استمع إلى الملخص
- شركات التأجير تلعب دورًا محوريًا في السوق بامتلاكها نصف حاويات الشحن العالمية، مع تسارع الصين في زيادة إنتاج الحاويات لمواجهة النقص.
- التحديات الجيوسياسية والأزمات العالمية تؤثر بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، مما يعكس الحاجة الماسة لإدارة فعالة لتدفق الحاويات والتجارة العالمية.
من المعروف طبعاً أن المخاطر الجيوسياسية تزيد تكاليف الشحن البحري حول العالم، لكن هل كنت تعلم أن أزمة نقص في الحاويات الفارغة لها ضلع في الغلاء؟ فبحسب شبكة بلومبيرغ الأميركية، في تقرير نشرته الثلاثاء، ثمة عدد لا يحصى من الأسباب المعقدة لارتفاع أسعار الشحن، ولكن أحدها بسيط بشكل صادم وهو يتمثل بانخفاض تعاني منه السفن في الصين في عدد الحاويات الفارغة المعدّة لنقل البضائع، ليستنتج الكاتب كريس براينت أنه "من المستحيل سد النقص فوراً".
ويعتقد الكاتب الذي عمل في السابق مراسلاً لصحيفة "فايننشال تايمز" أن هذا النقص "يثير الدهشة" لأنه، حتى وقت قريب، كانت سفن المحيطات تحتوي على عدد كبير جداً من الحاويات مقارنة بالطلب السائد، بعدما أنفقت شركات الشحن ومستأجرو الحاويات مبالغ كبيرة على المعدات الجديدة أثناء وباء كورونا لتخفيف الازدحام في ذلك الوقت، في حين أنه الآن تتدافع السفن مجدداً للعثور على حاويات بسبب تغيير مسار السفن عن البحر الأحمر في أعقاب هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى إسرائيل التي تواصل عدوانها على غزة بلا هوادة أو السفن التي تتبع دولاً داعمة لدولة الاحتلال. فطول مسار السفن جعل الحاويات مشغولة ومحجوزة لمدة أطول من السابق، وهذا ما قلل المعروض منها حالياً.
وقد تلاشت الزيادة الأولية في أسعار الشحن التي نتجت عن اتخاذ السفن طريقاً أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح في مارس/آذار الماضي، لكن الأسعار ارتفعت الآن بشكل أكبر، ووسط علامات على تكثيف ازدحام الموانئ في آسيا والشرق الأوسط، رفعت شركة "إيه بي مولر-ميرسك إيه/إس" (AP Moller-Maersk A/S) هذا الأسبوع، توقعات أرباح العام بأكمله للمرة الثانية خلال شهر واحد. وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة "غلوبال شيب ليز" (Global Ship Lease Inc) جورج يوروكوس الشهر الماضي: "في الوقت الحالي، بدأنا نرى علامات واضحة على نقص الحاويات والتي تذكرنا هي وازدحام الموانئ بسنوات كورونا".
الطلب على الحاويات الكبيرة أدى إلى ارتفاع أسعارها، ليبلغ سعر حاوية الأربعين قدماً (12 متراً) في الصين قبل أيام، قرابة 3350 دولاراً
وتنقل بلومبيرغ عن الرئيس التنفيذي لشركة "إم بي سي كونتاينر شيبس" (MPC Container Ships ASA) النرويجية كونستانتين باك، الأسبوع الماضي، أن هذا النقص "قد يصبح أكثر وضوحاً في الأسابيع والأشهر المقبلة، حيث لا تتوافر الحاويات الفارغة في المكان المطلوبة فيه"، فيما يشكل الحفاظ على تدفق حاويات الشحن الفارغة تحدياً دائماً لأن التجارة العالمية غير متوازنة. فالصين مصدر صاف كبير للبضائع، في حين تعتبر الولايات المتحدة مستورداً صافياً، مثلاً. وفي المتوسط، يُعاد نقل ثلث الحاويات فارغة حتى تتمكن الشركات من إعادة استخدامها مجدداً.
