قمح روسي للجزائر... تنويع سياسي للإمدادات

17 سبتمبر 2023
ضعف إنتاج القمح في الجزائر يزيد معدلات الاستيراد (Getty)
+ الخط -

تستعد الجزائر لاستقبال شحنات من القمح الروسي، بداية من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لتغطية الطلب الداخلي المتزايد، بالتزامن مع تراجع الإنتاج المحلي بسبب موجات الحر ونقص المياه التي تعيشها الدولة، فضلاً عن تنويع الإمدادات، إذ تراجعت شحنات القمح الفرنسي الذي ظل لعقود طويلة مفضلاً للدولة.

وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن الجزائر تنتظر أكثر من 800 ألف طن على شحنتين الشهر المقبل، موضحة أن نصف الكميات تأتي من دول البحر الأسود، في مقدمتها روسيا، بموجب صفقة جرت في أغسطس/آب، فيما تأتي باقي الكميات من الأرجنتين وأستراليا.

وأشارت المصادر إلى أن الجزائر تحاول الاستثمار في التقارب الحاصل مع موسكو لتأمين أكبر قدرٍ ممكن من القمح، خاصة في أعقاب انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب الذي كان يسمح بمرور الشحنات الأوكرانية إلى الأسواق العالمية عبر البحر الأسود، وذلك لتفادي سيناريو العام الماضي، حيث وجدت الحكومة الجزائرية صعوبات في تأمين شحنات القمح من الممونين التقليديين على غرار فرنسا، بسبب تراجع الإنتاج فيها وارتفاع الطلب الداخلي والخارجي على القمح الفرنسي.

وتخوض الجزائر منذ سنتين معركة تحرير حاجتها للقمح من التبعية لفرنسا التي احتكرت توريد هذه السلعة المهمة لأكثر من عقدين، وتسير الحكومة على خطين متوازيين، الأول تنويع ممونيها بالقمح، والثاني محاولات لرفع إنتاجها المحلي، وفق المصادر.

وسبق أن كشف رئيس اتحاد الحبوب الروسي أركادي زلوتشفسكي، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن "الجزائر تعتبر الزبون الثاني لقمح روسيا بعد مصر وقبل تركيا منذ مطلع يوليو/تموز الماضي".

وتنجح دائماً باريس في الفوز بالمناقصات التي تطرحها الجزائر لشراء القمح، وفق بيانات رسمية للجانبين، إذ تعتبر الجزائر حتى الآن أول مستورد للقمح الفرنسي، إذ تتحصل تقريباً على نصف الكميات المصدرة من القمح الفرنسي خارج الاتحاد الأوروبي.

ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "احتكار فرنسا الحصة الأكبر في تموين الجزائر بالقمح يرجع بالأساس إلى سببين، الأول تاريخي متعلق بعلاقات البلدين منذ 1830، أي منذ احتلال فرنسا للجزائر، ومن ثم نحن أمام تبعية متواصلة، أما السبب الثاني فتقني لكنه ناتج طبيعي عن السبب الأول، فدفتر الأعباء الذي تطرحه الجزائر في أغلب مناقصاتها العالمية لشراء القمح يكون مفصلاً على مقاس القمح الفرنسي من حيث النوعية وكمية الغبار وتكلفة النقل".

وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد" أن "ربط مصير قوت شعب كامل بدولة واحدة خطأ استراتيجي وقعت فيه الحكومات المتعاقبة، وخاصة في العشرين سنة الماضية، فالتبعية لفرنسا في العديد من الملفات الاقتصادية والتجارية أضعفت القرار السياسي، والآن هناك متغيرات جيوسياسية واقتصادية تفرض على الجزائر التوجه نحو القمح الروسي".

وتعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح اللين في العالم، وتبلغ نسبة الاستهلاك الفردي سنوياً نحو 100 كيلوغرام، وهو ضعف النسبة في الاتحاد الأوروبي وثلاثة أضعاف باقي دول العالم، وتعد فرنسا ممونها الرئيس بما قيمته 7 مليارات دولار من القمح سنوياً. وتتعامل الدولة حالياً لتوفير الكميات المطلوبة من القمح مع 20 دولة، لتوفير حاجيات تلامس 15 مليون طن سنوياً.

ويأتي تحرك الجزائر لضمان قوت الجزائريين لموسم الشتاء تحت ضغط تراجع الإنتاج المحلي بسبب موجات الحرارة التي سجلتها البلاد في الأشهر الماضية، والتي أثرت على محاصيل القمح، التي لم تكشف بعد وزارة الفلاحة عن حجمها بعد انتهاء موسم الحصاد.

ويطغى شعور بالإحباط على شريحة واسعة من مزارعي المحافظات المنتجة، بعدما خيّبت النتائج المتوقعة أحلاماً بنوها على امتداد الموسم الزراعي، الذي كان يلوح واعداً إلى حدود شهر فبراير/شباط، الذي شح فيه تساقط الأمطار.

وحسب رئيس اتحاد الفلاحين الجزائريين ديلمي عبد اللطيف، فإن "محصول هذه السنة لم يحمل ما كان ينتظره الفلاحون من آمالٍ"، موضحاً أنّ هذا التقييم أدى إلى "تقلص المساحات المستغلة بحوالي 20% مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك بسبب الجفاف الذي ضرب الجزائر الشتاء المنصرم وامتد إلى غاية فصل الربيع".

وأضاف عبد اللطيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذه الصعوبات تأتي رغم دعم الدولة للفلاحين، ولا سيما بالأسمدة الزراعية وبالآلات التي لم تؤد إلى زرع مساحات جديدة، عكس السنوات الماضية، لأن الري من الآبار يحتاج إلى مصاريف كبيرة".

المساهمون