استمع إلى الملخص
- توصل المجتمعون إلى تصور أولي لموازنة عامة، حيث تشرف حكومة طرابلس على المخصصات الثابتة، بينما يتم تقاسم أموال التنمية بين الحكومتين تحت إشراف أجهزة إعادة البناء، مع اقتراح المجلس الرئاسي للإشراف على توزيع حصة التنمية.
- كانت واشنطن حاضرة في أزمة المصرف المركزي منذ بدايتها، حيث سعت لمراقبة حركة المال في ليبيا، وسط انتقادات لتدخل السفارة الأميركية في الشؤون المالية الليبية.
انتهى عدد من ممثلي السلطات الليبية المختلفة من اجتماع لهم بالعاصمة التونسية، الخميس الماضي، للتشاور حول كيفية وضع تصور لخطة "ترتيبات مالية" لتنفيذ موازنة موحدة في البلاد، لدعم تثبيت اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي التي عصفت بالبلاد طيلة أزيد من شهر في الفترة الماضية.
ووفقاً لمعلومات أدلت بها مصادر ليبية مطلعة لـ"العربي الجديد" شارك في الاجتماع ممثلون عن الحكومتين، في طرابلس وبنغازي، وعن المصرف المركزي، ومسؤولون أميركيون، تمهيداً لاجتماع آخر أوسع تشارك فيه مجموعة العمل الاقتصادية الدولية المنبثقة عن اتفاق برلين.
تصور أولي لموازنة ليبيا
وكشفت المصادر نفسها النقاب عن توصل المجتمعين إلى تصور أولي يقضي بتنفيذ موازنة عامة للدولة عبر الحكومتين، تشرف فيه الحكومة في طرابلس على انسياب المخصصات الثابتة في أبواب المرتبات ودعم المحروقات وغيرها من الجوانب التسييرية، فيما سيجرى تقاسم أموال الباب الخاص بالتنمية بين الحكومتين تحت إشراف مظلة جديدة تجمع أجهزة إعادة البناء والإعمار. وأشارت المصادر إلى أن المجلس الرئاسي طرح مقترحاً بأن يكون هو الجهة المشرفة على توزع حصة التنمية على الحكومتين وتنفيذها.
وفيما لم يصرح أي من ممثلي السلطات التي شاركت في الاجتماع، أصدر النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، بياناً، إثر انتهاء اجتماع تونس، طالب فيه محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي بإبعاد المصرف المركزي عن تأثير السفارات الأجنبية، والتركيز "على أداء مهامهما عوضاً عن عقد اللقاءات مع السفراء، والالتزام بطبيعة مهامهما على رأس المصرف المركزي كونه مؤسسة سيادية وليست سياسية" في إشارة واضحة لمشاركة مسؤولي المصرف المركزي في اجتماع تونس الذي نظمه مسؤولون أميركيون.
وأعلن النويري رفضه "تدخل السفارة الأميركية وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين"، معتبراً أنه "أمر مستغرب ومستهجن، ويعد خرقاً للقوانين، فضلاً عن كونه إخلالاً بمبدأ عدم التدخل المقر في كافة المواثيق الدولية الذي يعد أساس سيادة أي دولة".
وعبر النويري عن استهجانه من "كلّ من يتبنى ويرعى هذه اللقاءات المشبوهة التي يرفضها المنطق والعقل وقبلهما القانون المالي للدولة"، وحذر "المؤسسات والشخصيات المنخرطة في ذلك كالمصرف المركزي الذي هو بالأساس مؤسسة فنية تدير السياسة النقدية فقط وفق التشريعات المالية للدولة، وليست مؤسسة سياسية". وأكد النويري أن "الموازنة العامة للدولة والترتيبات المالية فيها شأن سيادي بحت وضمن النطاق المحفوظ لسلطانها، ما لم تكن خاضعة لترتيبات خارجية بسبب مساعدات أو ملتزمة بقيود اقتراض".
وقبل لقاء تونس، أجرى القائم بأعمال السفارة الأميركية جيرمي برنت، عدة لقاءات مع مسؤولين ليبيين، منهم بلقاسم حفتر نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بصفته، مديراً عاماً لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وكتب عقب اللقاء به مشدداً على أن "الشفافية والمساءلة في إدارة الإيرادات أمران أساسيان لاستقرار ليبيا وازدهارها" بحسب منشور على الصفحة الرسمية للسفارة الأميركية بليبيا.
