قوت التونسيين في مرمى الحرائق: الفاعل مجهول

05 مايو 2022
مخاوف من تكرار سيناريو حرائق الغابات والأراضي الزراعية (ياسين غادي/الأناضول)
+ الخط -

تثير الحرائق المتزامنة التي طاولت أسواقا ومصانع خلال فترة العيد، مخاوف لدى التونسيين من الأضرار التي قد تلحقها النيران بمؤسسات أخرى توفر القوت للمواطنين، إذ أعادت هذه الحوادث المتزامنة سيناريوهات حرائق محاصيل الحبوب والغابات التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وشهدت تونس خلال إجازة عيد الفطر سلسلة من الحرائق طاولت سوقا للصناعات التقليدية في محافظة قابس (جنوب شرق تونس)، حيث أتت النيران على نحو 20 محلا داخل السوق، قبل أن تسيطر عليه قوات الإطفاء.
كذلك امتدت الحرائق إلى مصنع للملابس المستعملة في مدينة بن عروس، إحدى محافظات إقليم تونس الكبرى، وانتشرت النيران بكامل مساحة المصنع ومحيطه والمقدرة بنحو 5000 متر مربع، حيث تم تسخير معدات إطفاء لمحاصرة الحريق ومنع امتداده إلى المناطق المجاورة.
ولم تكن محافظة بنزرت (أقصى الشمال الشرقي) في منأي عن نيران الحرائق التي أتت على جزء من مستودع للحافلات التابع لشركة نقل حكومية.

وبدأت السلطات في تونس البحث في مؤشرات عن أعمال إجرامية قد تكون وراء الحرائق، بحسب ما أكد الأمين العام المساعد للأمانة العامة لقوات الأمن الداخلي معز الدبابي.
وقال الدبابي، أمس الأربعاء، في تصريح لإذاعة محلية: توجد مؤشرات تدل على أن الحرائق التي اندلعت متزامنة يوم العيد في عديد الأماكن، وعلى رأسها سوق جارة بقابس، كان خلفها أياد إجرامية لها أهداف معينة، وفق تعبيره.
وأكّد المسؤول الأمني أن 23 حريقا اندلعت في عديد الأماكن متزامنة، رغم أن الطقس ليس شديد الحرارة ليكون مؤشرا على حرائق طبيعية، كما لا توجد أي حركة أو أي عامل لانتشار الحرائق.
وأفاد الدبابي بأن أصابع الاتهام لا توجه إلى أي طرف، لكن توجد مؤشرات تدل على وجود أياد إجرامية، لافتا النظر إلى أنهم خلال عمليات إطفاء سوق جارة اندلع حريق آخر في إحدى غابات جهة قابس، مؤكدا تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن أسباب الحرائق.
وخلال السنوات الماضية، كانت مدن تونسية في مرمى الحرائق المفتعلة التي استهدفت الغطاء الغابي ومحاصيل الحبوب، وتسببت في خسائر اقتصادية وطبيعية كبيرة.
ويسيطر القلق على المزارعين في تونس من تكرار الحرائق، مع اقتراب موعد نضج المحصول وبدء الحصاد، مطالبين برعاية أكبر للمحاصيل وتكثيف المراقبة الأمنية في محيط الحقول الكبرى والمساحات الزراعية الخاصة والضيعات الحكومية.
وقال عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية إن شبح الحرائق يشغل منتجي القمح، في ظل مناخ عالمي ينذر بأزمة غذاء، وارتفاع كبير لأسعار الحبوب في العالم، مشددا على ضرورة اليقظة وإيلاء المحاصيل هذا العام رعاية خاصة إلى حين جمع آخر حبة قمح، وفق قوله.
وأكد رجايبية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تضرر العديد من المنتجين خلال المواسم الماضية من الحرائق التي أتت على حقولهم وكلفت الدولة واردات إضافية، فضلا عن الخسائر التي تتحملها شركات التأمين.
وأضاف عضو منظمة المزارعين: "يجب أن تكون المحاصيل هذا العام تحت مراقبة مضاعفة، تشترك فيها الدولة والمنظمات المدنية والأهالي"، معتبرا أن خسائر الحرائق مكلفة جدا اقتصاديا واجتماعيا، باعتبار أنها تتسبب في دمار كل الأنشطة المرتبطة بجني المحاصيل وتحد من الطاقة التشغيلية لموسم الحصاد.
وخلال العام الماضي، ارتفعت المساحات الغابية المتلفة في تونس بسبب الحرائق بنسبة 322 بالمائة، مقارنة بسنة 2020، استنادا إلى إحصائيات الإدارة العامة للغابات.
وبلغت المساحات المحترقة في تونس 23 ألفا و280 هكتارا، أي ما يمثل نسبة 2.04 بالمائة من المساحة الإجمالية للغابات، وفق معطيات الإدارة العامة للغابات، بينما تقدر كلفة الهكتار الواحد المحترق ما بين 20 و50 ألف دينار (الدولار = نحو 3 دنانير).

ويشير الخبير الاقتصادي خالد النوري إلى غياب قاعة بيانات إحصائية حول خسار الحرائق في المؤسسات الاقتصادية، مشيرا إلى أن المناطق الصناعية في تونس مجهّزة بوسائل حماية كبيرة من الحرائق، ما يجعلها في مأمن نسبيا.
وقال النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحرائق التي تنتج عن الأعطال الكهربائية غير متواترة أيضا داخل المنشآت الاقتصادية والمصانع، غير أنه لفت إلى خطر الحرائق التي تهدد المحاصيل الزراعية والمساحات الغابية، مؤكدا أن كلفتها عالية، لاسيما وأنها تطاول مناطق تشتغل سكانها أساسا في القطاع الفلاحي الذي يمثل مصدر رزقهم الوحيد.
وتمثل غابات الفلين والبلوط والصنوبر مصدر الكسب الرئيسي لعدد كبير من ساكني المناطق الغابية والزراعية، سواء في رعي الأغنام أو استغلال منتجات أشجار الصنوبر الحلبي.
وبالإضافة إلى جني الفلين يستغل ساكنو المناطق المحاذية للغابات أشجار البلوط بجمع ثمارها، واستخدامها كعلف (طعام للحيوانات)، فيما تستعمل بقية مكونات الأشجار لصناعة الأواني الخشبية وتحف تقليدية، يعرض جزء منها على قارعة الطريق أو المحال المنتشرة على الطرق الحدودية الرابطة بين تونس والجزائر.
وقال الناشط البيئي حسام حمدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحرائق تخلّف خسائر اقتصادية كبرى في المنطقة التي تحدث بها وتحتاج إلى سنوات لترميمها.
وأشار إلى أن الخسائر التي تكبدها أهالي تلك المناطق تؤكد هشاشة النسيج الاقتصادي في المناطق الغربية للبلاد بالرغم من ثرائها الطبيعي.

المساهمون