مسار تهاوي الليرة التركية منذ انقلاب 2016 حتى اليوم

09 ديسمبر 2021
+ الخط -

عاودت الليرة التركية، اليوم الخميس، تذبذبها، لتسجل 13.80 مقابل الدولار. غير أن ضبابية مستقبل الليرة التركية يخيّم على الأسواق، بحسب ما يرى مراقبون، بواقع ما يصفونه بانتقال المواجهة إلى العلن بين الرئيس التركي والمضاربين، في الداخل والخارج.

ويعتبر هؤلاء المراقبون أن سعر الليرة بالأسواق، خلال الفترة الأخيرة، لا يعكس سعرها الحقيقي المدعوم بزيادة الصادرات وعودة الإقبال على السياحة وتدفق الزوار.

وفي حين يرفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من نبرة المواجهة مع أنصار الفائدة المرتفعة والمضاربين، بعد أن وصف ما تعانيه بلاده بـ"حرب الاستقلال الاقتصادي"، وعد "الشعب التركي" برخاء اقتصادي عبر سياسة تقوم على الاستثمار، والتوظيف، والإنتاج، والتصدير والنمو. 

ولمح أردوغان، خلال تصريحات أول أمس، إلى ضرورة تخفيض أسعار الفائدة "لأن ذلك يصب في صالح النمو"، بعد جلسات تخفيض متتالية شهدها سعر الفائدة بالمصارف التركية.

ويعتبر مراقبون أن ليلة 15 يوليو/ تموز عام 2016، حين حدثت المحاولة الانقلابية الفاشلة، كانت بداية تهاوي سعر الليرة التركية، وقت فقدت نحو 4% من قيمتها، قبل أن تتحسن في اليوم التالي، لكن 3 ليرات مقابل الدولار لم تعد حاجزاً نفسياً للسوق والمكتنزين، حينما اقتربت منه ليلة الانقلاب، وسجلت 2.9 ليرة للدولار الواحد.

واستمر التراجع الطفيف خلال عام 2016، ليقفل العام على نحو 3.52 ليرات مقابل الدولار.

تراجع ما بين 2017 و2019

لكن عام 2017، الذي بدأ بأحداث سياسية محلية، من خلال تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات الرئيس وتتجه بالنظام التركي نحو النظام الرئاسي، ترافق مع تسجيل الليرة 3.77 ليرات.

ثم تصاعدت التوترات مع الولايات المتحدة، وقت علقت واشنطن جميع خدمات التأشيرات "باستثناء المهاجرين" بعد صدور حكم قضائي تركي بحبس متين طوبوز، الموظف في القنصلية الأميركية العامة في إسطنبول، بتهم مختلفة، بينها "التجسس"، وردت تركيا بالمثل، ليقفل العام على 3.79 ليرات للدولار الواحد.

مطلع عام 2018 بعد نزع جزئي لفتيل التوتر مع الولايات المتحدة، وارتفاع قيمة الصادرات وعائد السياحة، تحسن سعر صرف العملة  لتعود إلى عتبة 3.75 ليرات للدولار.

لكن منتصف عام 2018، وبعد الحكم على القس الأميركي ندرو برونسون، بدأت الليرة بالتذبذب لتفقد 19% من قيمتها ليلة 10 أغسطس/ آب، وقت تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن، وضاعف الرئيس الأميركي ترامب الرسوم على الصلب والألومنيوم التركيين، وفرض عقوبات على وزيري العدل والداخليّة التركيين. وخاطب الرئيس أردوغان الشعب التركي: "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني". لكن العام انتهى بتسجيل الدولار 5.28 ليرات.

 

بدأ عام 2019 بسعر دولار مقابل أكثر من 5 ليرات تركية، وتهاوت في نيسان/ أبريل العام نفسه إلى ما دون 7 ليرات، قبل أن تتحسن وينتهي العام على 5.8 ليرات مقابل العملة الأميركية. وشهد هذا العام عزل رئيس البنك المركزي التركي مراد قايا، واستلام تركيا منظومة الدفاع الصاروخية إس- 400 من روسيا، وسط توتر مع واشنطن، مع تهديد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي.

إقالات للمحافظين وخفض للفائدة

أما العام الماضي 2020، الذي يصنفه مراقبون بالمفصلي بالنسبة لليرة، لأنه ترافق مع "وباء كورونا" وتراجع الصادرات والسياحة، كما تمت إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال، واستقالة وزير الخزانة والمالية التركي، وسط أزمات دبلوماسية مع فرنسا وتوتر مع واشنطن، بسبب فرض الأخيرة عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.

بدأت العملة العام بنحو 5.98 ليرات مقابل الدولار، لكنها تراجعت نهاية الربع الأول إلى 6.53 ليرات، واستمر التراجع خلال الربع الثاني من العام الماضي، لتسجل نهاية شهر يونيو/حزيران 6.855 ليرات للدولار، ليبدأ التراجع بنسب كبيرة في الربع الثالث، وقت أقفل شهر سبتمبر/أيلول على 7.79 ليرات مقابل الدولار.

وشهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020 أدنى سعر لليرة التركية، وقت هوت إلى 8.5 ليرات، لتتعافى قليلا بالربع الأخير، وتقفل العام على 7.43 ليرات للدولار الواحد بخسارة من قيمة الليرة بنحو 23% في ثاني أكبر خسائر، بعد عام 2018 الذي خسرت خلاله حوالي 38% من قيمتها.

بيد أن العام الجاري، 2021، يعتبر الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لليرة التركية التي خسرت أكثر من 47% من قيمتها، بعد أن تراجعت من 7.28 ليرات في نهاية يناير/ كانون الثاني إلى نحو 13.8 ليرة اليوم الخميس.

وحفل العام الجاري بأحداث اقتصادية داخلية، نالت، بحسب مراقبين، من الثقة بالليرة التركية، تجلت بعزل الرئيس التركي محافظ المصرف المركزي ناجي إقبال في شهر مارس/ آذار، وتعيين شهاب قافجي أوغلو.

واستمرار تركيا بتخفيض سعر الفائدة كان السبب المباشر بتراجع سعر صرف الليرة، فبعد تخفيض الفائدة 100 نقطة في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، تابعت لجنة السياسات المالية بالمصرف المركزي خفض السعر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بواقع 200 نقطة، ليصبح السعر 16%، قبل أن يأتي في 18 نوفمبر/ تشرين الأول الماضي التخفيض الأخير ليصل سعر الفائدة إلى 15%، وتهوي الليرة من نحو 10.4 وتستمر بالتراجع، رغم تدخل المصرف المركزي المباشر عبر "بيع دولار بالسوق" مرتين مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري.