ماكينات صرف الرواتب خاوية وثقة المواطنين بالبنوك تهتز في مصر: "جنيه في اليد خير من ألف في البنك"
"جنيه في اليد خير من ألف في البنك". هكذا يتندر المصريون على حالهم، مع ماكينات الصرف الآلي بالبنوك، التي أصيبت بالشلل منذ الخميس الماضي، وما زالت تبعاتها مستمرة حتى إشعار آخر.
اصطف الناس في طوابير طويلة طلبا لرواتب وأموال لم يجدوها في هذه الماكينات، في وقت اتخذت الحكومة قرارا بإيقاف العمل في البنوك والمؤسسات العامة مدة 9 أيام متواصلة.
فقد جمعت الحكومة عدة إجازات سنوية مع إجازة عيد الفطر، على أن يعود العمل في البنوك وغيرها في اليوم العاشر المصادف السبت المقبل. وجاءت الإجازة الطويلة بعد عودة البنوك من إجازة عيد الفصح التي دامت 4 أيام، مع استمرار حالة الطوارئ المفروضة على المتعاملين، التي تدفعهم للانتظار بطريقة مهينة وعشوائية أمام مداخل البنوك، وفترة قبض الرواتب للموظفين في الحكومة والشركات العامة والخاصة.
وتسبب تدافع العملاء على فروع البنوك في حالة من السخط، وإثارة المشاكل بين الجمهور على أولوية الدخول لسحب مستحقاتهم المالية.
طلب موظفو الفروع من العملاء التوجه إلى ماكينات الصرف الآلي، فامتدت الطوابير إلى مسافات طويلة، ولعدة ساعات. فرغت أغلب ماكينات الصرف الآلي من الأموال بعد دقائق من إغلاق أبواب البنوك لإجازة تعد الأطول من نوعها في العالم.
وأصيب الجمهور بحالة من الهلع بعد أن أكتشف أغلبه أن ماكينات الصرف لكل البنوك المحلية قد نفذت أموالها، أو توقفت عن العمل تماما، ومن وجد بعد الأزمة العظيمة، يضع حدودا قاسية للسحب النقدي اليومي.
أصيب نظام البنك الأهلي، الذي يضم أكبر عدد من العملاء والفروع في الدول، بشلل تام استغرق عدة ساعات، ولم يفلح المتعاملون معه في الحصول على أموالهم من فروع لبنوك أخرى.
في السياق، تقول صفاء محمد، وهي تجري تجاه ماكينات صرف في مول تجاري ضخم بمدينة 6 أكتوبر، "جئنا على أمل أن نجد مالا في ماكينات الصرف التابعة للبنوك العديدة في المول، لأنها بعيدة عن أماكن تجمعات الموظفين والمناطق الشعبية"، وتضيف متحسرة: "لا فرق".
وتوضح أنها جربت كل السبل للحصول على سيولة تشتري بها مأكولات العيد، ولكن "حظي العاثر سيدفعني إلى البحث عن أماكن أخرى للحصول عليها بأي وسيلة".
وتشيح مي عز الدين بوجهها في امتعاض وهي تقف في طابور طويل داخل "مول سعودي"، لدفع قيمة مخبوزات ولحوم ومأكولات احتياجات العيد، وقد أظهرت ماكينات الدفع صعوبة الحصول على قيمة البضائع، مع استحالة التواصل مع البنك عبر الإنترنت.
وبعد انتظار، ورد إشعار بأن الدفع حدث بالفعل، ولكن لم يظهر أثره على جهاز حسابات المول، ما يتطلب ضرورة دفعها نقدا لقيمة البضائع، على أن تتم تسوية حسابها عبر الإنترنت في نهاية يوم العمل، بعد عمل التسوية بين البنك والشركة، لإعادة مستحقاتها المعطلة بين الطرفين.
وتترك مي المول ومشترياتها غاضبة، لأنها فقدت ما لديها في بطاقة الدفع ريثما تُحل الأزمة بين الطرفين، ولا تملك في الوقت نفسه النقود السائلة لشراء مستلزماتها العاجلة للمنزل.
