تبدو الحكومة المصرية مرتبكة، في مواجهة أزمة الكهرباء التي حطت بقسوة على المواطنين والمصانع والشركات والمنشآت السياحة والتجارية. تظل الحكومة عالقة بين قصتين، في إحداهما تخبر المواطنين بوجود أزمة مفاجئة في إنتاج الغاز، لتعود منكرة هذا الطرح، فتعلن أن الأزمة عارضة ومرتبطة بلهيب الصيف.
تراجعت درجات الحرارة، بينما تواصل الحكومة قطع الكهرباء عن المواطنين للأسبوع الثالث على التوالي. تحولت قضية انقطاع الكهرباء إلى كابوس يهدد حياة المواطنين، داخل منازلهم، حيث تشتعل الحرائق في الأجهزة الكهربائية، في أثناء عودة التيار متذبذباً وعالياً، ويصعب عليهم الحصول على الماء، من دون ماكينات الرفع، وتتعطل شبكة الإنترنت فتفرض عليهم العزلة عن اتصالاتهم وأعمالهم.
تبدو الحكومة مرتبكة، في مواجهة أزمة حطت بقسوة على المصانع والشركات والمنشآت السياحة والتجارية
أظهرت تقارير جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، لجوء شركات التوزيع إلى تخفيف مستوى الأحمال، من مستوى 3 آلاف ميغاواط إلى 2500 ميغاواط، خلال اليومين الماضيين، مع استمرار تزايد الاستهلاك، ليصل إلى 35 ألفاً و500 ميغاواط، من معدل يراوح ما بين 33 إلى 34 ألفاً و600 ميغاواط يومياً العام الماضي.
تبدو الحكومة مرتبكة، في مواجهة أزمة حطت بقسوة على المصانع والشركات والمنشآت السياحة والتجارية. تظل الحكومة عالقة بين قصتين، في إحداهما تخبر المواطنين بوجود أزمة مفاجئة في إنتاج الغاز، لتعود منكرة هذا الطرح، بعد الترويج له عدة أيام، فتعلن أن الأزمة عارضة، ومتماشية مع ظاهرة كونية، حيث تشهد الأرض "فوراناً حرارياً"، يرفع درجات حرارة الجو إلى مستويات غير مسبوقة بالتاريخ.
مكاشفة بحجم الأزمة
يعتبر عميد كلية هندسة الطاقة والبيئة بالجامعة البريطانية بالقاهرة، عطية عطية، أن برنامج الترشيد الذي طرحه رئيس الوزراء بحضور وزيري الكهرباء والبترول الأسبوع الماضي، بداية جيدة، لمكاشفة الجمهور بحجم الأزمة التي تتعرض لها البلاد، في ظل توقع باستمرارها لسنوات قادمة.
قال عطية في تصريح لـ "العربي الجديد": يجب أن تستمر سياسة ترشيد الطاقة، في ظل توقعات بتحولات مناخية تؤدي إلى زيادة كبيرة في درجات الحرارة صيفاً وانخفاضها بشدة شتاءً، بما يعني المزيد من استهلاك الكهرباء، في الحالتين".
يوضح خبير أمن الطاقة، أن وزارة البترول أجرت حسابات توفير الوقود لمحطات التوليد في حدود 32 ألف ميغاواط، تزداد إلى 34 ألف ميغاواط، ليوم أو يومين فقط خلال العام، بينما جاءت موجة الحر الأخيرة، لترفع الاستهلاك فوق مستوى 35 ألف ميغاواط لمدة 10 أيام، مبيناً أن وزارة البترول كان يجب عليها أن تكون أكثر حكمة في تغطية الموارد البترولية اللازمة للمحطات عند طلبها.
يبين عطية ضرورة تضافر جهود الوزارة والمواطنين، في تنفيذ خطة الترشيد وحالة الطوارئ بقطاعي الكهرباء والبترول، وأن تلتزم الحكومة قدراً واسعاً من الشفافية في إعلان بيانات التوليد والاستهلاك يومياً، وإخطار المواطنين بجداول قطع التيار.
يتوقع عطية أن تخفض الحكومة حالات قطع التيار، بعد أسبوعين، مع تدبيرها كميات إضافية من المازوت والغاز.
ويؤكد أن محطات التوليد يمكنها توليد 60 ألف ميغاواط، منها 10% من المحطات المائية والشمسية والعاملة بالرياح، بينما يبلغ متوسط الأحمال ما بين 32 ألفاً إلى 33 ألف ميغاواط، داعياً إلى استمرار حالة الترشيد والطوارئ، لسنوات مقبلة، مع وجود مؤشرات على ارتفاع معدلات الاستهلاك، مع زيادة درجات حرارة الجو، وعدد المستهلكين.
يرى خبراء أن عودة إنتاج الكهرباء من المازوت مدمرة لمحطات التوليد، التي تحول 90% منها إلى العمل بالغاز الطبيعي، وخصوصاً بعد أن أحالت وزارة الكهرباء 25% من قدرات التوليد المركبة بالشبكة الموحدة على التقاعد.
تظهر بيانات الحكومة أن الأزمة مستمرة حتى نهاية شهر أغطس/ آب المقبل، ويؤكد خبراء أن التيار الكهربائي سيواصل انقطاعه، على مدار أشهر مقبلة، وقد يستمر لسنوات مع تصاعد أزمة التحول المناخي، وتذبذب إنتاج الغاز، وشحّ الدولار. لكن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أعلن قبل 3 أيام أن تخفيف أحمال الكهرباء سيكون حتى سبتمبر المقبل حال استمرار ارتفاع درجات الحرارة.
