مصر والرهان على قرض صندوق النقد

09 نوفمبر 2022
صندوق النقد الدولي أفقر المصريين (العربي الجديد)
+ الخط -

هناك من يراهن على لعب قرض صندوق النقد الدولي الجديد دورا كبيرا في الحياة الاقتصادية المصرية خلال الفترة المقبلة.

فالقرض الذي تم الإعلان عنه قبل أيام، سيساهم، وحسب هؤلاء، في زيادة صادرات مصر الخارجية، ويؤدي إلى تنشيط قطاع السياحة الحيوي، ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية سواء المباشرة أو الساخنة، وينعش البورصة.

والأهم من ذلك أنه يدعم استقرار سوق الصرف الأجنبي ويوقف تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار ويقضي على السوق السوداء للعملة التي انتعشت خلال الفترة الماضية عقب ظهور أزمة العملة. المبررات نفسها سيقت عقب تعويم الجنيه في نوفمبر 2016.

أوهام يسعى البعض إلى ترويجها لتبرير قرار تعويم الجنيه للمرة الثالثة في فترة تقل عن 6 سنوات، أو تبرير شروط الصندوق القاسية والمتعسفة 

وهذه التبريرات غير دقيقة في توصيفها وأقرب ما تكون للأوهام والمخدرات الفكرية التي يسعى البعض إلى ترويجها على نطاق واسع في محاولة، إما لتبرير قرار تعويم الجنيه للمرة الثالثة في فترة قصيرة تقل عن 6 سنوات، أو تبرير شروط الصندوق القاسية والمتعسفة بحق الدولة والمواطن والأسعار والأسواق.

أو في محاولة لتأجيل البحث في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع أزمة العملة، ومنها الإفراط في الاقتراض الخارجي، وإهدار المال العام، أو على الأقل توظيفه في أنشطة لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن، وبالتالي عدم معالجة تلك الأسباب التي هي بالمناسبة عميقة وليست طارئة.

موقف
التحديثات الحية

لنكن واقعيين ونتوقف عن التعامل مع قرض صندوق النقد الدولي على أنه المعجزة المرتقبة التي ستحدث تغييرا عميقا وجذريا في المعادلة الاقتصادية القائمة والمشهد المالي، لعدة اعتبارات، منها:

أولا، قيمة القرض البالغة 3 مليارات دولار ويتم منحه على فترة زمنية 46 شهرا، أي نحو 4 سنوات، وفي حال توزيع المبلغ على تلك الفترة فإن هذا يعني أن ما سيتم منحه لمصر يقل عن 800 مليون دولار سنويا.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار حجم أعباء الديون السنوية المستحقة على مصر للصندوق نفسه فإنها تفوق هذا الرقم، فمصر اقترضت أكثر من 20 مليار دولار منذ العام 2016 وحتى منتصف العام 2021، وهذه القروض سيتم سدادها والأعباء المستحقة عليها خلال السنوات القليلة المقبلة، أي أن ما يصل مصر من قروض جديدة من الصندوق قد يقل عن أعباء الديون المستحقة والمطلوب سدادها.

النقطة الثانية: لنفترض أن صندوق النقد ضخ كامل القرض الجديد على الفور وعقب الموافقة عليه الشهر المقبل من قبل المجلس التنسيقي، وهذا أمر مستبعد.

لكن لنفترض حدوث ذلك، فإن هذا المبلغ البالغ 3 مليارات دولار لن يغطي أعباء الديون المستحقة على البلاد خلال العام الجاري فقط، فما بالنا بالأعباء المستحقة في النصف الأول من العام المقبل، وكذا النصف الثاني.

هناك أرقام صادرة عن مؤسسات مالية دولية تؤكد أن البلاد مطالبة بسداد أعباء ديون تبلغ أكثر من 26 مليار دولار حتى نهاية عام 2023

وحسب بيانات البنك المركزي نفسه، فإنه يتعين على الدولة سداد 8.57 مليارات دولار من الديون متوسطة وطويلة الأجل خلال الوقت المتبقي من العام الجاري، 2022، إضافة إلى سداد نحو 2.4 مليار دولار لمؤسسات دولية في المدة نفسها.

كما يجب سداد وديعتين للإمارات بقيمة تبلغ نحو 1.331 مليار دولار. وهناك حديث عن وديعة كويتية أخرى مستحقة السداد.  وبذلك تتخطى أعباء الديون الخارجية المطلوب سدادها خلال العام المالي الحالي نحو 12 مليار دولار.

وهناك أرقام صادرة عن مؤسسات مالية دولية تؤكد أن البلاد مطالبة بسداد أعباء ديون تبلغ أكثر من 26 مليار دولار حتى نهاية عام 2023، منها 13 مليار دولار أقساط ديون مستحقة خلال الربع الأول من عام 2023.

النقطة الثالثة هي أن طرق باب الاقتراض الخارجي عبر طرح الحكومة المصرية سندات دولية بات صعبا لاعتبارات كثيرة، منها القفزات في أسعار الفائدة على الدولار والتي زادت 6 مرات خلال العام الجاري، وقفزة عوائد السندات الأميركية.

كما أن التقرير الصادر أمس الثلاثاء عن مؤسسة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني يعقد من طرق هذا الباب أصلا، فالمؤسسة خفضت نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية من مستقرة، وأرجعت ذلك إلى "تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد وتراجع قدرتها على الوصول لأسواق السندات"، وهو أمر قد يثير قلق المستثمرين الأجانب.

قد تلجأ الحكومة إلى أدوات أخرى للحصول على نقد أجنبي يمكنها من سداد الديون المستحقة على البلاد، منها بيع مزيد من أصول الدول

في ظل تلك الاعتبارات وغيرها، قد تلجأ الحكومة إلى أدوات أخرى للحصول على نقد أجنبي يمكنها من سداد الديون المستحقة على البلاد، منها بيع مزيد من أصول الدولة بما فيها الشركات والبنوك والمستشفيات والقطاعات التي ظلت توصف بأنها استراتيجية، مثل إدارة الموانئ، وزيادة الضرائب والرسوم، وزيادة الأسعار وخفض الدعم الحكومي، والاستمرار في سياسة تقييد الواردات، وتنشيط موارد النقد الأجنبي خاصة من قطاعات وأنشطة حيوية.

لكن هل هذه خطوات كافية لجمع الأموال المطلوب سدادها للدائنين الدوليين بمن فيهم صندوق النقد والمستثمرين الأجانب حملة السندات الدولية؟

المساهمون