وقف المقاطعة الجزائرية لإسبانيا: عودة العلاقات التجارية بعد سنتين من الحظر

09 نوفمبر 2024
في أحد أسواق الجزائر، 21 نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدر البنك المركزي الجزائري تعميماً يسمح بإعادة فتح التجارة الخارجية مع إسبانيا بعد تعليقها منذ يونيو 2022 بسبب موقف إسبانيا من قضية الصحراء، مع ضمان قانونية المعاملات وصرف العملة.
- تعليق التجارة مع إسبانيا أدى إلى شلل تجاري منذ 2022، حيث تراجعت مبيعات إسبانيا إلى الجزائر بنسبة 93%، بينما زادت واردات إسبانيا من الجزائر بنسبة 59% بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
- استئناف التجارة مع إسبانيا سيعزز العلاقات الاقتصادية، بينما تتصاعد الأزمة بين الجزائر وفرنسا بسبب موقف فرنسا من قضية الصحراء.

أصدر البنك المركزي الجزائري تعميماً لكل المؤسسات المالية والمصارف المعتمدة في البلاد، تضمن ضوءاً أخضر لإعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها، بعد أن كانت قد عُلِّقت منذ يونيو/ حزيران 2022، على خلفية انقلاب موقف حكومة مدريد بشأن النزاع في قضية الصحراء المتنازع عليها مع البوليساريو، في إجراء يتزامن مع أزمة غير مسبوقة بين البلد العربي وفرنسا بسبب الملف ذاته.

وجاء إعلان هذه التطورات الجديدة عبر مذكرة (تعميم) أصدرتها مديرية الصرف ببنك الجزائر (المركزي) مؤرخة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منها، وُجِّهت إلى الرؤساء التنفيذيين للبنوك والمصارف المعتمدة في البلاد. وأشار التعميم إلى وجوب التذكير أنه بموجب لوائح الصرف السارية، فإن البنوك المعتمدة مطالبة بالسهر والتأكد من أن معاملات التجارة الخارجية وصرف العملة سليمة وقانونية.

وأضاف بنك الجزائر المركزي: "في هذا الإطار، على البنوك المعتمدة أن تأخذ في الحسبان أن عمليات التوطين البنكي المتعلقة بالتجارة الخارجية من وإلى إسبانيا يجب أن تتم معالجتها وفق تنظيمات الصرف السارية المفعول". وفُهِم من هذا التعميم أن بنك الجزائر قد أخضع مجدداً عمليات الاستيراد من إسبانيا إلى قانون الصرف والنقد الذي يتيح تحويل العملة الصعبة (النقد الأجنبي) إلى الخارج، بمعنى أنه أعاد الوضع إلى ما كان عليه، وأنهى العمل بالاستثناء الذي بدأ العمل به منذ يونيو/ حزيران 2022 بموجب تعميم سابق للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المصرفية الجزائرية (حكومية)، جرى بموجبه وقف شبه كلي لعمليات الاستيراد من إسبانيا.

والتوطين البنكي هو عملية تسجيل لدى أحد البنوك داخل البلاد بغرض الموافقة على تحويل العملة الصعبة (النقد الأجنبي) إلى الخارج من طرف المستورد، لصالح الجهة المصدرة، لاقتناء سلعة أو خدمة. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من طرف الحكومة الجزائرية أو وزارة المالية أو التجارة على هذه التطورات.

شلل تجاري منذ 2022

وجمدت الجزائر اتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا في يونيو/ حزيران 2022، على خلفية إعلان رئيس حكومة مدريد، بيدرو سانشيز، دعم مقترح الحكم الذاتي الذي طرحته الرباط كحل للنزاع في الصحراء، وهو ما عارضته الجزائر، التي شددت على أن إسبانيا، بحكم أنها هي القوة المديرة والمستعمرة السابقة للإقليم، يجب عليها تحمل مسؤولياتها التاريخية. وأعقب تجميد معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع مدريد توقف شبه تام للواردات الجزائرية من هذا البلد الأوروبي، مع استمرار في تدفق صادرات الجزائر نحو إسبانيا، التي هي أساساً غاز طبيعي ومشتقات نفطية.

وسبّبت الوضعية اختلالاً واضحاً في الميزان التجاري بين البلدين، الذي رجحت كفته لصالح الجزائر التي استمرت صادراتها في التدفق على إسبانيا، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الغاز وبلوغها مستويات قياسية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، ما مكن البلاد من إيرادات أعلى، بينما توقفت المبيعات توقفاً شبه كليّ في الاتجاه المعاكس.

ووفق بيانات سابقة لمعهد التجارة الخارجية الإسبانية، تراجعت مبيعات مدريد إلى الجزائر بنحو 93 % في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أي بعد ستة أشهر من تعليق عمليات الاستيراد، مشيرة إلى أن معدل التصدير في الشهر الواحد ما بين يونيو/ حزيران وديسمبر/ كانون الأول 2022، بلغ 10.8 ملايين يورو فقط، مقابل معدل بلغ 169 مليون يورو ما بين يناير ومايو من العام ذاته، أي قبل دخول تقييد الواردات حيز التنفيذ.

ومقابل هذا التراجع الإسباني الحاد في الصادرات، نمت واردات مدريد من الجزائر في العام 2022 وفق بيانات الهيئة ذاتها، بواقع 59 %، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة. وفي عز أزمة المقاطعة الجزائرية للسلع والمنتجات الإسبانية، راجعت شركة المحروقات الحكومية سوناطراك أسعار عقود الغاز مع شركة ناتورجي مرتين (في 2022 و2024)، والتي تعتبر أكبر زبون للغاز الجزائري في هذا البلد الأوروبي، ومن ثم دفع سعر أعلى للغاز.

