3 ضربات للحكومة المصرية... ومخاوف من موجات غلاء بسبب قفزات أسعار النفط

08 مارس 2022
أسعار الوقود تحلّق ومعاناة المصريين تتضاعف (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

أصبح قلب الحكومة المصرية معلقا بالارتفاع الجنوني لأسعار النفط في البورصات العالمية. فعندما يرتفع سعر برميل النفط دولارا، يعني أن موجة الغلاء التي لم تهدأ منذ عام 2016، تسكب مزيدا من الزيت على نار الأسعار التي طاولت جميع السلع والخدمات، وفقا لمؤشر الأسعار للجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة.
النفط بالنسبة لدولة ما زالت تستورد نحو 40% من احتياجاتها البترولية ومشتقاتها، بما يعادل 3 ملايين طن سنويا، وفقا لبيانات وزارة البترول.

وليس النفط مجرد وسيلة لتوفير مصادر الطاقة، للمصانع ووسائل النقل فقط، وإنما سلعة حيوية، ألهبت حركة الأسعار بداية من السجائر التي طبقت الأسبوع الماضي، وزيوت الطعام، والذرة والبقوليات، وزيوت السيارات والأسمدة، والمواد الكيماوية.

كما ارتفعت أسعار أدوات الطلاء والبناء، والمعادن والأدوية والأسمدة، والمخصبات الزراعية، والسلع المنزلية، والخدمات كافة، وفي الوقت نفسه انكمش قطاع الأعمال غير النفطي، وشراء مستلزمات الإنتاج والتوظيف، للشهر الرابع على التوالي، وفقا لمؤشر مديري المشتريات، الصادر عن مجموعة "أي إتش إس ماركت"، الخميس الماضي.

ارتباك في مواجهة الأزمة
أصيبت الحكومة، بحالة من الارتباك الشديد، أثناء اجتماعها الثاني في العاصمة الجديدة، نهاية الأسبوع الماضي، إذ رتبت قبل بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، لمناقشة كيفية مواجهة زيادة أسعار البترول من 65 دولارا للبرميل، في المتوسط العام الماضي إلى 95 دولارا، لكن السعر تجاوز أمس 130 دولارا لأول مرة منذ العام 2008.

وفوجئت الحكومة بانطلاق موجة محمومة من زيادة أسعار النفط عالميا، مع توقعات بزيادتها إلى أكثر 200 دولارا، في حال فرض حظر غربي على النفط الروسي.
مع حالة عدم اليقين، حول نهاية الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوقع تصاعدها، انتشرت المزيد من المخاوف، بأن الأسوأ قادم. في المقابل، يحاول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إبعاد مخاوف المواطنين من تداعيات أثر الحرب عليهم، بتأكيده قدرة النظام على توفير احتياجاتهم كافة من السلع الاستراتيجية، قائلا إن "الأزمة الروسية الأوكرانية، ألقت بظلالها على العالم بأسره، وخلقت تداعيات سلبية كبيرة، وهناك آثار اقتصادية سلبية، وأبعاد مختلفة تعمل الدولة على التخفيف من حدتها، في هذه المرحلة الدقيقة، التي يحبس فيها العالم أنفاسه".

رفع سعر الوقود بالحد الأقصى
كانت الحكومة، قد أعدت خطة لرفع أسعار الوقود، مع بداية الشهر المقبل، حيث فوجئت بانتهاء المخصصات التي حددتها بنحو 18 مليار جنيه، في ميزانية العام المالي، 2021- 2022، والتي قدرت متوسط بيع برميل النفط بنحو 61 دولارا، فإذا به يقفز إلى أكثر من 118 دولاراً.
والزيادة التي طبقت للمرة الرابعة يوم الجمعة الأولى من فبراير/ شباط الماضي، في أسعار البنزين، أوصلت سعر اللتر إلى 7.25 جنيهات لفئة 80 أوكتان، و8.50 جنيهات لفئة 92، و9.50 جنيهات لفئة 95 أوكتان، بزيادة جنيه واحد، عما كانت عليه أسعار البنزين، مطلع عام 2021 (الدولار = نحو 15.7 جنيها).

