عزز الاضطراب في منطقة الشرق الأوسط على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ارتفاع قيمة الدولار الذي يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات الاضطرابات.
وصعد مؤشر "بلومبيرغ" للدولار بنسبة 2.1% منذ بداية هذا العام، وأصبح في طريقه لتحقيق مكاسب سنوية ثالثة، وستكون هذه أطول فترة مكاسب للعملة الأميركية منذ عام 2016.
ويقول مراقبون إن أزمة الشرق الأوسط أضافت محركاً جيوسياسياً جديداً إلى استفادة الدولار من الزيادات القوية التي أقرها مجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" على أسعار الفائدة، جنباً إلى جنب مع مرونة الاقتصاد الأميركي واستبعاد دخوله مرحلة الركود.
محفظة آمنة
يؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي، والأستاذ بجامعة لونغ آيلاند في نيويورك، بكري الجاك المدني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن تداعيات الحرب على غزة أثرت بشكل سلبي على قيمة اليورو وعدد من العملات الرئيسية، فيما يبحث المستثمرون عن مناطق آمنة لحفظ قيمة المدخرات، وبالتالي أصبحت أميركا بحكم بعدها عن الصراع جغرافيا واستقرار أسواقها بمثابة الوجهة للأموال والاستثمارات الهاربة.
ويضيف المدني أن هذا الوضع أعطى الدولار ميزة تفضيلية، مشيرا إلى قرب منطقة اندلاع الحرب من أوروبا واحتمال تأثيره عليها بشكل مباشر بشكل أكبر من الولايات المتحدة.
وعن تأثير هذا التعزيز لقيمة الدولار على دول الخليج، يلفت المدني إلى أن معظم العملات الخليجية مربوطة بالدولار، وبالتالي فإن كل ما يعزز قيمة الدولار يعزز قيمة العملات الخليجية وعائدات استثماراتها وفوائضها المالية المودعة في البنوك الغربية، خاصة أن جل اقتصاديات الخليج لا تصدر مخرجات صناعية سوى النفط والغاز ومشتقاتهما، ما يجعل ارتفاع قيمة عملاتها لا يؤثر سلبا على صادراتها.
مكاسب أميركية
وفي السياق، يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عبدالقادر سليماني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الولايات المتحدة حصدت مكاسب كبيرة جراء حرب غزة، بعضها استراتيجي وبعضها سياسي بتأثير اقتصادي، فالحرب أعادت الولايات المتحدة إلى عمق الشرق الأوسط، بتحريكها لبوارجها البحرية وحاملات طائراتها، ووجودها العسكري المستقبلي في المنطقة لحماية ابنها المدلل (إسرائيل)، إضافة إلى عودة حضورها "الحمائي" لبعض الدول الخليجية مع تزايد نفوذ إيران والجماعات المرتبطة بها، والتي تعتبرها أميركا ودول الخليج متطرفة أو إرهابية.
وبالنسبة لمكاسب الدولار جراء الحرب على غزة، يشير سليماني إلى أن مؤشرات البورصات العالمية انتعشت، خاصة بالأسواق الأميركية والأوروبية، ووصلت إلى معدل واحد نقطة في كل تداولاتها، وكذلك انتعشت أسعار النفط والذهب.
ويوضح سليماني أن الولايات المتحدة من أكبر الدول المسيطرة على السوق النفطية من حيث الإنتاج، فقد وصل سعر خام صحاري غرب تكساس إلى ما يفوق 86 دولارا للبرميل، كما ارتفع سعر أوقية الذهب إلى مستويات كبيرة، ما يعزز قيمة الدولار ويسهم في انتعاش الاقتصاد الأميركي.
الصناعات الدفاعية
يضيف سليماني أن أكبر الشركات الممولة لحرب غزة في الولايات المتحدة هي شركات صناعة الصواريخ والقنابل والطائرات، وكلها زادت أسهمها بمقدار 14%، ما ينعش الدولار بالتبعية، الذي أصبح ملاذا آمنا لكل الشركات سواء في إسرائيل أو في دول الخليج.
وبطبيعة الحال، هناك تأثيرات على عملات دول الخليج واقتصادها جراء الحرب في غزة، وكذلك جراء زيادة قيمة الدولار، خصوصا قطاع السياحة، مع زيادة بورصة التأمينات، بحسب سليماني، موضحا أن "منشآت النفط والغاز في الخليج تتطلب تأمينات كبيرة، خصوصا بعد دخول جماعات الحوثي وإيران على خط الحرب، وبالتالي أصبحت صداعا آخر لاقتصاد الخليج العربي".
لكن على الأقل تبقى أسعار النفط مستفيدة من الوضع الراهن، إذ صعدت إلى ما يفوق 88 دولارا للبرميل عقب اندلاع الحرب قبل أن تتراجع إلى نحو 84 دولارا أمس، ويقدر البنك الدولي أنها ستتجاوز الـ100 دولار في حال امتداد أمد الحرب في غزة إلى عام 2024، حسبما يرى سليماني.
ويرجح مواصلة الدولار تحقيق المكاسب في ظل تزايد الطلب على النفط والطاقة والأسلحة الأميركية، إضافة إلى اتجاه عديد الدول إلى الاقتراض من الولايات المتحدة، خاصة إسرائيل، التي ستعتمد بصفة مباشرة على هذا الاقتراض، لدعم اقتصادها.
وبالنسبة لدول الخليج، يشير سليماني إلى أنها، في المجمل، هي دول ريعية، تقوم إيراداتها بالأساس على تصدير النفط والغاز، وبالتالي سترتبط مكاسبها بأسعار النفط والغاز والمشتقات البترولية، خاصة مع امتداد نطاق الحرب الجغرافي ليشمل الخليج والبحر الأحمر.
ورغم أن هذه المكاسب ربما تكون ظرفية، إلا أن تحقيقها من شأنه دعم قطاعات الاقتصاد الخليجي الأخرى، خاصة التكنولوجيا والعقارات والتأمينات، بحسب سليماني، مشيرا إلى أن هذه المكاسب مرشحة للاستمرار في الشتاء، وهو موسم زيادة تصدير الغاز.