بات من الخداع القول إن الحكومة المصرية تسعي لإبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على "شهادة ثقة" تلعب دورا في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية الخارجية سواء المباشرة أو الساخنة، لأن هذه الحجة تم ترويجها في قرض نوفمبر 2016 ولم تتحقق.
وبات من الخداع القول إن هذه الشهادة تحتاجها الحكومة بشكل ملحّ لمساعدتها في تنشيط إيرادات النقد الأجنبي من الموارد الذاتية، وهي السياحة والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، فهذا الكلام يتكرر مع كل اتفاق مع صندوق النقد.
الحكومة في حاجة ملحّة لشهادة وصك صندوق النقد الدولي لاغتراف مزيد من القروض الخارجية
بل الأدق هنا هو القول إن الحكومة في حاجة ملحّة لشهادة وصك صندوق النقد الدولي لاغتراف مزيد من القروض الخارجية، سواء من المؤسسات المالية الدولية أو عبر طرح سندات دولية، خاصة أن تلك مهمة سهلة بالنسبة لها، لا تحتاج إلى أي مجهود أو تخطيط وعمل دؤوب ومتواصل ومكافحة الفساد والبيروقراطية والاحتكارات وخلق بيئة مناسبة للاستثمار.
كل ما تحتاجه هو الموافقة على شروط الدائنين، من حيث دفع أسعار فائدة مرتفعة ورسوم إدارية عالية على الدين، وتعويم متواصل للجنيه، وإلغاء الدعم عن سلع أساسية، ورفع مستمر للأسعار، وزيادة الضرائب والرسوم، والضغط المتواصل على المواطن وفرمه، وإلقاء ملايين المصريين في دائرة الفقر المدقع، هذه مهمة سهلة أمام الحكومة.
أما أن تعقد الحكومة اجتماعات وتضع خططا واستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى لتشجيع الإنتاج المحلي، وإقامة مصانع وإعادة فتح المصانع المغلقة، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، واستصلاح الأراضي وزيادة إنتاج القمح والحبوب والأدوية، وتنشيط الاستثمار المباشر، وإقناع أصحاب الفوائض المالية بالقدوم لمصر والاستثمار فيها، وخفض الأسعار ومكافحة التضخم ودعم استقرار العملة، فهذه كلها مهام صعبة وغير عاجلة وتحتاج إلى وقت وجهد.
والحكومة في عجلة من أمرها، فهي تسابق الزمن للحصول على قروض ضخمة وبسرعة فائقة حتى تستكمل باقي المشروعات القومية المعلقة، وتقضي على أزمة العملة واضطرابات سوق الصرف التي تسبب إزعاجا شديدا للمستثمر الأجنبي وتعمل على طرد الأموال الساخنة وعدم عودتها.
الحكومة في عجلة من أمرها، فهي تسابق الزمن للحصول على قروض ضخمة حتى تستكمل باقي المشروعات القومية المعلقة، وتقضي على أزمة العملة
دليل ذلك التصريحات الكثيفة الصادرة عن الحكومة هذه الأيام، فبعد التأكد من إدراج طلب القرض على جدول اجتماع الصندوق يوم 16 ديسمبر الجاري، وشهية الحكومة فُتحت على الرابع للحديث عن القروض الجديدة.
عقب الحصول على شريحة قرض صندوق النقد الشهر الحالي البالغ قيمتها 750 مليون دولار، ستحصل الحكومة بعدها مباشرة على مليار دولار من البنك الدولي، و200 مليون دولار من البنك الأفريقي للتنمية، و400 مليون دولار من البنك الآسيوي للاستثمار، قبل نهاية العام المالي الحالي.
كما اتفقت على اقتراض 1.5 مليار دولار من مؤسسات مالية دولية وإقليمية أخرى، ضمن خطة لاقتراض 5 مليارات دولار.
وهناك حديث من وزير المالية محمد معيط يتعلق باقتراض 2.5 مليار عبر طرح صكوك سيادية، ونصف مليار دولار من سندات الصين، ونصف مليار أخرى عبر طرح سندات استدامة، من المقرر طرحها ما بين الربعين الأول والثاني من العام المقبل.
ما كل هذه التلال من القروض الخارجية التي لا نهاية لها، ومن يسدد، ومتى، وكيف، وما تأثيرات ذلك على الاقتصاد والمواطن والأسعار؟
هل ستكرر الحكومة ما حدث عقب إبرام الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي في 2016 والذي تبعه اقتراض ما يزيد عن 110 مليارات دولار خلال سنوات قليلة؟