محاسبة الوزارة
يعتبر سياسيون انقطاع الكهرباء، بعد إنفاق الحكومة أكثر من نصف تريليون جنيه على إقامة محطات توليد إضافية بقدرة 31 ألف ميغاواط، بما يماثل ضعف قدرات التوليد بالشبكة الموحدة، وحجم الاستهلاك العام بالدولة، أمراً يستدعي محاسبة الوزارة على سوء إدارتها الموارد المالية وعدم كفاءة قيادات الأجهزة المسؤولة عن وزارتي الكهرباء والبترول.
تدعو الحكومة المواطنين إلى الصبر على تحمّل مشاقّ انقطاع الكهرباء، وفي الوقت ذاته، تحمّلهم مسؤولية زيادة الأحمال، لتشغيلهم المكيفات والإسراف بالإنارة. طلبت الحكومة من البنك المركزي سرعة تدبير ما بين 250 مليوناً إلى 300 مليون دولار، لشراء شحنات عاجلة من الوقود، لضمان تشغيل محطات التوليد، والحد من اندلاع موجات غضب شعبية، عبّرت عن نفسها بقوة عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، عقب اجتماع وزاري بمدينة العلمين بالساحل الشمالي حيث مقر الحكومة الصيفي، نهاية الأسبوع الماضي: "مشكلة انقطاع الكهرباء، ليست نقصاً في احتياطي الغاز، أو عدم كفاءة مشروعات الكهرباء العملاقة التي أنشأناها خلال السنوات الماضية، والتي من دونها لم تكن الكهرباء لتصل إلى المنازل إلا لبضع ساعات يومياً".
يقفز مدبولي على أسباب يراها الخبراء "كارثية صنعتها الحكومة وأدت إلى انقطاعات الكهرباء"، غافلاً عما قاله قبل الاجتماع الوزاري بساعات، أن آبار الغاز تنتج نحو 110 ملايين متر مكعب فقط يومياً، وأن وقت الذروة لمحطات التوليد يحتاج إلى 129 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي والمازوت، لتوليد 34 ألف ميغاواط".
وضعت الحكومة خطة لترشيد الاستهلاك، تشمل وقف العمل بالمكاتب الحكومية يومي الجمعة والسبت والأحد، عدا المنافذ العاملة في خدمة الجمهور مباشرة، تمارس أعمالها بالأوقات الرسمية العادية.
تنسق الجهات الحكومية، مع الوحدات المحلية والمصالح الرسمية، لتشغيل الإضاءة بنسبة 75% في أوقات العمل، تصل إلى الإطفاء الكامل، عقب انتهاء مواعيد العمل، مع تخفيف الإضاءة بالميادين والشوارع ليلاً، بنسبة 75%، وترشيد إضاءة الإعلانات المضيئة، على جوانب الطرق، مع استثناء المنشآت الأمنية ومحطات المياه والصرف الصحي والمستشفيات والمناطق الصناعية من نوبات قطع التيار.
قرر مدبولي أن تقام المباريات الرياضية، بالأندية والمنشآت الرياضية نهاراً، قبل حلول الظلام وأن يقتصر قطع الكهرباء لمدة ساعة أو ساعتين على الأكثر.
يرفض رئيس الوزراء، قطع التيار عن المنشآت السياحية بالساحل الشمالي، حيث العائلات الثرية والطبقة العليا من كبار رجال الدولة، وهي المنطقة التي يطلق عليها مواطنون لقب "الساحل الشرير"، ويأمر بقطع الكهرباء وفق جداول زمنية معلنة مسبقاً، تنفذه شركات الكهرباء بلا رأفة أو نظام بالمناطق السكنية، المتوسطة والشعبية، التي توجد وسطها منشآت طبية وصناعية وتجارية كثيفة الجمهور.
فرضت الإدارات المحلية بالمحافظات على المحلات التجارية تخفيضاً للإضاءة على واجهة المحال، وتعطيل أجهزة التكييف بالمساجد والكنائس، خارج أوقات الصلاة، وغلق المنشآت الرياضية، بعد الانتهاء من المباريات والتدريبات، وتبديل لمبات الصوديوم كثيفة استهلاك الكهرباء، بأخرى موفرة للطاقة. وسط حالة من السخط العام، وخصوصاً من أصحاب المصانع الصغيرة.
مخاوف سياحية
عبّرت قيادات بقطاع السياحة، عن مخاوفها من تأثر الحركة السياحية سلباً بتكرار انقطاع التيار، عند دخول المتاحف والمناطق الأثرية، حيث تحول نظام دفع رسوم الرحلات وبيع التذاكر إلى "النظام الرقمي" باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني.
طلب محمد أبو الغار، مؤسس حزب المصري الديمقراطي، في بيان صحافي، من قيادات الدولة أن تعلن أنها أخطأت بعد أن أدت سياساتها إلى السير بخطوات سريعة لتفكك الدولة وانهيارها، مبيناً أن انقطاع الكهرباء كان أمراً متوقعاً ومعروفاً، حين اتخذ قرار تصدير الغاز اللازم لتشغيل المحطات مقابل دولارات لدفع فوائد الديون، بعد اتباع سياسة كارثية في استيراد محطات التوليد، من دون الحاجة إلى نصفها مقابل قروض، من البنوك الألمانية، من دون إجراء دراسات جدوى.