأوروبي لا يبدي استعدادا للتراجع أمام التهديدات الروسية بوقف إمدادات النفط والغاز إلى القارة العجوز.

ورئيسة المفوضية الأوروبية ماضية في اقتراح خطة متشددة، ستكون لها تداعياتها على تماسك الاتحاد الأوروبي وعلى علاقته ليس فقط بروسيا بل بكبار مصدري الغاز أيضا.

خطة "فون ديرلاين"

تتمثل خطة "فون ديرلاين" لإصلاح جذري لقطاع الكهرباء وإنهاء تبعية أوروبا للغاز الروسي، بحسب وسائل إعلام غربية، في تحديد عائدات توليد الطاقة لشركات الطاقات المتجددة والنووية بـ180 يورو لكل ميغاواط/ساعة، ما سيسمح بجمع أكثر من 140 مليار يورو. وفرض ضريبة على الشركات العاملة في صناعات النفط والغاز والفحم والتكرير بنسبة لا تقل عن 33 بالمئة من أرباحها الإضافية.

بالإضافة إلى حث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على خفض الاستهلاك الإجمالي من الطاقة بـ10 بالمئة، وفرض خفض الطلب خلال ساعات الذروة المحددة بـ5 بالمئة.

وتقترح فون ديرلاين وضع سقف لسعر الغار الروسي المرسل إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب، بينما تطالب دول أخرى، على غرار إيطاليا، بتسقيف سعر الغاز من جميع الدول، في إشارة إلى الولايات المتحدة والنرويج والجزائر وقطر وأذربيجان.

وستعرض المفوضية الأوروبية دعماً لمنتجي الكهرباء الذين يواجهون صعوبات في السيولة.

وأشار مسؤول في الاتحاد الأوروبي إلى أن دول الاتحاد "يمكنها استخدام 225 مليار يورو (227.57 مليار دولار) في قروض غير مستغلة من صندوق التعافي التابع للاتحاد، لمعالجة مشكلات الطاقة".

واتفقت دول الاتحاد الأوروبي، في 2020، على تشكيل صندوق التعافي، حزمة إنقاذ للدول الأشد تضررا من وباء كورونا، ودشن فعليا في 2021، بقيمة ضخمة تصل إلى نحو 800 مليار يورو.

ومع انقشاع سحب وباء كورونا، تُمكن لدول الاتحاد الأوروبي الـ27 الاستفادة من صندوق التعافي، والحصول على قروض لمواجهة أزمة الطاقة.

انقسام أوروبي

لا تحظى خطة فون ديرلاين بإجماع دول الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها تتعلق بتسقيف سعر الغاز الروسي، في الوقت الذي يهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف نهائي لإمدادات الطاقة نحو أوروبا.

فدول شرق أوروبا أو الدول غير المطلة على البحار، مثل النمسا وبولندا، تخشى أن يؤدي تسقيف أسعار الغاز إلى قطع روسيا الغاز الطبيعي عنها نهائيا، في الوقت الذي لا تملك فيه بنية تحتية كافية لاستيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة أو من دول أخرى، ما سينعكس سلبا على إنتاج الكهرباء وتلبية حاجات مصانعها.

وتعتبر المجر من أكثر الدول في الاتحاد الأوروبي الرافضة فكرة تسقيف أسعار الغاز الروسي، أو حتى تخفيض الكميات المستوردة منه عبر الأنابيب.

وهذا الوضع من شأنه تعميق الانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بين الدول التي ملأت خزاناتها من الغاز بنسب تفوق 80 بالمئة ولها بدائل لاستيراد الغاز من دول أخرى، وبين الدول الأوروبية التي لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لاستبدال الغاز الطبيعي الروسي بالغاز المسال.

والحديث عن تسقيف سعر الغاز الطبيعي غير الروسي سيفتح أزمة مع النرويج والولايات المتحدة، أكبر مصدرين للاتحاد الأوروبي، خاصة أن الأمر يتنافى مع مبادئ اقتصاد السوق، وأن الأسعار يحددها العرض والطلب.

فالنرويج، التي أصبحت على رأس الدول المصدرة للغاز إلى أوروبا بعد تراجع الغاز الروسي، شككت في إمكانية تحديد أسعار الغاز في ظل اشتداد الطلب عليه.

وقال رئيس الوزراء النرويجي يوهان غار ستور، عقب مكالمة هاتفية مع رئيسة المفوضية الأوروبية: "فرض سعر أقصى لا يغير المسألة الأساسية المتمثلة في وجود نقص في الغاز في أوروبا".

فتنفيذ قرار تسقيف أسعار الغاز الذي تؤيده 12 دولة أوروبية على الأقل من شأنه توسيع الصراع، ليس فقط مع روسيا بل مع الدول المصدرة للغاز بما فيها الحليفة والموثوقة.

تراجع مداخيل روسيا

تأمل دول الاتحاد الأوروبي أن تجعل روسيا تصرخ أولا، بعد إجراءاتها الطارئة، وعقوباتها المفروضة على موسكو منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي.

حيث تتحدث صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية عن تسجيل الموازنة الروسية عجزا في شهر أغسطس/ آب الماضي، بلغ 5.9 مليارات دولار، بعدما راكمت فائضاً على مدى الأشهر السبعة الأولى من هذا العام بلغ أكثر من 8 مليارات دولار.

وأدى عجز الموازنة في شهر واحد إلى تأكل فائض سبعة أشهر وتقلصه في أغسطس إلى نحو ملياري دولار، بعد تراجع صادرات الطاقة إلى أوروبا بنحو 20 بالمئة.

وهو ما تعتبره الدول الغربية بداية تأثير عقوباتها على الاقتصاد الروسي، في الوقت الذي تحاول فيه استيعاب صدمة وقف إمدادات الغاز الروسي، بزيادة إنتاج الطاقات المتجددة، والعودة ولو مؤقتا إلى استغلال الفحم والطاقة النووية، واستيراد كميات إضافية من الغاز من الولايات المتحدة والنرويج والجزائر وأذربيجان ونيجيريا.

غير أن روسيا قللت من تأثير العقوبات الغربية على عائداتها من الطاقة، وتوقعت أن انخفاض إنتاجها من النفط في 2022 سيتراوح بين 5 و8 بالمئة مقارنة بـ2021.

وبينما كانت توقعات الخبراء لمداخيل النفط والغاز الروسي لعام 2022 تبلغ 321 مليار دولار، بحسب خبراء، ارتفعت إلى أكثر من 337 مليار دولار، بزيادة تقدر بـ38 بالمئة عن عام 2021، وفق وزارة الاقتصاد الروسية.

وهذه الأرقام تكشف أن الاقتصاد الروسي، وإن بدأ يتضرر من العقوبات الغربية، ما زال قادرا على الصمود لفترة أطول، خاصة أن مداخيل الطاقة تمثل نحو ثلث صادرات البلاد.

بينما يستعد الاتحاد الأوروبي ليُفطم عن الغاز الروسي من خلال إجراءات صارمة، فإن قدرة دول الاتحاد الأوروبي على الصمود في الشتاء غير متساوية، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ستحافظ على تماسكها وتضامنها أم أن ذلك سيعمق الانقسام بينها.

(الأناضول)

المساهمون