استمع إلى الملخص
- **برنامج تحالف اليسار**: يتضمن إلغاء إصلاحات التقاعد والهجرة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وخفض سن التقاعد، مما أدى إلى انخفاض مؤشر CAC 40 وارتفاع أسعار الفائدة على الدين العام الفرنسي.
- **ردود الفعل والمخاوف**: أثارت خطط التحالف قلق المستثمرين والمسؤولين الاقتصاديين، مع توقعات بعدم استقرار سياسي ومالي في فرنسا، ومأزق برلماني بين كتلتين أيديولوجيتين كبيرتين.
شدد تحالف اليسار الفائز بالانتخابات التشريعية في فرنسا على أحقيته في تشكيل الحكومة وتطبيق برنامجه المنحاز بوضوح إلى مطالب العمال والطبقات الفقيرة، الأمر الذي أثار مخاوف في باريس، وعدد من العواصم داخل الاتحاد الأوروبي، من التأثيرات المحتملة لهذه التحولات على اقتصادات المنطقة خلال الفترة القادمة.
وأظهرت نتائج نهائية للانتخابات التشريعية في فرنسا أن تحالف اليسار الذي تشكل لمحاولة إبعاد اليمين المتطرف عن السلطة فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية ، وبما لا يقل عن 181 مقعداً في جولة الإعادة، بعد مشاركة قوية من الناخبين يوم الأحد. وجاء تحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يمثل يمين الوسط في المركز الثاني بواقع 160 مقعداً، ثم اليمين المتطرف في المركز الثالث بواقع 143 مقعداً.
وأكدت كل تشكيلات تحالف اليسار مساء الأحد، أن برنامج الحكومة المقبلة يجب أن يستند إلى مشروع الجبهة الشعبية الجديدة، التي تمثل تحالف الأحزاب والقوى اليسارية، وهو ما يتخوف منه المسؤولون عن الاقتصاد الفرنسي، إذ حذر وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير الاثنين من خطر "أزمة مالية" و"تراجع اقتصادي" يطرحه "المعطى السياسي الجديد" في فرنسا الناجم عن انتخابات تشريعية لم تنبثق عنها أي غالبية. وقال برونو لومير الذي يتولى هذه الحقيبة الوزارية منذ عام 2017 عند وصول ماكرون إلى الرئاسة، عبر منصة إكس، إن "تطبيق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة" التي تصدرت انتخابات الأحد "سيقضي على نتائج السياسة التي طبقناها في السنوات السبع الأخيرة".
أهم بنود برنامج تحالف اليسار الفرنسي
ينص هذا البرنامج على إلغاء إصلاح النظام التقاعدي وقانون الهجرة وإصلاح مخصصات البطالة، فضلاً عن إجراءات حول القدرة الشرائية مثل تحديد "الحد الأدنى للأجور الصافي بـ1600 يورو شهرياً" على ما يؤكد الاشتراكيون. ووعد رئيس حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون بفرض زيادة الحد الأدنى للأجور "بموجب مرسوم" مؤكداً "لن نقبل بأي ذريعة أو حيلة او تسوية".
وجاء إعلان ماكرون إجراء انتخابات مبكرة بمثابة مفاجأة لمعظم الناس، بما في ذلك المستثمرين، كما يتذكر فيليب كريفيل، الاقتصادي ورئيس مركز سيركل دو لوبارني للأبحاث ومقره باريس، الذي قال لشبكة دويتشه فيله DW الإخبارية الألمانية: "انخفض مؤشر سوق الأوراق المالية الفرنسي CAC 40 بنحو 8% خلال أسبوع، وارتفعت أسعار الفائدة على الدين العام الفرنسي". وفي التعاملات الأولى من صباح يوم الاثنين، وبينما كان المستثمرون يحاولون استيعاب فوز تحالف اليسار في جولة الإعادة من الانتخابات، فتح المؤشر الفرنسي على انخفاض بنسبة 0.4% ولكنه تعافى سريعاً، منتقلاً إلى المنطقة الخضراء، قبل انتصاف تعاملات اليوم.
وأثارت خطط تحالف اليسار لما بعد الانتخابات قلق المستثمرين، حيث تَعِد أكبر مجموعة جديدة في الجمعية الوطنية باتخاذ تدابير سخية لتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين. ويخطط التحالف لسحب إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل الذي أقره ماكرون عام 2023، والذي رفع الحد الأدنى لسن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً. ويعتزم برنامج تحالف اليسار خفض هذه العتبة إلى 60 عاماً.
