مصر: عين الحكومة على أموال 14 مليون مغترب

07 اغسطس 2023
جزء كبير من تحويلات العاملين في الخارج تذهب لدعم أسرهم بالداخل (فاضل داوود/Getty)
+ الخط -

ركزت الحكومة المصرية في خطابها، خلال الفترة الأخيرة، على العاملين في الخارج من أجل استقطاب أموالهم بهدف الخروج من الكبوة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

ولم تكتفِ الحكومة بإغراء المغتربين عبر شهادات دولارية بفائدة مرتفعة جداً تصل إلى 10% لأول مرة في تاريخ البنوك المصرية، بل ذهبت نحو طرح أراضٍ بالعملة الأميركية والإعفاء من التجنيد مقابل مبلغ مالي، ووصل الأمر إلى مقترح من نائب في البرلمان بإجبار العاملين بالخارج على تحويل 50% من رواتبهم إلى داخل البلاد، الأمر الذي أفزع نحو 14 مليون مصري مغترب. 

 

فجّر اقتراح النائب بالبرلمان، أحمد عاشور، بإلزام المصريين العاملين في الخارج، بتحويل 50% من رواتبهم إلى داخل البلاد قسراً عبر البنوك، موجة من الغضب الشديد، بين المقيمين خارج البلاد ومواطنين في أنحاء المحافظات.

تحول الرأي العام إلى ساحة شعبية تعكس حالة الاستياء من تصريحات النائب التي روجت لها وسائل الإعلام المحلية، مشيرة إلى أهمية تنفيذه في مساعدة الحكومة على مواجهة الأزمة المالية الطاحنة التي تمرّ بها الدولة، وتعرضها لمزيد من تراجع التصنيف الائتماني، مع وجود مؤشرات على عدم قدرتها على سداد أعباء الديون والقروض التي فاقت 165 مليار دولار نهاية مارس/ آذار الماضي.

ليست المحاولة الأولى
وهذه ليست المحاولة الأولى للاستفادة من أموال المغتربين، بل سبق لوكيل مجلس الشيوخ، بهاء الدين أبو شقة، أن طلب في جلسة عامة بالمجلس، أن تستقطع الدولة جزءاً من أموال المصريين بالخارج، باعتبار قيادة الدولة من حقها هذا الأمر، لمواجهة الأزمة المالية التي تمرّ بها البلاد.

وأثار طلب أبو شقة الذي رفعه في الغرفة الثانية من البرلمان العام الماضي، زوبعة بين المصريين بالخارج، ولاقى معارضة شديدة من المواطنين، فاضطر إلى التراجع عنه، معتذراً للجمهور بأن كلمته بمجلس الشيوخ فُهمت خطأً.

كذلك، قامت الحكومة بإغراء المغتربين عبر شهادات دولارية بفائدة مرتفعة جداً تصل إلى 10% لأول مرة في تاريخ البنوك المصرية، وذهبت نحو طرح أراضٍ تُدفَع أثمانها بالعملة الأميركية.
ووصل الأمر إلى إصدار قرار بإعفاء الشباب المغترب من سنّ 19 إلى 30 عاماً من التجنيد مقابل دفع 5 آلاف دولار لكل فرد، على أن يبدأ تنفيذ المقترح يوم 14 أغسطس/ آب الجاري وتستمر مهلة تسوية الأوضاع لمدة شهر.

ملاحقة المغتربين
وكان النائب البرلماني أحمد عاشور، قد اقترح في جلسة للحوار الوطني، لمناقشة مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين وسبل مواجهة ديون الدولة، نهاية الأسبوع الماضي، أن تحصل وزارة القوى العاملة على نسخ ضوئية من عقود عمل المسافرين للعمل بالخارج، لمعرفة تفاصيل رواتبهم، التي سيتقاضونها من المؤسسات خارج البلاد، وإلزامهم، بتحويل 50% من وراتبهم عبر البنوك المحلية بالسعر الرسمي.

طلب النائب أن يقدم العامل بالخارج، في أثناء تجديد إجازته السنوية بالبلاد، ما يفيد بتحويله تلك النسبة من المرتب لوزارة القوى العاملة، قبل منحه رخصة بالعمل لفترة جديدة بالخارج، ويُحرَم التجديد في حالة عدم التزامه ما تطلبه الدولة.
برر عاشور اقتراحه بأن تحويلات المصريين بالخارج تراجعت من 23 ملياراً إلى 17.5 مليار دولار بنسبة 26% خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقابل الفترة نفسها من العام الماضي 2022.

