تواصل جائحة كورونا إحداث تغييرات كبيرة في كل دول مجلس التعاون الخليجية والتي أضرت بجميع المستويات والمجالات، وأبرز الخاسرين هما الاقتصادان السعودي والإماراتي، اللذان يشهدان ركودا غير مسبوق.
وفي هذا السياق، قال تقرير دولي حديث صادر عن مؤسسة مورغان ستانلي إن التصنيفات الأخيرة التي صدرت أخيرا من وكالات التصنيف العالمية ستؤثر سلباً على المراكز المالية لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد تضعها في مأزق، خاصة في ظل الظروف العالمية الصحية الحالية من تفشي فيروس كورونا كوفيد-19وتدني أسعار النفط وارتفاع مستويات العجوزات المالية في الموازنات الخليجية إلى مستويات قياسية.
وتناول التقرير الدولي، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، المخاطر الائتمانية وقدرة دول المنطقة على سداد الديون، حيث تراجعت تصنيفات دول خليجية، وفي مقدمتها السعودية، فيما احتفظت قطر بتصنيفها وجدارتها الائتمانية، ووضعت الكويت في المنطقة المستقرة حتى الآن، حسب وكالات التصنيف فيتش وموديز وستاندرد آند بورز.
وذكر التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت الأكثر تضررا بين دول المنطقة العربية بسبب تراجع الإيرادات النفطية على خلفية انهيار أسعار النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي للدخل في كافة الدول الخليجية.
وأشار التقرير إلى أن غالبية الدول الخليجية لجأت إلى السحب من صناديق الاحتياطات النقدية لديها بصورة مبالغ فيها، واستنزفت مواردها المالية في ظل غياب الحلول، وهو ما ينذر بمخاطر كبيرة على مستقبل الاقتصاديات الخليجية في ظل غياب الإصلاحات المالية.
نظرة سلبية للسعودية
السعودية هي أكبر المتضررين في المنطقة العربية من أزمة تفشي كورونا، حيث تكبدت خسائر فادحة بسبب حرب النفط التي أدت إلى انهيار الأسعار وتراجع الإيرادات النفطية وتفاقم عجز الموازنة واستمرار السحب من الأصول الاحتياطية فضلا عن الانخراط في الصراعات الخارجية والتدخل العسكري في اليمن الذي يستنزف الموارد المالية، أو الخسائر الاقتصادية للهجمات التي يشنها الحوثيون على المنشآت الحيوية في السعودية.
ومع تراجع أسعار النفط وتوقف الأعمال والأنشطة التجارية على خلفية الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا في السعودية، غيرت وكالة موديز نظرتها للاقتصاد السعودي من مستقرة إلى سلبية مع تثبيت التصنيف الائتماني عند A1 في مطلع مايو/ أيار الماضي.
وتعكس النظرة السلبية زيادة مخاطر تراجع القوة المالية للمملكة بسبب صدمة الطلب على النفط وانخفاض الأسعار فضلاً عن عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على تعويض تراجع عائدات النفط، والحفاظ على استقرار أعباء الديون والأصول في الأجل المتوسط.
من جانبه، قال مدير مركز الخليج العربي للدراسات الاقتصادية في الرياض جاسر عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، عبر برنامج "سكاي بي"، إن أزمة كورونا كشفت عن ضعف واضح في الاقتصاد السعودي نتيجة تلقيه ضربات متتالية على مدار الأشهر الماضية في ما يتعلق بانخفاض النفط واستنزافه في الحرب باليمن، حيث اضطرت السلطات لتحميل المواطن مسؤولية فشل السياسات الاقتصادية على مدار السنوات الماضية بزيادة الضرائب وإيقاف بدل غلاء المعيشة وزيادة أسعار الوقود.
وأضاف عبد العزيز، خلال اتصال عبر سكايب، أن المملكة قد تفقد مكانتها الاقتصادية إذا لم تبدأ في خطوات الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات غير النفطية ووقف التدخلات الخارجية والحرب في اليمن التي استنزفت موارد المملكة.
