استمع إلى الملخص
- تأثير التراجع على شركات السيارات: أدى تباطؤ المبيعات إلى إعادة تقييم خطط الاستثمار لشركات مثل جنرال موتورز وفورد ومرسيدس بنز، وحتى تسلا، مما أدى إلى خفض الطموحات وإلغاء بعض النماذج الكهربائية.
- التحديات والآفاق المستقبلية: تواجه الشركات الأوروبية والأميركية تحديات من المنافسة الصينية وحواجز الاستيراد، لكن هناك أمل في استرجاع الزخم مع إعادة الحوافز المالية وطرح نماذج كهربائية بأسعار معقولة.
تشهد مبيعات السيارات الكهربائية تراجعاً واضحاً في الأسواق العالمية منذ أشهر، بعد إقبال كبير عليها سابقاً. لكن ما هي أسباب التراجع عليها الآن؟ فمع كون النقل البري مسؤولاً عن نحو 15% من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، يبدو صعباً توقع كيف سيحقق العالم أهدافه المناخية الصافية الصفرية ما لم يتخل الناس عن سياراتهم التي تعمل بالبنزين والديزل.
وقدمت الحكومات لسنوات عديدة إعانات سخية لتشجيع السائقين على التحول إلى السيارات الكهربائية، بحسب تقرير لبلومبيرغ اليوم الأحد. ومع انخفاض الأسعار وتحسن التكنولوجيا، انتقلت السيارات الخالية من الانبعاثات من فئة محدودة إلى أن أصبحت تياراً رئيسياً في إقبال الشراة. وبدأت شركات صناعة السيارات في إعادة تجهيز المصانع وتقديم مجموعة أوسع من السيارات الكهربائية لتلبية الطلب المتصاعد. وانخفضت الأسعار إلى ما يقرب من أسعار السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وبدأ الأمر يبدو وكأن عصر محرك الاحتراق قد انتهى قبل الموعد المتوقع.
لكن هذا العام، يمرّ التحول إلى السيارات الكهربائية بفترة تتعرّج، حيث تعمل الحكومات على تقليص الحوافز المالية لمشتري السيارات الكهربائية، وتوقف نمو المبيعات، وتعيد صناعة السيارات النظر في بعض خطط الاستثمار التي كانت مبنية على التحول السريع إلى الكهرباء. فما الذي يحصل الآن؟
ما سبب انحسار طلب السيارات الكهربائية حول العالم؟
رغم أن الصين تواصل تحقيق نمو سليم، بدأ يتباطأ الطلب في أوروبا وأميركا الشمالية، بحسب خدمة بلومبيرغ إن إي إف، التي أشارت إلى تضاعف مبيعات المركبات الكهربائية بالكامل، إضافة إلى المركبات الهجينة التي يمكن تشغيلها بالبنزين أو الديزل بأكثر من الضعف عام 2021، ونمت بنسبة 62% عام 2022. لكن النمو تباطأ إلى 31% العام الماضي. وكانت الصين المحرك الرئيسي، حيث مثلت 59% من المبيعات العالمية، باستثناء المركبات التجارية.
وفي أوروبا والولايات المتحدة، انعكس التحول إلى المركبات الكهربائية بفعالية، حيث استحوذت السيارات ذات أنابيب العادم على حصة متزايدة من إجمالي المبيعات. وانكمشت حصة سوق السيارات العاملة بالبطاريات في أوروبا إلى 14% في أغسطس/آب من أكثر من 15% قبل عام. وفي ألمانيا، أكبر سوق في أوروبا، انخفضت مبيعات المركبات الكهربائية 69%. وتوقعت شركة أبحاث السيارات جيه دي باور أن تشكل نماذج البطاريات 9% من المبيعات في الولايات المتحدة هذا العام، بانخفاض عن تقدير سابق بلغ 12.4%.
والآن، تحذر بعض شركات صناعة السيارات في أوروبا من أنها قد تتكبد غرامات بمليارات اليوروهات إذا لم تتمكن من تلبية أهداف المناخ الطموحة للاتحاد الأوروبي بسبب انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية.
وبالنسبة للموجة الأولى من السيارات الكهربائية، تمكنت شركات صناعة السيارات من منح السائقين جاذبية الإقبال المبكر، وتحميل المركبات بأدوات ووظائف تقنية لتعزيز مكانتها. وكان السائقون أكثر عرضة للتشكك في التكنولوجيا والحذر من شراء سيارة كهربائية عندما لم يكونوا متأكدين من قدرتهم على العثور على مكان لإعادة شحنها على الطريق. وهذا هو الحال في الولايات المتحدة خاصة، حيث تتجمع مواقع شحن السيارات الكهربائية في المدن وعلى طول السواحل الشرقية والغربية.
أما في أوروبا، فقد تزامن انخفاض المبيعات مع إزالة إعانات الدعم الحكومية. وبدون هذه الإعانات، لا تزال السيارات الكهربائية باهظة الثمن مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود. وفي المتوسط، تكون أسعار السيارات الكهربائية بالكامل أعلى بنسب بين 30% و27% في أوروبا والولايات المتحدة على التوالي. كما أن هناك سيارات كهربائية أرخص في السوق، بخاصة في الصين. لكن الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة تحمي شركات تصنيع السيارات المحلية بالرسوم الجمركية وغيرها من الحواجز لإبقاء شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية مثل شركة بي واي دي تحت السيطرة.
