مئات الشركات المصرية تعزّز التجارة مع نظيرتها في إسرائيل: زيادة التعاون رغم الحرب

28 فبراير 2024
تظاهرة تضامناً مع غزة في القاهرة (سيد حسان/ Getty)
+ الخط -

وسط أجواء الحرب واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، للشهر الخامس على التوالي، توصلت شركتا "بلو أوشن إنريجي" المستورد المصري للغاز الإسرائيلي مع نظيرتها "إسرامكو" في تل أبيب، الأسبوع الماضي، إلى اتفاق يقضي بضخ 4 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي لمصر على مدار 11 عاماً.

يرفع الاتفاق كميات الغاز المصدرة بما يعادل ضعف الكميات التي كانت تصدرها إسرائيل إلى مصر، قبل العدوان على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تتطور تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل بطريقة ممنهجة، في ظل أجواء حرب إبادة للفلسطينيين، تصل ضرباتها إلى الحدود الملتهبة بين مصر وغزة، متجاهلة صرخات المواطنين المطالبين بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الكيان الإسرائيلي، ودعوات شعبية واسعة بمقاطعة المنتجات إسرائيل ومنتجات الشركات الغربية الداعمة للعدوان.

تمضي السلطات المصرية قدماً في اتفاق اقتصادي سبق أن وقعت عليه مع الجانب الإسرائيلي منتصف عام 2023، بالعمل على مضاعفة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، اعتباراً من يوليو/ تموز 2025، في تناقض مع رؤية خبراء الأمن القومي واقتصاديين يحذرون من وقوع مصر في "فخ الغاز" الإسرائيلي، مع حرصهم على عدم ربط إمدادات الغاز باحتياجات محطات التوليد ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات والإسمنت.

يخشى الخبراء الانغماس مع إسرائيل في مشروعات اقتصادية استراتيجية، تعمق وجودها داخل السوق المصرية، لتوظفها في ممارسة الابتزاز السياسي عند الحاجة، مستشهدين بما فعلته تل أبيب، عقب العدوان على غزة، حينما أوقفت ضخ الغاز تماماً في الأنابيب المتجهة إلى شبكة الغاز المصرية، لمدة 5 أيام، أدت إلى زيادة مضاعفة فترة انقطاع التيار الكهربائي بأنحاء البلاد، ثم أعادته بالتدريج، وفقاً لردود أفعال المسؤولين، حول العدوان على غزة.

في ظاهرة تعكس تماهي رجال الأعمال وثيقي الصلة بالنظام، نحو التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، واصلت الحكومة استيراد الغاز لتصدير 80% منه سائلاً إلى أوروبا، وتجري مئات الشركات المصرية في قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية والزراعية، عمليات تبادل تجاري وسلعي مع نظيرتها في إسرائيل، ضمن اتفاقية المناطق الحرة "كويز" Q.I.Z.

فرضت الولايات المتحدة الاتفاقية على كل من الأردن وتركيا ومصر منذ 3 عقود، في إطار رغبتها في دمج اقتصاد دول المنطقة مع إسرائيل، وإعادة التشكيل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، التي طورتها باتفاقيات "إبراهام" حيث ضمت إليها كل من الإمارات والبحرين والمغرب.

تضمن الاتفاقية تزويد شركات مصرية بالمنتجات الزراعية والأسمدة والأسمنت، مع حظر دخول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأميركية دون أن تشارك الصناعات الإسرائيلية بنحو 10.5% من مكوناتها. فرضت الاتفاقية قسراً على الشركات المصرية، من الكونغرس الأميركي عام 2004، وقبلتها الحكومة المصرية، أملاً في أن تساهم في رفع معدل الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية ما بين 4 مليارات إلى 7 مليارات دولار سنوياً.

واصلت الحكومة استيراد الغاز لتصدير 80% منه سائلاً إلى أوروبا


تحافظ الحكومة على سريان اتفاقية "الكويز"، رغم عدم بلوغها الحجم المستهدف سنوياً على الإطلاق، بعد مرور 20 عاماً على تنفيذها، حيث حققت صادرات بقيمة 288 مليون دولار عام 2005، وبلغت 1.3 مليار دولار عام 2022، وتظهر بيانات أولية لاتحاد الصناعات، اقترابها من ملياري دولار بنهاية 2023.

يبدي رجال أعمال اعتراضهم على انفراد الجانب الإسرائيلي بتحديد أسعار المنتجات التي يشاركون بها في الصناعات المصرية المتجهة إلى الولايات المتحدة، حيث تصل إلى ضعف القيمة السوقية عالمياً، بينما ترفض إسرائيل طلباً حكومياً قدمته عام 2009، بخفض تلك المكونات إلى 8%، مدعومة من الجانب الأميركي الذي يفرض "الكويز" بشروط إسرائيلية، باعتبارها حلاً سياسياً للتعاون بين شعوب المنطقة، لا تتلهف عليه إسرائيل، التي تصدّر جل منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وشرق آسيا.