وقال كريفيل: "إنه أمر سريالي، تواجه فرنسا وضعاً مالياً حرجاً، ومع ذلك، تحاول جميع الأحزاب، بما في ذلك حزب ماكرون، جذب الناخبين من خلال الوعد بإغداق الأموال عليهم. لقد ظل السياسيون يفعلون ذلك على مدار الأربعين عاماً الماضية، لكننا الآن قريبون من الهاوية". ومع عجز في ميزانيتها يصل إلى 5.5%، زاد الاتحاد الأوروبي مؤخراً من جهوده الرامية إلى دفع فرنسا إلى تقليص العجز المفرط في ميزانيتها، حيث لا يسمح ميثاق الاستقرار والنمو التابع للاتحاد الأوروبي إلا بدين عام لا يتجاوز 60%، وعجز في الميزانية يقل عن 3%، من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفت كريفيل إلى أن المستثمرين كانوا يفضلون الأجندة الاقتصادية التي أعلنها كل من الحزب الوطني التقدمي والحزب الجمهوري بزعامة لوبان، موضحاً: "تحالف اليسار مناهض للرأسمالية ومعادٍ لأوروبا، لأنه يريد ترك ميثاق الاستقرار والنمو واتفاقيات التجارة الحرة الدولية، في حين أن حزب الجبهة الوطنية لم يعد يعرض علناً وجهات نظر مناهضة للاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن برنامجه لا يتوافق مع القواعد الأوروبية. وفي حالة انتخابه، كان حزب الجبهة الوطنية يخطط للخروج من سوق الكهرباء في الاتحاد الأوروبي وخفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد. وقال الحزب أيضاً إنه سيفرض ضوابط منهجية على الهجرة على الحدود الوطنية، الأمر الذي يتعارض مع قواعد حرية الحدود.
ووافق كريستوفر ديمبيك، كبير مستشاري الاستثمار في شركة Pictet Asset Management France، على أن وعود اليمين كانت أقل إثارة للقلق في ما يخص المستثمرين من خطط تحالف اليسار. وقال: "العالم المالي منزعج من معارضة التحالف الواضحة لقواعد الاتحاد الأوروبي أكثر من انزعاجه لخطط حزب التجمع الوطني، بما فيها خفض ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء والغاز والوقود من 20% حالياً إلى 5.5%، وهو الأمر الذي كان سيتطلب مجرد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي". وأضاف ديمبيك: "بالإضافة إلى ذلك، تعهد اليمين المتطرف بتدقيق المالية العامة، وهو ما يشير إلى نيته خفض ديون فرنسا".
لكن مايكل زمور، الاقتصادي في جامعة لوميير والذي لا علاقة له بالمرشح الرئاسي اليميني المتطرف السابق والمثير للجدل إريك زمور، قد شعر بالارتياح بعد مجيء حزب الجبهة الوطنية في المركز الثالث في جولة الإعادة، إذ قال: "هناك انطباع زائف بأن حزب العمال الوطني سوف يدمر الاقتصاد الفرنسي من خلال برنامجه الكينزي الذي يركز على الإنفاق، على الرغم من أن حزب الجبهة الوطنية يقوم بحملات انتخابية من خلال تخفيضات ضريبية ممولة من فرض إجراءات معادية للأجانب مثل حرمانهم من الرعاية الصحية".
وأكد أنه "بصرف النظر عن حقيقة أن هذا أمر مستهجن أخلاقياً، يواصل حزب الجبهة الوطنية تغيير رأيه من خلال تعديل، على سبيل المثال، تاريخ السحب المفترض لإصلاح معاشات التقاعد الذي قدمه ماكرون. في الحقيقة من المستحيل أن نأخذ برنامجه الاقتصادي على محمل الجد". وأضاف: "من المثير للصدمة أن يبدو أن عالم الأعمال يفضل كراهية الأجانب على إعادة توزيع الدخل، بحجة أن حزب الجبهة الوطنية سيخفف من سياساته مثلما فعلت رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتطرفة الحالية جيورجيا ميلوني بمجرد وصولها إلى السلطة".
ومن الممكن أن يلوح المزيد من عدم الاستقرار في الأفق، حيث يعتقد مجتبى الرحمن، المدير الإداري لأوروبا في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية ومقرها نيويورك، أن النتيجة المفاجئة ستسبب عدم استقرار سياسي ومالي. وقال لشبكة دويتشه فيله: "تتطلع فرنسا إلى مأزق برلماني بين كتلتين أيديولوجيتين كبيرتين، بينما الوسط محاصر في المنتصف مع رئيس ضعيف وفاقد للشرعية، وحكومة تصريف أعمال ليس لديها القدرة على تحقيق الإنجازات، وخطر كبير بحدوث حرب أهلية".
وكان مجتبي الرحمن قد حذر قبيل الجولة الثانية من أن حكومة يقودها حزب التجمع الوطني ستضع فرنسا على مسار تصادمي مع أوروبا. وقال إن "سياساتهم، مثل التفضيل الوطني، الذي من شأنه أن يحرم الأجانب من الحقوق الأساسية، لا تتوافق بشكل جيد مع تكافؤ الفرص في الاتحاد الأوروبي والقواعد التي تحكم السوق الموحدة". وأضاف: "علاوة على ذلك، فإن برنامجهم المالي التوسعي يمكن أن يحرض شعبويين آخرين مثل ميلوني على فعل الشيء نفسه، الأمر الذي قد يشكك في استقرار بقية منطقة اليورو".