وعلى أساس سنوي، تراجعت الاحتياطيات الأجنبية بواقع 13% خلال يونيو/ حزيران الماضي، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، حسب بيانات رسمية.
وكانت السعودية قد فقدت 50 مليار دولار من احتياطاتها الأجنبية خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين؛ 40 مليار دولار منها تم تحويلها لصندوق الاستثمارات العامة (صندوق الدولة السيادي)، لدعم استثمارات الصندوق بالخارج، وفق ما نقلته وكالة الأناضول.
وارتفع الدين العام السعودي إلى 181 مليار دولار بنهاية 2019، وهو ما يمثل 24 بالمئة من الناتج المحلي، بينما كان من المتوقع ارتفاعه إلى 201 مليار دولار في 2020 (26 بالمئة من الناتج)، قبل ظهور "كورونا".
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد قال في تصريحات صحافية، في شهر يوليو/ تموز الماضي، إن بلاده تعتزم إصدار ديون دولية مجددا خلال العام الحالي، لكن لم يتم تحديد عملة الطرح.
وفي مارس/ آذار الماضي، قال الجدعان إن الحكومة ستقوم بمزيد من الاقتراض هذا العام، بزيادة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار)، عما كان مخططا قبل "كورونا".
مخاوف اقتصادية في الإمارات
مثل بقية الدول الخليجية، تأثرت الإمارات بشكل كبير من تداعيات أزمة جائحة كورونا، وذلك على الرغم من ثبات تصنيفها الائتماني، حيث استقر التصنيف الائتماني لأبوظبي من قبل "موديز"، كما حصلت على تصنيف AA مع نظرة مستقرة أيضاً من قبل "فيتش" و"ستاندرد آند بورز".
وسعت الإمارات إلى تخفيف القيود والتعايش مع "كورونا" من خلال إجراءات جديدة من أجل وقف نزيف الخسائر المستمر منذ بداية تفشي الفيروس في البلاد، بسبب تراجع الإيرادات النفطية وتوقف الأنشطة الاقتصادية في دبي التي تعتمد على السياحة والخدمات اللوجيستية وتجارة العقارات، فضلا عن تأجيل معرض "أكسبو دبي 2020" لمدة عام.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي الإماراتي عبد العزيز السعدي، لـ"العربي الجديد"، إن حجم خسائر الاقتصاد الإماراتي خلال 6 أشهر فقط بلغ أكثر من 78 مليار دولار، داعيا الحكومة الإماراتية إلى اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمات الاقتصادية ومحاربة الفساد.
وفي وقت سابق، لجأت حكومة أبوظبي للاقتراض مجددا، حيث بدأت تسويق إصدار من السندات الدولارية القائمة التي تستحق في 2025 و2030 و2050 وطرحتها خلال الشهر الماضي.
الكويت: تصنيفات مستقرة
عانت الكويت خلال الأشهر الماضية، من تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، ولا سيما تفاقم عجز الميزانية، نتيجة تراجع الإيرادات النفطية التي تمثل أكثر من 90%من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن أزمات عديدة، مثل شح السيولة في ظل تعثر إقرار قانون الدين العام لاقتراض ما يقرب من 65 مليار دولار.
وفي إبريل/ نيسان 2020، ثبتت "فيتش" التصنيف الائتماني للكويت عند AA مع نظرة مستقبلية مستقرة.
كما قامت "ستاندرد آند بورز"، في يوليو/ تموز الماضي، بتعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد الكويتي من مستقرة إلى سلبية وأبقت على التصنيف عند AA-، نتيجة المخاطر المتعلقة باستنزاف السيولة النقدية لدى الحكومة، واحتياطيات صندوق الاحتياطي العام.