وسط أزمة اقتصادية خانقة، وشح في الدولار والعملة الصعبة، تدفع الحكومة المصرية إلى توسيع مشاركة الشركات المصرية، ومستثمرين أجانب، في اتفاقية الكويز، أملاً في جذب الاستثمارات من دول تجد صعوبة في دخول منتجاتها السوق الأميركية وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر. وطلبت 5 شركات مصرية، الأسبوع الماضي الانضمام لاتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز QIZ" التي تشترط وجود مكون إسرائيلي في منتجها النهائي لدخول السوق الأميركية دون جمارك.

كلف وزير التجارة الخارجية، أحمد سمير، وكيل وزارته المختص بإدارة "الكويز" توسيع مشاركة الشركات التركية والصينية والهندية مع نظرائهم المصريين، في إقامة صناعات تستهدف زيادة الصادرات المحلية إلى السوق الأميركية، للتمتع بالمميزات التي يحصل عليها المصريون، تشمل عدم وجود حد أقصى للكميات الموردة، والإعفاء التام من الرسوم الجمركية، وسرعة دخول المنتجات للأسواق الأميركية.

أسفرت المفاوضات التي أجريت على مدار الشهرين الماضيين عن اتفاقيات مع رجال أعمال أتراك وهنود وصينيين، على توسيع وإقامة مصانع للغزل والنسيج، مع نظرائهم المصريين، في المناطق الخاصة للكويز بالعاشر من رمضان ووسط الدلتا والإسكندرية، و6 أكتوبر.

يتوقع المستثمرون زيادة مشترياتهم من منتجات الصباغة والتجهيز ومستلزمات التصنيع من الجانب الإسرائيلي مقابل السماح لهم بزيادة الصادرات للسوق الأميركية. وتشكل صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، 80% من الصادرات المصرية للسوق الأميركية، حسب بيانات رسمية.

يشارك رجال الأعمال الحكومة في حملات موسعة ضد دعوات شعبية بمقاطعة منتجات الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي، بزعم تأثيرها سلباً على الصناعات والشركات المحلية، وأخرى خوفاً من رفع معدلات البطالة، بينما يجلب العشرات منهم آلاف العمال من الهند وبنغلادش ونيبال، لتشغليهم بمصانع الغزل والنسيج المنطوية تحت "الكويز"، بحجة انخفاض مستويات أجورهم وارتفاع كفاءتهم عن العمالة المصرية.

يتجاهل الداعمون للتطبيع مع إسرائيل دعوات النقابات العمالية والمهنية والأحزاب التي تعمل على مقاطعة إسرائيل باعتبارها تشكل كياناً خطراً على الأمن القومي المصري. خطر زادت حدته في ظل غزو قطاع غزة، وإصرار قادتها على طرد الفلسطينيين من أرضهم ربما إلى سيناء.

ومع طول فترة المعارك، تتعرض حملات المقاطعة للخفوت، وهو ما يرجعه أمين سر اللجنة العربية للمقاومة الفلسطينية بالقاهرة، عبد القادر ياسين، إلى تراجع الانفعال بالقضية، بعد أن فقد الناس القدرة على الأفعال.

يقول ياسين لـ"العربي الجديد" إن الشارع المصري والعربي يتعاطف مع المقاومة الفلسطينية، ويدعو للمقاطعة الواسعة، ولكن التعاطف خفت في الأسابيع الأخيرة، متأثراً بالصمت الرسمي العربي على الجرائم الإسرائيلية. يصف ياسين الأنظمة السياسية بأنها متواطئة مع الإسرائيليين وضد شعوبها، مؤملاً أن تشهد الفترة المقبلة انفراجة توقف العدوان على غزة، لإنقاذ أهلها من الجوع والموت المتربص بهم في كل مكان.

يراهن عضو التحالف الشعبي لمقاومة الصهيونية، محمد سيف الدولة، على دور الشعوب في توجيه اهتمام الناس بنصرة القضية الفلسطينية ومقاطعة الكيان الصهيوني.

يوضح سيف الدولة لـ "العربي الجديد" أن تراجع المقاطعة لإسرائيل ومنتجات الدول والشركات الداعمة لها يرجع إلى فقدان قدرة المواطن على تحمل مشاهدة مزيد من القتل وتجويع أهلنا في غزة، مع شعور الأفراد بالعجز بما يدفعهم إلى التعايش مع الانكار بعد أن فاقت جرعات السم الذي يتلقونه يوميا من جرائم الاحتلال، قدرتهم على تحمله.

المساهمون