تراجع حادّ للتحويلات
تراجعت تحويلات المصريين بالخارج، منذ الربع الأخير من عام 2022، مع ظهور فروق واضحة بين سعر الدولار في البنوك الرسمية، عن السوق الموازية وصل إلى نحو 25%، بعد انخفاض حادّ بقيمة الجنيه المصري أفقدته أكثر من 50% من قيمته أمام الدولار رسمياً، ليهبط من 15.7 جنيهاً إلى 31 جنيهاً، وتجاوز 40 جنيهاً بالسوق الموازية.

وصف مواطنون اقتراح النائب بأنه باطل وفاشل ومتاجرة بالمشاعر الوطنية، ومزايدة باسم الحسّ الوطني، في أمور مالية لا علاقة لها بالوطن ولا الوطنية، بينما المسافر لم يحمّل الدولة أية التزامات أو مسؤوليات ويحرم البسطاء منهم الدعم الحكومي والمميزات كافة التي يتمتع بها النواب والمقيمون داخل البلاد.

يخشى المصريون أن تكون تصريحات النواب تعكس ما يدور داخل أروقة الحكومة والأحزاب الداعمة للنظام، من أفكار تراودهم لفرض تلك الإجراءات بالقوة، وإن تطلّب الأمر تعديل القانون أو الدستور، بما يمتلكونه من أدوات تشريعية وقدرة على تغيير الواقع وفق أهوائهم.
وأعلن عضو مجلس النواب عن الحزب المصري، محمود سامي، تبرؤ عدد كبير من أعضاء المجلس، من تصريحات عاشور التي جاءت أمام قيادات حزبية من مختلف التيارات السياسية، باللجنة الاقتصادية بالحوار الوطني، الذي بدأ في إبريل/ نيسان 2022، وينتظر انتهاء أعماله بعد شهرين.
وقال سامي لــ "العربي الجديد" إن المقترح لاقى استهجاناً واسعاً، لعدم دستوريته أو موافقته للقوانين الحاكمة للاقتصاد. وأضاف أن الدستور يمنح الأفراد حرية التعامل على أموالهم، ويصون الملكية الخاصة، فلا يجوز للسلطة أن تصادرها أو تقتطع جزءاً منها، دون أحكام قضائية باتّة، في حالة ارتكاب الفرد جرائم محددة وفقاً للقانون.

وأكد سامي أن المطلب المقترح لم يطبَّق في أي دولة أخرى، لأن ما يكتسبه الشخص من عمل في الخارج، لا يحق للدولة أن تمسّه أو تفرض عليه ضرائب محلية، متسائلاً: كيف يحرم الشخص حرية التصرف في راتبه الذي يمكنه صرفه كله بالخارج، على نفسه أو أسرته أو إعادة تشغيله في المكان الذي يعمل فيه؟ وبين النائب استحالة تحويل المقترح إلى تشريع قانوني، مشدداً على أن هذا التوجه، وإن اقتصر على مقترحات فردية، سيؤدي إلى مزيد من التراجع في تحويلات المصريين بالخارج، وتخسر الدولة المزيد من الثقة والتدفقات المالية، التي تعد المصدر الأول للعملة الصعبة على مدار السنوات الماضية.

أزمات العاملين في الخارج
هدد مواطنون الحكومة بأنه إذا توجه النظام إلى تطبيق هذه الإجراءات بالقوة، ستدفع العاملين بالخارج إلى الامتناع تماماً عن توجيه أموالهم عبر القنوات الرسمية، مشيرين إلى فتح أبواب جديدة للتحايل على القوانين، بما يسمح بمرور الأموال عبر قنوات أخرى غير معلومة، بعيداً عن رقابة الدولة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ووصف المقيم بالخليج، زين جمعة، الاقتراح بأنه يعكس جهل بعض السياسيين والمسؤولين ما يعانيه المصريون بالخارج، في حياتهم اليومية من غلاء وتراجع بقيمة الأجور وندرة فرص العمل، بما يضطرهم إلى عدم اصطحاب أهلهم، في أماكن عملهم، وتوجيه أغلب ما يحصلون عليه إلى عوائلهم لدفع مصروفات المدارس واحتياجاتهم اليومية.

قال جمعة: إذا أصرت الحكومة على السير في هذا الاتجاه، سيكون أمام المصري بالخارج اصطحاب أهله للعيش الدائم في تلك الدول، أو العودة للانضمام إلى قوافل العاطلين في البلاد، أو تهريب أموالهم عبر قنوات بديلة، أصبحت معروفة للجميع، لن تتمكن الدولة من مواجهتها، لأنها تجري عبر طرق عديدة ومشروعة.