وقال مصدر مطلع في وزارة البترول المصرية إن "الزيادة المقررة على أسعار البنزين في إبريل/نيسان المقبل ستكون في حدها الأقصى، أي بنسبة 10 في المائة من السعر الحالي، ارتباطاً بالارتفاع غير المسبوق في الأسعار العالمية للوقود بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".
وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "سعر البرميل من خام برنت لامس 120 دولاراً، ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع في حال استمرار أزمة الحرب في أوكرانيا، مقابل 61 دولاراً فقط قدرتها الحكومة كمتوسط لسعر البرميل في موازنة الدولة للسنة المالية الجارية (2021-2022)".
ورجح المصدر ارتفاع سعر بنزين (80 أوكتان) من 7.25 جنيهات إلى 7.75 جنيهات لليتر، وبنزين (92 أوكتان) من 8.50 جنيهات إلى 9.25 جنيهات لليتر، وبنزين (95 أوكتان) من 9.50 جنيهات إلى 10.25 جنيهات لليتر، وذلك اعتباراً من الشهر المقبل.
وتخطط الحكومة منذ سنوات لوقف دعم الطاقة نهائيا، بحلول عام 2024، واستطاعت نقل كل ارتفاعات في أسعار البنزين إلى المستهلكين عبر لجنة التسعير التلقائي، التي تجتمع كل 3 أشهر، برئاسة رئيس الوزراء.

نفط وسياحة وقمح... 3 ضربات على رأس الحكومة
كشفت تناقضات رئيس الوزراء عن مخاوف شديدة من مصارحة المواطنين بحقيقة الأزمة التي تواجه الدولة، بينما الكوارث تتفاقم من كل صوب. فمصر تتلقى ضربات ثلاثية من الغزو الروسي لأوكرانيا، فمع ارتفاع أسعار النفط، تدهورت حركة السياحة من أهم سوقين عالميين، من البلدين المتحاربين، وتوقفت شحنات القمح المتفق عليها مسبقا، في موانئ أوكرانيا وروسيا على البحر الأسود، بعد حظر الشحن منها من قِبل شركات التأمين وسلاسل التوريد الدولية، كما ارتفعت أسعار النفط.

ويمثل القمح الروسي والأوكراني، ما بين 60% إلى 80% من احتياجات المصريين سنويا.

تفضل مصر باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، الشراء من روسيا وأوكرانيا، رغم رداءة إنتاجهما عن مستوى الأسواق الدولية، لحصول الحكومة على تسهيلات في الدفع، تصل إلى 90 يوميا كفترة سماح من روسيا، و9 أشهر في حالة الشراء من أوكرانيا، مع ذلك ارتفعت قيمة العقود الآجلة بنحو 5.4% الأسبوع الماضي.
ومع فشل الحكومة في توفير مصادر بديلة خلال الأسبوعين الماضيين، طلبت من المزارعين المصريين، تسليم إنتاجهم من القمح المحلي الذي قدرته بنحو 5.5 ملايين طن، بينما لم يتجاوز التوريد لصوامع الدولة، العام الماضي 3.6 ملايين طن فقط.
وكالعادة سينافس القطاع الخاص الحكومة في جمع القمح من المواطنين، مع توجه الدولة لرفع أسعار الخبز المدعوم خلال الأسابيع المقبلة، وخفض أعداد المواطنين المسموح لهم بالحصول على الخبز المدعم، وتوجه تلك الأعداد إلى شراء الخبز بأسعار تزيد 20 ضعفا عن السعر الرسمي، من المخابز الخاصة، التي ستدفع للمزارعين سعرا، يفوق ما تدفعه الحكومة بمراحل. ولن يخاطر المزارعون بتقديم القمح بأقل من السعر العالمي، لحكومة رفعت أسعار الأسمدة بنحو 50% رسميا، في بداية موسم زراعة القمح الحالي، ويعانون من ارتفاع سعر السولار والكهرباء، كما تتأخر في سداد مستحقات المزارعين، مع عدم حمايتهم أثناء الكوارث، كما يشير عضو بغرفة الحاصلات الزراعية. فالعلاقة بين زراعة القمح وأسعار النفط، علاقة موازية، حيث يزيد ارتفاع أسعار النفط من تكلفة الزراعة والشحن.