وفي 22 سبتمبر/ أيلول، خفضت وكالة موديز التصنيف السيادي للكويت من Aa2 إلى A1، مع تغيير النظرة المستقبلية إلى مستقرة، فيما جاء القرار هذه المرة بسبب زيادة مخاطر السيولة الحكومية، وضعف تقييم المؤسسات الكويتية والحوكمة.
من ناحيته، حذر الخبير الاقتصادي الكويتي، مروان سلامة، من تأثير خفض التصنيف الائتماني للكويت على المركز المالي للدولة، والذي قد يتسبب في ضعف ثقة المستثمرين في ظل الآمال المعقودة على التعافي الاقتصادي، خصوصا في ظل حالة الركود التي أعقبت تفشي فيروس كورونا.
وقال سلامة، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه من دون إصلاح الميزانية والتوافق على الاقتراض من أجل توفير سيولة، فضلا عن إصلاحات أخرى مثل فرض الضرائب التصاعدية وتقليص الدعم ومحاربة الفساد، لن تشهد الأوضاع الاقتصادية تحسنا على المدى القصير.
البحرين في مأزق
يعكس خفض وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني للبحرين التأثير المزدوج لجائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط على الاقتصاد الخليجي، والذي يتسبب في زيادة ملحوظة بعجز الموازنة والدين الحكومي، كما يضغط على احتياطيات النقد الأجنبي المنخفضة بالفعل ويؤدي إلى انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي.
وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، خفضت "فيتش" تصنيف المملكة من BB- إلى B+ مع نظرة مستقرة، فيما عدلت "ستاندرد آند بورز" نظرتها للاقتصاد البحريني من إيجابية إلى مستقرة، وذلك عقب انهيار أسعار النفط، وثبتت التصنيف الائتماني عند B+.
ضغوط مالية على عُمان
بعدما ترك وباء كورونا وهبوط أسعار النفط آثارهما على اقتصاد البلاد، خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لسلطنة عمان مرتين أيضاً في العام الحالي إلى Ba3، وغيرت نظرتها إلى سلبية، فيما قامت وكالة "فيتش" أيضاً بالإجراء نفسه بعدما خفضت تصنيف الدولة إلى BB- بنظرة سلبية في أغسطس/ آب الماضي.
كما تتوقع "ستاندرد آند بورز" أن يستمر صافي الديون الحكومية في الارتفاع ليصل إلى 37% من الناتج المحلي بحلول عام 2023، في حين رجحت أيضاً أن يشكل تفاقم الضغوط المالية وارتفاع أرصدة الديون للشركات المملوكة للحكومة خطراً على ميزانية السلطنة الحكومية.
نظرة مستقرة لقطر
أبقت جميع وكالات التصنيف الائتماني التقييم السيادي لدولة قطر، في أحدث تقاريرها الدورية، عند مستويات مستقرة، حيث قالت "ستاندرد آند بورز" إن التقييم السيادي لدولة قطر عند مستوى "AA-"، مع نظرة مستقبلية "مستقرة".
ورغم الانكماش الاقتصادي الحاد وانخفاض أسعار النفط والغاز، لا تتوقع الوكالة تدهورا جوهريا يتجاوز "تنبؤاتنا في المراكز المالية للحكومة والأسهم الخارجية".
أما موديز فقامت بتثبيت التصنيف السيادي لدولة قطر عند مستوى Aa3 مع تأكيدها على النظرة المستقبلية للاقتصاد القطري عند مستوى مستقر، وذلك في أحدث تقرير صادر عن الوكالة، والذي يعد تصنيفًا جيدًا وممتازا في ظل المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم وأدت إلى تخفيض تصنيفات بعض الأسواق الأخرى. وهو ما يؤكد مجددًا مرونة قطر الاقتصادية وقدرتها على مواجهة التحديات والصمود في مواجهتها. وأخيرا وكالة "فيتش للتصنيف الائتماني"، ثبتت التصنيف الائتماني لدولة قطر عند (-AA) مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأكدت في أحدث تقاريرها، أن التصنيف يعكس وضعًا قويًا لصافي الأصول السيادية لدولة قطر.