تدخل السماسرة
انتشرت ظاهرة تبادل الأموال بين سماسرة شركات السياحة والاستيراد والتصدير، الذين يحصلون على مدخرات المصريين بالخارج، مقابل توصيل قيمتها في اللحظة نفسها لعوائلهم داخل البلاد، إما لدفع قيمة وارادات أجنبية من أسواق الدول نفسها، وإما لتجميعها ونقلها إلى دول أخرى.
وتشارك مؤسسات عربية في تجميع تلك المدخرات، لتمويل رحلات الحج والعمرة وشراء بضائع من دول الخليج والاتحاد الأوروبي، لمواجهة استمرار القيود على تمويل الواردات، وإلزام الموردين بتدبير مصادر العملة الصعبة، ومنح شركات التصدير حق استيراد منتجات من قيمة عوائد التصدير للأسواق الدولية.
دعا عاملون بالخارج النواب إلى التبرع بمرتباتهم والأموال التي يجنونها من عضوية البرلمان، إلى الدولة لمساعدتها في النهوض من كبوتها الاقتصادية، وفرض سياسات تقشفية على الحكومة، تحول دون شراء الوزراء عربات فارهة، وتجديد مكاتبهم، ومنع شراء طيارات لانتقالات القيادات من أموال الشعب.

قال المواطن أحمد عابدين العائد لقضاء إجازة صيفية من دولة خليجية، إن إثارة هذه المطالب من نواب يفترض فيهم الدفاع عن مصالح الشعب، وبخاصة العاملون في الخارج، الذين يجدون فرص العمل بعد معاناة طويلة، ونفقات باهظة، يظهر مدى ضعف الأداء البرلماني، وضحالة الأفكار التي تطرح لحل أزمة مالية طاحنة.

أضاف عابدين: تحتاج الدولة إلى إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد، ونشر أجواء من الحريات العامة، تدفع كل المصريين إلى المساهمة في إنقاذ اقتصاد من حالة الفوضى التي تحيط به منذ سنوات، بدلاً من حالة التفكير الجماعي التي انتابت الناس وتدفعهم إلى طلب الهجرة أو الهرب عبر الحدود.
نصح مواطنون الحكومة سرعة العمل على توحيد سعر الصرف، بالسيطرة على التعاملات داخل البنوك، وتوفير العملة الصعبة لمن يطلبها، بما يؤدي إلى إنهاء السوق السوداء، ويدفع العاملين في الخارج طواعية للتحويل عبر البنوك والأدوات الرسمية.

طرح أراضٍ وإعفاء من التجنيد
واقترح المقيم بالإمارات، السيد إسماعيل، أن تعيد الحكومة طرح أراضٍ لإقامة سكن للمصريين بالخارج ومساحات متوسطة وصغيرة بالمناطق الصناعية لبناء ورش، وبيعها بالدولار للعاملين بالخارج، مشيراً إلى نجاح التجربة عند طرحها في مشروع وطن السكني منذ 8 سنوات، التي تعثرت أخيراً لعدم التزام الحكومة جدول تسليم الأراضي لمن أتمّ دفع الأقساط.

أسواق
التحديثات الحية

وكانت الحكومة قد سمحت بمنح المصريين بالخارج شهادة إعفاء من التجنيد مقابل سداد 5 آلاف دولار لخزينة الدولة. وأصدرت شهادات بالدولار بعائد 9% يدفع مقدماً عن عوائد 3 سنوات، مع إمكانية منح العاملين بالخارج قروضاً لشراء عقارات وسيارات وأراضٍ، تصل إلى 5 ملايين جنيه، بضمان استمرار راتب جهة العمل بالخارج، والعائد الشهري للشهادات.

ويبلغ عدد المصريين العاملين بالخارج 14 مليون مواطن، وفقاً لإحصاءات حديثة لوزارة الهجرة والمصريين بالخارج.

وقال مقرر لجنة الدَّين العام بالحوار الوطني، طلعت خليل، في بيانه عن عجز الموازنة والإصلاح المالي، إن الدولة تسير في حلقة مفرغة في مواجهة الديون منذ عام 2014، مع توسع الحكومة في سياسة الاقتراض بشكل غير مسبوق، ورفع الدَّين العام الداخلي إلى أكثر من 4 تريليونات، خلال 6 سنوات بزيادة تعادل 109%، والدَّين الخارجي ارتفع ممّا يوازي 213 مليار جنيه في عام 2016 إلى تريليون و526 مليار جنيه، عام 2022، بنسبة 614%.

أكد خليل أن العجز في موازنات الدولة يرتفع في ظل وجود مصروفات تزيد من الأزمة، مع الاستمرار في إصدار سندات وأذون خزانة تفاهم الدَّين العام والدخل وتهدد بتعثر الدولة عن سداد الدين الخارجي بما يضعها في مأزق.
وتواجه البنوك نقصاً في العملة الصعبة، وعجزاً في الأصول الأجنبية، ارتفع من 14.5 ملياراً إلى 17.1 مليار دولار، في يونيو/ حزيران الماضي.

 

المساهمون