سيناريوهات لمواجهة الأزمة
ولا تملك الحكومة رصيدا أكثر من 10 مليارات جنيه في باب المخصصات الطارئة بالميزانية الحالية لمواجهة زيادة الأسعار، بينما تحتاج إلى مضاعفة المبالغ المرصودة للعام الحالي، بما يتطلب لجوئها إلى مزيد من القروض الخارجية والمحلية لمواجهة توابع كارثة الأسعار والنفط بخاصة.

يمثل القمح الروسي والأوكراني، ما بين 60% إلى 80% من احتياجات المصريين سنويا

 

ويدعو رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، هاني سري الدين، الحكومة إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة الأزمة التي أوجدتها الحرب على أسعار السلع عالميا، ووضع سيناريوهات متعددة، تضمن استقرار النشاط الاقتصادي. وامتنعت الحكومة عن تسليم مشروع الموازنة المالية الجديدة لعام 2022-2023، للغرف الصناعية والتجارية، وعطلت لجان مناقشتها السنوية، مع اتحادات المستثمرين، والمجتمع المدني.
وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قد بدأ استقبال رجال أعمال في مكتبه الشهر الماضي، لاستطلاع آرائهم حول إدارة الموارد العامة للدولة، وخاصة في ما يتعلق بدعم الطاقة، وتوجيه الدعم نقدا للأسر التي تلتزم بضبط المواليد، ومشاركة القطاع الخاص في استثمارات الخطة الجديدة. واكتفت الحكومة بوعد بإرسال الموازنة للبرلمان، الشهر المقبل، وفقا للدستور، دون أن تحدد أرقاما للإيرادات والمصروفات. وتهتم الحكومة بتقليل الفجوة بين إيرادات بلغت تريليون و365 مليار جنيه، ومصروفات ستزيد عن تريليون و838 مليار جنيه، العام المالي الحالي، خصما من قيم الدعم الموجه للفقراء، الذين يمثلون 60% من تعداد السكان، بينما توجه أغلب القروض، لمشروعات الطرق والجسور، والسكك الحديدية وخدمة ديون قطاع الكهرباء والمشتريات الأمنية، ودفع أقساط الديون المتراكمة التي تصل للخارج فقط، نحو 140 مليار دولار.
ويأتي ذلك مع خروج مبالغ هائلة من الأموال الساخنة المستثمرة في البورصة المصرية، خلال الأسبوع الماضي، خوفا من تداعيات الحرب على الأسواق الناشئة.

تراجع وزارة الكهرباء
وعلى غير العادة، تراجعت وزارة الكهرباء الأسبوع الماضي، عن ضغوطها على شركات إنتاج الطاقة من مصادر الرياح والشمس، وسمحت للموردين من محطاتهم الخاصة بزيادة الكمية المسموح بإنتاجها وبيعها لنفسها أو لشركة النقل للكهرباء من 300 ميغاوات إلى 1000 ميغاوات، بدون رسوم أو غرامات، لتشجيعهم على إنتاج الطاقة الجديدة، لضغط نفقات شراء النفط.

خروج مبالغ هائلة من الأموال الساخنة المستثمرة في البورصة المصرية، خلال الأسبوع الماضي، خوفا من تداعيات الحرب على الأسواق الناشئة

وكانت الوزارة قد تعسفت مع المنتجين، بدعوة المستثمرين إلى خفض أسعار البيع للحكومة، ووضع حد أقصى للشراء من كل منتج، للحد من نمو مشروعاتهم، في ظل احتفاظها بفائض هائل من الكهرباء المستخرجة من محطات التوليد الحرارية والغازية. كما تتطلع الحكومة إلى زيادة مواردها من بيع الغاز الطبيعي والمسال الذي زادت قيمته إلى 3.9 مليارات دولار العام الماضي، لتصبح مصدرا بديلا لأوروبا مع اشتداد الأزمة، لكن الواقع يؤكد أن الإنتاج بلغ مراحله القصوى، من الآبار ومراكز التسييل، وفقا لبيانات وزارة البترول.
ويعكس ارتباك الحكومة مخاوف ذكرها الخميس الماضي، "معهد الشرق الأوسط "المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مفادها أن الأزمة الحالية لنقص القمح والواردات الغذائية وارتفاع الأسعار،" قد تؤدي إلى خروج مظاهرات جديدة وعدم استقرار في عدة دول بالمنطقة".

المساهمون