مشهد عالمي بائس وأميركا لا تريد حلاً

03 نوفمبر 2022
المواطن هو أول من يكتوي بنيران الحروب/ فرانس برس
+ الخط -

ما دام هناك تضخم وغلاء أسعار وحرب أوكرانيا وتعطل سلاسل الإمدادات وشبح الركود والكساد ومعه وباء كورونا وتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، صاحبي أكبر اقتصادين في العالم، وأزمة المناخ من جفاف وغيرها، فإن هناك هاجساً كبيراً وقلقاً متزايداً يلاحق كل اقتصادات دول العالم بلا استثناء، وللأسف يجري علاجه بسلاح تقليدي هو رفع سعر الفائدة.

العالم على فوهة بركان، ومع تلك السخونة يتعقد المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، هنا تسارع الدول بحماية اقتصاداتها وأسواقها ومواطنيها من كل تلك المخاطر وغيرها عبر عدة أدوات، منها زيادة سعر الفائدة على العملات، وهو الأسلوب الذي تطبقه البنوك المركزية حول العالم لمواجهة داء التضخم عبر سحب السيولة من الأسواق وزيادة جاذبية العملات المحلية للاستثمار والحد من ظاهرة الدولرة.

لكن للأسف لم ينجح سلاح الفائدة حتى الآن في إطفاء حرائق التضخم المشتعلة تقريباً في معظم دول العالم، وسط تجاهل السبب الرئيسي لتلك الحرائق.

لم ينجح سلاح الفائدة حتى الآن في إطفاء حرائق التضخم المشتعلة تقريباً في معظم دول العالم، وسط تجاهل السبب الرئيسي لتلك الحرائق

فرفع الفائدة يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة على الاقتصادات، منها حدوث انكماش، وتراجع معدل النمو، وتفاقم الدين العام، وإضعاف الموازنات وقدرات الدول المالية، وخلق فجوات تمويلية، وبالتالي زيادة معدلات الغلاء والبطالة والإفلاس والفقر والتسول والسرقة وموجات تسريح الشركات للموظفين، كما يربك الحياة اليومية للمواطن من حيث إضعاف قدرته الشرائية وزيادة إيجارات السكن والمأكل وتكلفة المواصلات وغيرها من تكاليف المعيشة.

إنها دورة جهنمية يمرّ بها العالم حالياً، ولن تنتهي بسهولة، ما دام هناك عناد وتوتر سياسي بين الغرب وروسيا، أو بين أميركا والصين، وهناك إصرار على تجاهل السبب الرئيسي للمشكلة، وهي سعي الولايات المتحدة للسيطرة على الاقتصاد العالمي والتفرد بالقرار، مع استخدام الأساليب التقليدية في مواجهة مخاطر جيوسياسية غير تقليدية، بل غاية في التعقيد لتشابكها وتأثيراتها الواسعة.

موقف
التحديثات الحية

مساء أمس الأربعاء رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة على الدولار بنسبة كبيرة هي 0.75% للمرة السادسة خلال العام الجاري، في محاولة لكبح جماح التضخم الهائج.

بعدها بات السيناريو معروفاً ومحفوظاً حتى لعامة الناس، البنوك المركزية في دول العالم تسارع إلى زيادة سعر الفائدة على عملاتها كما فعلت اليوم البنوك في أوروبا وبريطانيا وسويسرا وماليزيا ومنطقة الخليج وغيرها من دول العالم.

من يتخلف عن ركب الزيادة تتعرض عملته لضغط شديد وربما للتراجع الحاد، كما حدث مع اليورو الذي تلكأ البنك المركزي الأوروبي في زيادة الفائدة عليه، رغم معاناة اقتصاد دول القارة من التضخم العالي ونتائج الحرب، فتراجع سعره لأقل مستوى منذ إطلاقه قبل 20 سنة، وبات اليورو يساوي الدولار في مشهد لم يتوقعه حتى المتشائمون.

التضخم سيواصل ارتفاعه ما بقيت حرب أوكرانيا، واقتصاد أوروبا يئنّ بشدة بسبب قفزات أسعار الوقود والغذاء وتكاليف برامج الحماية الاجتماعية

التضخم سيواصل ارتفاعه ما بقيت حرب أوكرانيا، وقارة أوروبا أكبر دليل. فالمواطن يصرخ من غلاء أسعار الوقود، سواء بنزين وسولار وكهرباء وغاز تدفئة، ويصرخ أيضاً من تكاليف الحياة عامة، وهنا سيتكرر رفع سعر الفائدة كل عدة أسابيع.

إنها طاقة جهنم المفتوحة على الجميع وبلا استثناء، والمتضرر ليس فقط روسيا واقتصادها، التي يحاول الغرب مسحها من الكون، لكن الضرر يقع على الجميع، وفي المقدمة الاقتصاد الأميركي المتوقع دخوله في مرحلة ركود تضخمي تشبه الركود الكبير في 1939، والبورصات الأميركية التي من المتوقع أن تخسر 35% من قيمتها السوقية، وكذا الحال بالنسبة إلى اقتصاد أوروبا الذي يئنّ بشدة بسبب قفزات أسعار الوقود والغذاء وتكاليف برامج الحماية الاجتماعية.

رفع سعر الفائدة ليس حلاً لاحتواء الأزمات الاقتصادية، والعالم جرب أسلوباً واحداً لمواجهة التضخم، وهو تشديد السياسات النقدية وسحب السيولة النقدية من الأسواق، ولم يجرب أساليب أخرى.

لكن هل جرب أساليب أخرى، منها مثلاً دعم الاستقلال الاقتصادي والاكتفاء الذاتي من السلع الاساسية كالحبوب والأدوية، وتقليل منسوب المخاطر الجيوسياسية، وإطفاء نيران حرب أوكرانيا المشتعلة، وإيجاد عملة احتياط دولية بديلة للدولار، وتقليص هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين وخلفهما الولايات المتحدة على المشهد العالمي.

رفع سعر الفائدة ليس حلاً لاحتواء الأزمات الاقتصادية، والعالم جرب أسلوباً واحداً لمواجهة التضخم ولم يجرب أساليب أخرى

للأسف، الغرب، والولايات المتحدة تحديداً، غير راغب في تطبيق مثل هذه الحلول، لأنه يريد التفرد بقيادة الاقتصاد العالمي والسيطرة على ثرواته ومقدراته، وإزاحة الصين عن المشهد، وقبلها شطب روسيا من الخريطة واضعافها، أو على الأقل إخفاء بوتين من المشهد السياسي.

وهذا أمر ليس بالهيّن أو سهل التحقق، في ظل تغير خريطة ما بعد حروب أوكرانيا وغرق أوروبا في الأزمات الاقتصادية، واقتراب الاقتصاد الأميركي من حافية الهاوية، رغم سياسة الدولار القوي.

ببساطة، أميركا لا تريد حلا للأزمات الاقتصادية والمالية القائمة، لأن من مصلحتها اشتعال الحرائق في كل ركن من أركان المعمورة.

المساهمون