ولم يعد من سهلاً الوصول إلى موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، وبالتالي تفرّغ شركات النقل البضائع في الموانئ الغربية مثل برشلونة، ما يعني أن البضائع تواجه تأخيرات إضافية قبل الوصول إلى وجهتها النهائية. وثمة حاويات أُخرى عالقة في بلدان تتمتع بفوائض هيكلية، مثل روسيا، لترتفع واردات الحاويات من الصين منذ اندلاع حرب أوكرانيا عام 2022. ومن ثم، فإن المعدات لا تعود إلى الصين بالسرعة التي توقعتها شركات النقل البحري، بما يمنع الخطوط الملاحية المنتظمة من الاستفادة من طاقتها الكاملة ويمنحها المزيد من القدرة على المساومة مع العملاء، بحسب بلومبيرغ، التي تنقل عن شركة إدارة سلاسل التوريد "ليجينتيا" قولها في تقرير إن "جميع" شركات النقل التي تخدم مرفأ شنغهاي الصيني تفتقر إلى الأماكن الفارغة.
نحو نصف حاويات الشحن في العالم مملوكة مباشرة لخطوط الشحن، في حين أن الباقي مملوك غالباً لشركات التأجير
وعندما انخفضت أسعار الشحن في عامي 2022-2023، بدأت خطوط الحاويات في التخلص من الفائض منها لتتناسب مع انخفاض الطلب ولتجنب رسوم المستودعات الباهظة على غير المستخدمة منها. وفي الوقت نفسه، انخفض إنتاج الحاويات العام الماضي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2016، وفقاً لشركة الأبحاث البحرية والاستشارات "دروري" (Drewry). ويتم تصنيع جميع حاويات الشحن في العالم تقريباً في الصين، بحسب بلومبيرغ، التي تعتبر أن الخبر السار هو أن المنتجين هناك يعملون الآن على زيادة الإنتاج بسرعة مجدداً، حيث أنتجت المصانع ما يقرب من العدد نفسه في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام كما فعلت خلال الفترة نفسها من عام 2021.
ارتفاع أسعار الحاويات الفارغة.. فقاعة؟
والطلب على الحاويات الكبيرة أدى إلى ارتفاع أسعارها، ليبلغ سعر حاوية الأربعين قدماً (12 متراً) في الصين قبل أيام، قرابة 3350 دولاراً، وفقاً لشركة "كونتاينر إكستشاينج" (Container xChange)، التي تتخذ هامبورغ مقراً، وهي منصة لوجستية تعرض خدماتها عبر الإنترنت. ولا يزال هذا أقل بكثير من سعر الذروة المسجل عام 2021، ولكنه تقريباً ضعف متوسط السعر المسجل في سبتمبر/أيلول 2023. ووصف متحدث باسم الشركة الوضع بأنه "أشبه بفقاعة أسعار" ناتجة من تمسك بعض شركاء السوق بمخزونهم ريثما ترتفع الأسعار أكثر.
تجدر الإشارة إلى أن نحو نصف حاويات الشحن في العالم مملوكة مباشرة لخطوط الشحن، في حين أن الباقي مملوك غالباً لشركات التأجير التي أصبحت أهدافاً مطلوبة للاستحواذ، حيث استحوذت شركة "بروكفيل" Brookfiel على أكبر شركة من هذا النوع وهي "تريتون إنترناشونال" (Triton International Ltd)، العام الماضي، مقابل 12.8 مليار دولار بما في ذلك الديون، في حين تم تحويل شركة "تكستاينر" (Textainer Group Holdings Inc) إلى شركة خاصة في مارس/آذار من قبل "ستونبيك بارتنرز" (Stonepeak Partners LP) في صفقة استحواذ بلغت قيمتها سبعة مليارات دولار.