خسائر فادحة

ونتيجة لهذه المقاطعة التجارية الجزائرية، أكدت منظمات لرجال الأعمال في إسبانيا في أكثر من مرة، أن العديد من القطاعات تكبدت خسائر فادحة، خصوصاً مجال الخزف والبلاط ومستحضرات التجميل ومنتجات زراعية وغذائية. ولاحت بوادر انفراج في ملف الواردات الجزائرية من إسبانيا خلال رمضان الماضي، مع بروز حاجة البلد العربي إلى بعض المنتجات المفقودة محلياً، التي كانت تستورد سابقاً من هذا البلد الأوروبي، وشهدت أسعارها ارتفاعاً جنونياً في السوق المحلية.

في هذا الإطار، رخصت الحكومة بإجراء عمليات توطين بنكي محدودة لاستيراد منتجات إسبانية، على غرار الدجاج البيوض المنتج للصيصان واللحوم الحمراء (البقر والغنم)، وهي العمليات التي ما زالت مستمرة حتى الآن. وطاولت المقاطعة الجزائرية لمدريد مجال النقل الجوي أيضاً، إذ استثنت الخطوط الجزائرية، الناقل الجوي الوطني، الوجهة الإسبانية من رفع عدد الرحلات الأسبوعية عقب بداية تعافي البلاد من جائحة كورونا (كوفيد-19) عام 2022، وأبقت على عدد رحلات محدود إلى غاية نهاية 2023.

في هذا السياق، يرى جمال بو عبد الله، وهو رئيس نادي الصناعة والتجارة الجزائري الإسباني، أن ما أعلنه بنك الجزائر سيعطي دفعة ونفساً جديدين في علاقات الجزائر الدولية خصوصاً مع إسبانيا، وفتح صفحة جديدة يكون عنوانها التعاون الصناعي والاقتصادي العميق وليس التجاري فقط. ويذكر في حديث لـ"العربي الجديد" أن النادي علم الأربعاء بالإجراء الجديد لترخيص المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا، ما يعني استئناف عمليات التصدير والاستيراد من وإلى هذا البلد الأوروبي.

ويعتبر المتحدث أن هذه التطورات تبعث على الارتياح وستتيح للمتعاملين الاقتصاديين مباشرة إجراءات التصدير والاستيراد وفق القوانين السارية المفعول، أي العودة إلى الوضع السابق. وقال في هذا الصدد: "إجمالاً، هذا الاستئناف سيعطي دفعة للمبادلات بين البلدين، فمن جهة الجزائر بحاجة إلى جارتها إسبانيا والعكس صحيح، فإسبانيا بحاجة أيضاً إلى جارتها الجزائر".

ويؤكد بو عبد الله أن المبادلات التجارية بين البلدين تكتسي أهمية كبيرة، كون إسبانيا في حاجة إلى الغاز الجزائري ومشتقات نفطية، بينما الجزائر في حاجة إلى مواد استهلاكية ومنتجات نصف مصنعة وأخرى موجهة إلى الاستهلاك على حالتها. وخلص إلى أن هذه التطورات ستعطي نفساً جديداً ودفعة إلى الأمام في علاقات الجزائر الدولية خصوصاً مع إسبانيا، مع التوجه نحو صفحة جديدة في التعاون. وبحسبه، يقوم التوجه الحالي للتعاون الاقتصادي بين البلدين أساساً على الصناعة من خلال خلق شراكات صناعية مستقبلية عميقة وفق منطق "رابح-رابح"، وعدم البقاء محصورين فقط في المبادلات التجارية.  

أزمة متصاعدة مع باريس

تأتي تطورات انفراج ملف التجارة الخارجية للجزائر مع إسبانيا في عز وضع متأزم أكثر فأكثر مع فرنسا، على خلفية إعلان رئيسها إيمانويل ماكرون دعمه مقترح الحكم الذاتي الذي طرحته الرباط قبل سنوات حلا وحيدا للنزاع في منطقة الصحراء، وجدد موقفه مؤخرًا من على منبر البرلمان المغربي خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة. وعقب كشف قصر الإليزيه عن الموقف الداعم لمقترح الرباط بخصوص قضية الصحراء، أعلنت الجزائر سحب سفيرها من باريس لأول مرة، بالنظر إلى أنه كان سابقًا يُستدعى للتشاور فقط.

وقبل عدة أسابيع، استثنت الجزائر فرنسا من مناقصة دولية لشراء القمح، رغم أن باريس كانت تمثل حصة الأسد من مشتريات البلد العربي من الحبوب، وفُسرت الخطوة على أنها إجراء انتقامي ردًا على موقف ماكرون من قضية النزاع في الصحراء. وهذا الأسبوع التهبت المنصات الاجتماعية في الجزائر بأخبار تفيد بوقف السلطات الجزائرية عمليات التوطين البنكي لاستيراد السلع والخدمات من فرنسا، لكن بياناً صادرا الخميس عن رئاسة الحكومة نفى هذه المعلومات نفياً تاماً، واتهم السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافيي دريانكور بإطلاق مزاعم كاذبة من هذا النوع.

وأفاد بيان رئاسة الحكومة أنه "إثر الادعاءات الكاذبة التي روّج لها السفير الفرنسي السابق بالجزائر في جنونه المعتاد ضد الجزائر، في ما يتعلق بالتدابير التقييدية المزعومة للتجارة الخارجية، يود المكتب الإعلامي لدى الوزير الأول (رئيس الحكومة) أن ينفي نفياً قاطعاً هذه المعلومات التي لا أساس لها على الإطلاق من الصحة".