وقد طاولت الأزمة المتعاملين مع البنوك في جميع المحافظات، بعد أن طبقت الحكومة برنامجا للشمول المالي، متفاخرة بأنها وفرت من خلاله حسابات وبطاقات مصرفية لنحو 36.8 مليون شخص، من بين 64.4 مليون مواطن أعمارهم فوق 16 عاما، خلال السنوات الست الماضية.
وتلزم الحكومة الموظفين والطلاب والمتعاملين مع الجهات الحكومية بحمل بطاقات الصرف الآلي. وقد استهدفت في مشروعها، الذي يرعاه البنك المركزي بتمويل من البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية، أن يكون لكل مواطن بالغ حساب في البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول والبطاقات مسبقة الدفع، وهذا ما رفع عدد البطاقات مسبقة الدفع عام 2021 إلى 39,883 لكل 100 ألف مواطن، وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي طارق عامر.
ويؤكد خبراء أن برنامج الشمول المالي يحظى بدعاية ضخمة مدفوعة الأجر في الصحف والإعلام المحلي، بينما ما زالت البنية التحتية في المصارف ضعيفة، ولا تناسب الزيادة الكبيرة التي تحققت في أعداد المستخدمين على الإطلاق.
كما يشير خبراء إلى أن الطوابير الطويلة تقع شهريا أمام فروع البنوك وماكينات الصرف الآلي، ولا يملك الناس إلا الانتظار أو اللجوء إلى مكاتب البنوك، بينما هذه المرة تحدث في فترة إجازات طويلة للغاية، مع حاجة الناس الشديدة للسيولة.
والسبب الرئيسي وراء تهافت الناس على طلب النقد يكمن في أن الأسواق المحلية لا تتعامل بالبطاقات، مضافا إليه خوف صغار الموظفين والعمال من تعرضهم لسحب أموالهم من دون معرفتهم.
ومع حالة عدم اليقين في الأسواق بعد تراجع الجنيه الشهر الماضي، بدأت بعض الشركات تحصّل عمولة إضافية تصل إلى 2% على قيمة الفاتورة عند الشراء بالبطاقات، أو سداد أموال بالدفع الفوري، أو تشترط الدفع النقدي، لتخوفها من تأخر سحب مستحقاتها لدى البنوك.
وتساءل عملاء عن خطط البنوك لتغذية الماكينات التي فقدت حصيلتها، بينما تصر تصريحات كبار المسؤولين على أن الأمور تسير على ما يرام، ولا يصدقون ما ينشره الناس من فيديوهات ومشاعر غضب على شبكات التواصل الاجتماعي، لما يلاقونه من سوء، بحثا عن أموالهم في ماكينات صرف خارج الخدمة.
وخرج صحافيون اقتصاديون عن المألوف وعبروا عن ضيقهم من انتشار الطوابير الطويلة، ووصفوها بأنها "مأساة"، بعدما فشلوا في التعبير عن ذلك في صحفهم التي تراقب بدقة وتُدار من الجهات الأمنية.
ويتولى خبير إعلامي، عميد أسبق في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، الإشراف على حملات الدعاية لبرنامج الحكومة للشمول المالي ورصد سلوك الصحف، حيث يخصص 30 مليون جنيه سنويا لدعم ما يرغب في ترويجه من موضوعات تروج للشمول المالي.
واتهم عملاء الحكومةَ بالاستخفاف بمصالح المواطنين من خلال تعطليها عمل البنوك والمؤسسات المالية لفترة طويلة في وقت حرج، وغض الطرف عن علاقات الدولة مع المؤسسات المالية بالخارج.
وقال أحدهم متهكما: "لعل الحكومة خائفة من رفع الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة، وتخشى من ضغوط جديدة على الجنيه، فتحاول التحوط بشأنه، بوقف كل التعاملات البنكية ووقف صرف الشيكات والتحويلات الأجنبية، حتى تجد وسيلة لمواجهة خفض جديد للجنيه".
وتساءلت العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الدكتورة عالية المهدي: "لماذا تحصل البنوك والمؤسسات على كل هذه الإجازات الطويلة، وكأننا في دولة حققت كل أمالها وأحلامها وعندها فائض وقت لا تدري كيف تهدره؟".
وطالبت عالية المهدي بأن يصبح شعار الدولة قولا وفعلا: "الرشادة، والعمل والكفاءة، والإنجاز حتى تتحقق آمال الشعب".