وضع الجنيه المتدهور، الأسواق المصرية في حالة اضطراب شديد لم تشهدها من قبل، في ظل إدارة حكومية تدفع المواطنين إلى شراء السلع الثمينة بأي ثمن للتخلص من مدخراتهم بالعملة الوطنية، بالإضافة إلى مخاوف التجار والمصنعين من التخلي عن مخزونهم من السلع، مقابل أوراق نقدية لا يعلمون يقيناً مصيرها خلال الأيام المقبلة.
وشهدت الأسواق، خلال أمس الخميس، انخفاضا جديدا للجنيه أمام الدولار والعملات الصعبة، وصل إلى 24.75 جنيها في البنوك الرسمية، بتراجع نسبته 25.2% عن سعره السائد نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و58% عن قيمته مطلع مارس/آذار 2022.
وتصاعد سعر الدولار في السوق الموازية ليتراوح ما بين 37 و38 جنيها، في وقت تراجعت مستويات البيع من تجار الدولار والسلع المعمرة والذهب.
لم تستجب الأسواق للدعوات المتفائلة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي عن قدرة الحكومة على سداد الديون المستحقة للجهات الدولية الشهر الحالي بلغت 1.5 مليار دولار، مع زيادة الاحتياطي النقدي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى 33.5 مليار دولار وتحسّن عائدات السياحة وزيادة الصادرات ووصول تدفقات استثمار أجنبي مباشر.
واصل المشترون المضاربات على أسعار السلع، في حالة لم تشهدها الأسواق من قبل. ورصد" العربي الجديد" ضغطا شديدا على شراء الجمهور لسبائك الذهب والقطع المعدنية الكبيرة، أدت إلى امتناع تجار الذهب عن تحديد سعر موحد للبيع، رغم وجود سعر بيع معلن رسميا للغرام عيار 21 الأكثر تداولا، يتراوح ما بين 1640 و1650 جنيها.
وتمسّك التجار بوضع سعر للغرام على أساس السوق السوداء للدولار، وارتفاع أوقية الذهب في البورصات العالمية إلى نحو 1800 دولار. وأدت زيادة الطلب إلى صدمة في العرض لدى التجار، الذين فوجئوا بحركة شراء واسعة في المحافظات والمدن.
وتوقف العديد من التجار عن البيع، رغم وجود طلب على الشراء بأي ثمن، خاصة في المناطق الريفية، خشية أن يفقدوا أصولهم من الذهب، مقابل عملة تتأرجح وتتراجع يوميا، يمكن أن تتحول إلى ورق فاقد للقيمة.
وبرر عضو شعبة الذهب خالد الصاوي توقفه عن البيع والشراء، خلال الساعات الماضية، إلى شح الذهب في الأسواق مقابل زيادة كبيرة في السيولة النقدية لدى المواطنين، الذين يتهافتون على شراء أية كميات، دون النظر إلى السعر الرسمي المعلن، بما أشعر التجار بمخاوف التخلص مما لديهم من الذهب.
وأكد أن خبرته تبين خطورة بيع الذهب في مرحلة عدم اليقين في الأسواق، لأن السعر المتغير بسرعة ليس في مصلحة الصياغ، الذين يحصلون على أرباحهم من صناعة الذهب.
يشير الصاوي إلى تفضيل كبار التجار وأعضاء شعبة الذهب، انتظار نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ورفع الفائدة على الدولار من الفيدرالي الأميركي اللذين سيكون لهما تأثير مباشر على تسعير الذهب دوليا ومحليا في المرحلة المقبلة، والحد من تداعيات خسائر الصاغة من تراجع قيمة الجنيه.
ووصف رئيس بنك CIB، هشام عز العرب، زيادة الأسعار المستمرة على سعر السلع المتواجدة في المحال التجارية والأسواق، بأنها غير مبررة، ولا تتماشى مع حركة الأسواق الدولية.
