ما الذي يجعل صحافياً، وليس مواطناً عادياً، يسألني سؤالاً مباغتاً يوم الخميس الماضي هو: هل صحيح أن مصر ستفلس، أو على أعتاب الإفلاس؟
وما الذي يدفع شخصاً في وزن المهندس ممدوح حمزة لأن يخرج علينا بتصريح غريب ولافت للنظر يقول فيه إن هناك مؤشرات على إفلاس مصر خلال سنوات قريبة، مستشهداً بسيناريو الأرجنتين.
وما الذي يدفع أكثر من مستثمر لتأكيده الانسحاب من السوق لتكبده خسائر فادحة ومتواصلة بسبب تفاقم حالة ركود الاقتصاد وكساد الأسواق واضطرابات سوق الصرف وتراجع الصادرات وارتفاع تكلفة الإنتاج، مع ارتفاع الدولار مقابل الجنيه وزيادة الجمارك على 614 سلعة؟
وما الذي يدفع مستثمراً في حجم نجيب ساويرس لأن يعلن عن خطته تأسيس بنك استثمار في أميركا ونقل نشاطه الاستثماري للولايات المتحدة بعد أن فشل في الاستحواذ على بنك استثمار في مصر هو سي أي كابيتال؟
هناك إذن حالة قلق بين الجميع لا يمكن لأحد إنكارها، ورغم محاولتي تهدئة مخاوف بعضهم، خاصة في النقطة المتعلقة بإفلاس مصر في القريب العاجل وتأكيدي المستمر على أن مصر لن تفلس، لأن مصر تمتلك ثروات ضخمة، كما أن أزمتها لا تكمن في ضخامة الديون الخارجية، فهذه الديون، ورغم زيادتها، الا أنها لا تزال في الحدود الآمنة حتى الآن.
وتكمن الأزمة أيضاً في الإدارة السيئة للاقتصاد من قبل حكومة لا تُعرف لها خطة معروفة أو أهداف محددة، إضافة إلى الهدر المنظم لموارد الدولة، والفساد المنتشر في كل القطاعات الاقتصادية، كما تكمن في ضخامة الديون المحلية، وتفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين.
ورغم أن بعض القطاعات الاقتصادية المدرة للموارد الدولارية أصابها الشلل، إلا أن هذه القطاعات لا تزال تدر إيرادات للدولة تزيد عن 50 مليار دولار سنوياً.
إلا أن هذه المحاولات لم تهدّئ روع هؤلاء الذين يرون أن إفلاس مصر قادم مع ربطهم بين الحديث عن هذا الإفلاس المتوقع وإعلان وزيرة الاستثمار داليا خورشيد قبل أيام عن إعداد قانون لتنظيم عمليات الإفلاس وتصفية الشركات، رغم أنه لا يوجد رابط بين الأمرين، فالقانون الذي تتحدث عنه الوزيرة يعد أحد ضمانات جذب المستثمرين لأي سوق.
قلق هؤلاء ليس مفاجئاً بالنسبة لي، فنظرة متعمقة للمشهد الاقتصادي المصري تؤكد أن الوضع المالي والاقتصادي بات شديد التعقيد، لدرجة أن البعض قفز إلى نتيجة مفادها أن الأزمة الحالية باتت مستعصية على الحل، وأنها تشبه مريض السرطان الموجود في العناية المركزة.
فلا يوجد في المستقبل القريب ما يؤكد أن أزمة سوق الصرف في طريقها للحل، فالاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري البالغ 17.5 مليار دولار هو احتياطي ورقي وليس مملوكاً للدولة المصرية، بل عبارة عن ديون مستحقة لدول ونادي باريس ومؤسسات مالية ومستثمرين خارجيين، والدين المحلي تجاوز معدلات غير مسبوقة ليبلغ 2.6 تريليون جنيه.
والدين الخارجي تخطى معدلات ما قبل عام 1991، حيث قفز إلى 54.3 مليار دولار نهاية مارس/آذار الماضي، وسيتضاعف مع زيادة ديون السعودية وروسيا والإمارات والبنك الإفريقي للتنمية الأخيرة، والأسعار تواصل ارتفاعاتها الجنونية مع فشل حكومي متواصل في كبحها ولو بشكل مؤقت، وهناك ارتفاعات في كل شيء.. عجز الموازنة العامة للدولة، التضخم، البطالة خاصة بين الشباب، الفساد.
والعملة المحلية تفقد المزيد من قيمتها مقابل الدولار، بعد أن فقدت 25% من قيمتها خلال العام الجاري فقط، وبعد أن كانت السوق السوداء قاصرة على الدولار دخلت حلبة المنافسة عملات أخرى منها الريال السعودي.
والاقتراض الخارجي على أشده، فبعد انتهاء ماراثون الاقتراض التاريخي من روسيا والإمارات والسعودية فتحت الحكومة جبهة جديدة مع صندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية.
والأوضاع داخل قطاع السياحة تتفاقم يوماً بعد يوم، والصادرات تفقد أسواقاً خارجية كل يوم، ولا مؤشرات على تحسن إيرادات قناة السويس، حتى تحويلات العاملين في الخارج تراجعت 3 مليارات دولار في العام الماضي.
إزاء هذا المشهد المعقد بات السؤال المطروح: هل فات أوان العلاج، وهل باتت الأزمة الاقتصادية في مصر مستعصية على الحل؟ وهل الإصرار على استبعاد سيناريو إفلاس مصر يستند لمعايير اقتصادية قوية أم لأحلام وكلام غير واقعي؟
أتمنى ألا تكون الإجابة بالإيجاب، وأن يخرج علينا مسؤول بالدولة ليؤكد بالدليل وليس بالكلام أن هناك خطة إصلاح لعلاج هذه الكارثة؟