والأربعاء، التقى برنت مسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية، هما المستشار الخاص لرئيس حكومة إبراهيم الدبيبة، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة، قبل أن يلتقي محافظ المصرف المركزي ناجي. وعقب لقائه محافظَ المصرف، نقلت السفارة الأميركية عن برنت قوله إن "النزاهة والاستقلالية التكنوقراطية للمصرف المركزي أمر بالغ الأهمية لاستقرار ليبيا وازدهارها، وعمل اقتصادها، ومكانتها في النظام المالي الدولي" مضيفاً أنه ناقش مع ناجي "سبل تعزيز التعاون الفني بين المصرف المركزي والولايات المتحدة".
وجاء اجتماع تونس بعد أسبوعين من اعتماد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اتفاق تسوية أزمة المصرف المركزي الذي وقعه ممثلان عن المجلسين في طرابلس، في 29 من سبتمبر/ أيلول الماضي، بوصفه نتاجاً للمشاورات التي رعتها البعثة الأممية بين المجلسين، وتم بموجبه تعيين ناجي عيسى محافظاً للمصرف، ومرعي البرعصي نائباً له، على أن يختار المحافظ أعضاء مجلس إدارة المصرف.
واشنطن حاضرة
ويلفت الناشط والمتابع للشأن الاقتصادي الليبي، سالم الشوماك، إلى أن واشنطن كانت حاضرة ومتابعة من كثب لأزمة المصرف المركزي منذ اندلاعها إثر قرار المجلس الرئاسي بتكليف إدارة جديدة، من خلال اجتماع المبعوث الأميركي الخاص ريتشارد نورلاند مع المحافظ السابق الصديق الكبير، ثم بياناته المستنكرة للتهديدات التي يتعرض لها موظفو المصرف، وكذلك بيانات وزارة الخارجية الأميركية المحذرة من خطورة خروج المصرف المركزي عن المنظومة المصرفية الدولية.
ويعبر شوماك في حديث لـ"العربي الجديد" عن اعتقاده بأن أزمة المصرف كانت تدار من الخارج منذ البداية عبر أذرع داخلية في مقدمتها المجلس الرئاسي الذي لم يكن يتحرك بمثل القوة التي تحرك بها في أزمة المصرف، والهدف كان الوصول بالمصرف إلى إدارة جديدة يمكن من خلالها لواشنطن مراقبة حركة المال ومصارفه مراقبة وثيقة.
ويتابع شوماك قراءته بالقول: "مثل هذه السياسات نفذتها واشنطن في أقطار أخرى تعيش توترات وفوضى أدت إلى تأثيرات على وضع العملة الأميركية، وفي ليبيا الوضع وثيق الصلة بالوجود الروسي الذي لا يقف عند عتبة تعزيز الوجود العسكري، بل الاستفادة من الشغور الكبير في تفاصيل الاقتصاد الليبي، النفط وسواه"، مشيراً إلى إصدار واشنطن عقوبات على شركة روسية لطباعة العملة، واتهامها بطباعة العملة الليبية خارج قوانين المصرف المركزي الليبي.
ويرى شوماك أن هذه العقوبات "تحمل رسالة صريحة بأن موسكو تزور العملة الليبية، هذا ما ظهر، لكن هناك أمور تجري في كواليس التنافس الأميركي الروسي في ليبيا، وأزمة المصرف المركزي تعكس أن التنافس بين الدولتين اشتد بسعي واشنطن بتوجيه مجريات أزمة المصرف لمصالحها لمنع موسكو من الاستفادة من فوضى الاقتصاد الليبي".
وفيما يؤكد شوماك أن "نهج الترتيبات المالية الموحدة ستنفذه الحكومتان بضغوط أميركية، فالانقسام الحكومي والسياسي في ليبيا لا يعني واشنطن، كما أن الحكومتين لا تهتم بهذا الانقسام إذا ضمن لكل منهما الحصول على الأموال اللازمة لمصالحهما الخاصة، وباعتقادي أن الترتيبات المالية وإدارة المصرف ستكون بوابة رئيسية لواشنطن لمراقبة تدفق النفط أيضاً لمنع موسكو من الاستفادة منها". واستدرك: "السؤال الذي لا جواب عليه حتى في المستقبل المنظور، هو ماذا سيستفيد المواطن الليبي؟ وكيف ستكون معيشته؟ الأفق ملبد بغيوم الصراع الحاد بحيث لا يمكن رسم رؤية واضحة".