وأكد عز العرب، في تصريحات صحافية، أن الظاهرة أصبحت خطيرة، لأن تغيير الأسعار على سلع موجودة في المحلات يسبب مشكلة خطيرة، ويرفع معدلات التضخم بنسب غير متوافقة مع المعدلات الطبيعية، تنعكس سلبا على المصانع ومعدلات الاستثمار والصادرات.
ويبدي الخبير الاقتصادي وائل النحاس دهشته من حالة المضاربات التي تشهدها الأسواق، مؤكدا أن المستهلكين يرغبون في التخلص مما لديهم من سيولة، واقتناء أو اكتناز أي سلعة، بطريقة لم تشهدها البلاد خلال نصف قرن.
واعتبر المحلل المالي صعود البورصة، خلال الأيام الماضية، جزءا من هذه الحالة، حيث زاد الطلب من صناديق استثمار على الشراء، بهدف إعادة تسعير للأسهم، مدفوعة بتراجع الجنيه وارتفاع الدولار وتآكل رأس مال المؤسسات والشركات.
وذكر النحاس أن حالة الغموض في زيادة الطلب على السلع في الأسواق، وتّرت رجال الأعمال الذين فضل بعضهم التوقف عن البيع لحين انتهاء حالة الهلع التي انتابت المشترين، وأدت إلى ارتفاع أسعار العقارات والدولار وسوق المنتجات المستعملة، وهرولة الناس للتخلص من الجنيه.
توقف العديد من التجار عن البيع، رغم وجود طلب على الشراء بأي ثمن، خاصة في المناطق الريفية، خشية أن يفقدوا أصولهم من الذهب، مقابل عملة تتأرجح وتتراجع يوميا
كما أرجع النحاس اضطراب الأسواق إلى غياب اللاعبين الجيدين داخل الحكومة القادرين على إدارة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وإسناد ملفات لوزارات ثبت فشلها في أداء تلك المهمة، وعلى رأسها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، التي لم تحقق نسب النمو التي تعهدت بها، مع ذلك أصبحت تدير الأموال الاستثماري للدولة عبر الصندوق السيادي.
ويتمنّى النحاس أن تشهد الأيام المقبلة تعديلا وزاريا لتعيين وزراء للاقتصاد والاستثمار يكونون قادرين على مواجهة الأزمة والتخفيف من حدة التوتر لدى رجال الأعمال وتهدئة الأسواق.
وتدير الحكومة الملف الاقتصادي عبر إعلام يدار أمنيا، يوجه رسائل طمأنة للمواطنين حول الحصول على قرض من صندوق النقد قيمته 3 مليارات دولار، واستقبال 4.5 مليارات دولار من مستثمرين أجانب، دون أن تحدد مصدر تلك الأموال أو التوقيت الزمني لوصولها رسميا.
ويشير خبراء إلى تراجع وزير المالية محمد معيط عن تعهد أطلقه منذ شهر، بعدم فرض ضرائب جديدة على المواطنين خلال العام المالي الحالي، بينما قدم أول من أمس مشروع قانون لمجلس النواب، لفرض ضريبة تصاعدية جديدة على أصحاب الدخول التي تتجاوز 800 ألف جنيه سنويا بقيمة 27.5%.
وتبرر المالية الضريبية الجديدة بأنها تستهدف تمويل الأشخاص ذوي الدخل المنخفض (أقل من 15 ألف جنيه سنويا).
وحدد البنك المركزي الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لعقد اجتماعه الأخير لمراجعة أسعار الفائدة، حيث يتوقع خبراء زيادة جديدة بنحو 200 نقطة أساس، ليسمح للجنيه بالمزيد من التراجع بنحو 20% من قيمته الحالية، بعد تجاوز التضخم قيمة العائد على الودائع بالبنوك وارتفاع معدلاته إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2017، إلى 21.5%، وفقا للمستوى القياسي للتضخم في البنك المركزي.