في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على 17 من شخصيات وكيانات تابعة للنظام السوري. وأخيرًا، مدد مجلس الاتحاد الأوروبي نظام العقوبات على أشخاص وكيانات سورية لمدة عام واحد حتى 16 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021. قد لا يخلو أسبوع من عقوبات أوروبية أو أميركية على نظام الأسد، بما فيها الأقسى طبعاً، قانون "قيصر" الأميركي لحماية المدنيين في سورية، الذي صدر في يونيو/ حزيران من العام الجاري. فما هي الغاية وكيف تأتي النتائج؟!
المعلن عبر تصريحات المسؤولين ووسائل الإعلام، يركز ويبرر غالباً، أن العقوبات، والأميركية منها خاصة، تهدف إلى حرمان مجرمي الحرب من الوصول إلى الأموال، وتعزز المصالح الأميركية، ووقف تدفق اللاجئين، والشماعة التي لن تنتهي، ومنع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
وإن ثمة وقتاً على المنابر للمسؤولين، أو توجيهاً "فوكسة" للإعلام، للقول إن العقوبات تنبه الأسد والمستبدين إلى أن قتل الشعب وتكتيكات الأرض المحروقة، كاستهداف المستشفيات والإخفاء القسري وتعذيب السجناء السياسيين، لن يتم تجاهلها باعتبارها أمراً طبيعياً.
كلام مهم ويُطرب أيضاً، بيد أن العبرة بالنتائج دائماً، بمعنى هل تنبه الأسد وتأدب مستبدو العالم جراء العقوبات، وهل قطعت العقوبات أيادي مجرمي الحرب عن الأموال؟
ولعل الأهم أن نسأل: كيف انعكست العقوبات على الشعب السوري، أو من تبقّى منه في سورية؟ وفي المقابل، ما هي الآثار التي لحقت بنظام الأسد؟
قبل البحث عن إجابة لهذه الأسئلة الموجعة، ربما من الضروري الإشارة إلى عدم اكتراث حلفاء الأسد، في طهران وموسكو، بالعقوبات، وخاصة "قيصر" الذي نصّ صراحة على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
فها هي الاتفاقات لبيع ما تبقى من ثورات السوريين مستمرة على مرأى الولايات المتحدة ورئيسها، وها هي صفقات الأسلحة، ولن نقول النفط والغذاء، تمرر إلى سورية الأسد وعبر موانئ سورية والبلدان المجاورة، ولن يكون رماد إيقاف سفينة في مياه لبنان أخيراً، ليذرّ الرماد في عيون السوريين.
وعمّا إذا تنبّه الأسد أو خاف مستبدو العالم، فالأدلة واضحة عبر دول العالم الثالث بأسره، فمن لأذربيجان إلى مصر ولبنان فدول الخليج وصولاً إلى كوريا الشمالية وأفريقيا، الأمثلة عديدة على تمدّد الاستبداد والحكم الأسري والتعامل مع الثروات الوطنية كملكية خاصة للحكام وآلهم.
ليكون، بنهاية القول، أثر تلك العقوبات على الشعوب، بنسب الفقر والبطالة والحرمان، إجابات آنية ماثلة، ولتكون الإجابات المؤجلة التي تحتاج أبحاثاً وقراءات لمعرفة آثارها على الدول والشعوب مستقبلاً، بنسب التسرب من المدارس أو انتشار الرذيلة والمخدرات.
وربما، أو على الأرجح، بالإجابات المؤجلة يكمن الهدف الاستراتيجي للعقوبات الأوروبية والأميركية. فإن استعرضنا آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" الذي أشار إلى أن 39% من الأطفال السوريين أصبحوا خارج المدارس، وأن ثلث لاجئي العالم من الدول العربية، منهم 6.7 ملايين قدموا من سورية وحدها، وإذا قلّبنا أحكام الطلاق والإدمان على المخدرات والدعارة في سورية، سنعرف أن تعزيز مصالح الولايات المتحدة هي الهدف حتى لو كان نظام الأسد وإذلال السوريين وسيلة دنيئة لتمرير تلك الغايات.