ماذا يعني تباطؤ المبيعات بالنسبة لشركات السيارات؟
خففت العديد من الشركات المصنعة، بما في ذلك جنرال موتورز وفورد ومرسيدس بنز وفولفو وتويوتا، من طموحاتها في مجال السيارات الكهربائية. وتستهدف شركات صناعة السيارات التقليدية التي لديها تاريخ طويل في تصنيع المركبات ذات محرك الاحتراق، بيع 23.7 مليون سيارة كهربائية في عام 2030، أي أقل بنحو ثلاثة ملايين وحدة مما توقعته العام الماضي، وفقاً لما أوردت بلومبيرغ إن إي إف.
وحتى شركة تسلا، عملاقة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية التي بذلت الكثير لجعل السيارات الكهربائية ناجحة مع السائقين، توقفت عن الإشارة إلى هدفها بتسليم 20 مليون وحدة سنوياً بحلول عام 2030. وفي الولايات المتحدة أيضاً، ألغت شركة فورد سيارة رياضية متعددة الاستخدامات كهربائية بالكامل بثلاثة صفوف وأرجأت إنتاج شاحنة بيك آب من الجيل التالي، ما أدى إلى خفض إنفاقها على السيارات الكهربائية إلى 30% من نفقاتها الرأسمالية السنوية نزولاً من نحو 40% سابقاً.
كما تخفض الألمانية فولكسفاغن إنتاجها، وتخوض أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا مفاوضات متوترة مع النقابات بشأن خطة محتملة لإغلاق مصنعين في ألمانيا.
في غضون ذلك، اكتسب المنتجون الصينيون اليد العليا في تكنولوجيا السيارات الكهربائية ويتفوقون على العلامات التجارية الأوروبية في الصين، أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم. كما حققوا تقدماً في أوروبا حيث كان حضورهم ضئيلاً حتى وقت قريب نسبياً.
لماذا أصبح إنتاج السيارات الكهربائية على المحك؟
يُعد الانتقال إلى السيارات الكهربائية ركيزة من الطموحات العالمية للحد من تغير المناخ، ويمثل تحدياً كبيراً لصناعة السيارات التي تشكل أهمية بالغة للعديد من الاقتصادات. وتوظف شركات تصنيع السيارات مئات الآلاف من الأشخاص، كما يفعل الموردون مثل شركات تصنيع البطاريات التي تضررت من التباطؤ. كذلك تتخلص شركة نورث فولت إيه بي، وهي الشركة الأكثر وعداً في أوروبا ضمن مجال إنتاج البطاريات، من 20% من قوتها العاملة العالمية وتوقفت عن خطط التوسع بسبب تباطؤ الطلب.
وقد ترك الدفع العالمي نحو كهربة النقل البري شركات صناعة السيارات الأوروبية والأميركية تواجه تهديداً تنافسياً كبيراً من الصين، التي أخذت زمام المبادرة في تكنولوجيا السيارات الكهربائية، فيما تواجه الحكومات الغربية الآن معضلة تتمثل بفتح الباب أمام المزيد من الواردات وتصنيع السيارات الكهربائية الصينية وأجزاء السيارات الكهربائية من شأنه أن يساعد في الحفاظ على انخفاض الأسعار في أوروبا وأميركا الشمالية وتحفيز الطلب. لكن هذا ما قد يقوّض الشركات المصنعة المحلية ويعزز هيمنة الصين على الصناعات النظيفة مستقبلاً.
في خضم هذه التطورات، تفرض الحكومات على جانبي الأطلسي حواجز استيراد إضافية لحماية صناعاتها الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة من المنافسة الصينية، خاصة أن ميزة التسعير في الصين مذهلة، حيث انخفضت تكلفة البطاريات هناك إلى 126 دولاراً للكيلووات في الساعة على أساس متوسط الحجم المرجح، في حين أن أسعار العبوات أعلى بنسبة 11% في الولايات المتحدة وأعلى بنسبة 20% في أوروبا، وفقاً لبلومبيرغ إن إي إف. وفي الوقت نفسه، تكشف الشركات المصنعة الصينية عن جيل جديد من البطاريات التي تعتمد على الصوديوم، وهو أكثر وفرة من الليثيوم المستخدم الآن في بطاريات السيارات الكهربائية، وأقل عرضة للاشتعال.
هل من أمل في الأفق باسترجاع زخم السيارات الكهربائية عالمياً؟
لقد شعرت بعض الحكومات بالفزع إزاء الانحدار الأخير في طلب السيارات الكهربائية، وهي تدرس ما إذا كانت ستعيد حوافزها المالية للمشترين. فكل العمل الذي قامت به شركات صناعة السيارات لإعادة تكوين مصانعها لصنع السيارات الكهربائية يعني أنها تقترب من تقديم مجموعة أوسع من النماذج الأكثر بأسعار معقولة لإغراء المشترين المترددين.
في هذا الصدد، من المتوقع في أوروبا أن تصل سبعة نماذج كهربائية جديدة تكلف أقل من 25 ألف يورو (27810 دولارات) إلى السوق هذا العام والعام المقبل، بما في ذلك سيارة رينو 5 الجديدة وسيتروين e-C3 من شركة ستيلانتيس إن في، وفقاً لمجموعة الضغط المعنية بالنقل والبيئة، التي ترى أنه وفق هذا السيناريو المتفائل، يمكن أن تستحوذ السيارات الكهربائية على ما يصل إلى 24% من السوق الأوروبية العام المقبل.