استمع إلى الملخص
- تأثير الأزمة على السكان: السكان يواجهون صعوبة في الحصول على قطع الغيار، مما يضطرهم لدفع أسعار باهظة أو التوقف عن استخدام هواتفهم، كما حدث مع أدهم شريم وشوق اليازجي.
- محاولات التكيف مع الأزمة: محمد عزام افتتح خيمة لتصليح الجوالات، لكنه يواجه صعوبة في توفير قطع الغيار، ويشير إلى أن فتح المعابر يمكن أن يخفف من الأزمة.
تحول قطاع غزة إلى سوق خردة للجوالات القديمة بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي ومنع دخول الأجهزة الجديدة وقطع الغيار إلى القطاع.
وخلق العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة للشهر الثاني عشر على التوالي أزمة حادة في أجهزة الجوالات (الهواتف النقالة)، والتي لم تدخل للقطاع منذ بدء الحرب، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعارها، كذلك في أسعار قطع الغيار اللازمة لإصلاح المستعملة منها لعدم وجود البدائل الجديدة.
ويرجع سبب الأزمة إلى الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتشديد ذلك الإغلاق بعد اجتياح جيش الاحتلال مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، والسيطرة على معبر رفح مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، حيث مُنع دخول مختلف أصناف البضائع، بما فيها الأجهزة الكهربائية، وأجهزة الهواتف النقالة ومتعلقاتها من مستلزمات وقطع غيار.
وينعكس منع دخول أجهزة الهواتف النقالة بمختلف أنواعها على حالة السوق الذي اعتاد على مواكبة الأجهزة الحديثة منذ اللحظة الأولى لإصدارها، حيث تسبب بتعطيل الدائرة الشرائية التي كان يتعامل بها أصحاب المحلات داخل أسواق الهواتف في قطاع غزة قبل الحرب والتي كانت تقوم على توفير الأجهزة الجديدة ومرتفعة الثمن للزبون المقتدر مادياً، والذي يشتري الهاتف الجديد ويبيع أو يبدل الجهاز القديم، ويتيح جهازه القديم لزبون آخر يتمتع بقدرة شرائية أقل الأمر الذي كان يتيح أجهزة من مختلف الأنواع والأسعار.
سوق لتدوير الأجهزة القديمة
تعتمد العديد من المحلات التجارية الخاصة ببيع أجهزة الهواتف النقالة على الأجهزة القديمة في توفير قطع الغيار لصيانة الأجهزة المتعطلة، بعد أن كانت تعتمد على الشاشات الجديدة وقطع الغيار التي تُستورد، إلا أن المنع التام لدخولها منذ بداية العدوان تسبب بتضاعف أسعارها في الأشهر الأولى، إلى أن فقدت بشكل شبه تام نتيجة الطلب المتزايد جراء عدم وجود أجهزة جديدة يمكنها أن تحل مكان الأجهزة التالفة.
ويقول الفلسطيني أدهم شريم، وهو من معسكر الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، والذي نزح مع عائلته عدة مرات وصولاً إلى منطقة التحلية غربي مدينة دير البلح وسط القطاع، إنه يعتمد بشكل تام على نقاط الشحن العشوائية لشحن بطاريات الإضاءة وأجهزة الهواتف الخاصة بأسرته، إلّا أنّ عدم انتظام الكهرباء في مصادر الطاقة الخاصة بتلك النقاط بسبب الاستعمال المتواصل وزيادة الضغط والأحمال، تسبب عدة مرات بتلف أجهزته، كان آخرها حرق شاشة جهازه النقال.
ويوضح شريم لـ "العربي الجديد" أنه بحث عن شاشة لجهازه في مختلف المحلات الخاصة ببيع الجوالات إلا أنه لم يجد بفعل الشح الكبير في قطع الغيار، إلى أن صادف شاشة من ذات الطراز، ولكن بجودة أقل، لكنه صدم بالسعر الذي وصل إلى 800 شيكل، على الرغم من أنه اشترى جهازه بالكامل قبل الحرب بسعر 200 شيكل. (الدولار = 3.7 شيكلات تقريباً).
يلفت شريم إلى أنّه كان يحرص على إصلاح هاتفه حتى يتمكن من التواصل مع ذويه والاطمئنان عليهم وطمأنتهم على أسرته، إلّا أنّ الارتفاع الجنوني في الأسعار دفعه إلى الاعتماد على هاتف زوجته، والذي أُصلح مدخل الشاحن الخاص به الشهر الماضي بعد عناء طويل بمبلغ 60 شيكلاً، فيما كان ثمنه 20 شيكلاً قبل الحرب.
شح قطع الغيار
دفع الشح الكبير في قطع الغيار الخاصة بالهواتف النقالة الفلسطينية شوق اليازجي إلى التوقف عن استخدام هاتفها الذي تعرض لحرق في اللوحة نتيجة عدم انتظام الكهرباء، فيما لم تتمكن من توفير هاتف نقال جديد، لعدم توافر الأجهزة الجديدة أو حتى المستخدمة، باستثناء بعض الأصناف المستخدمة والتي تباع بأسعار تصل إلى عشرة أضعاف سعرها الطبيعي.
وتلفت اليازجي لـ "العربي الجديد" إلى تزامن أزمة الهواتف النقالة والارتفاع الخيالي في أسعار قطع الغيار الشحيحة بفعل عدم السماح بدخولها من جانب الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من الحاجة الماسة إليها، مع مختلف الأزمات المعيشية والإنسانية التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ نحو عام، والنقص الحاد في المتطلبات الحياتية اليومية وفي مقدمتها الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية والأدوية والمستهلكات الطبية.
ولا تقتصر أزمة الهواتف النقالة على منع دخولها أو دخول قطع الغيار الخاصة بها فقط، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى مختلف المتعلقات الخاصة بها، مثل أجهزة "الباور بانك" المخصصة للشحن البديل، والشواحن والوصلات التي تضاعفت أسعارها إلى أكثر من عشرة أضعاف، بسبب كثرة الأعطال نتيجة عدم انتظام كهرباء الطاقة الشمسية ورداءة كفاءتها بسبب ضغط العمل الهائل في حين لا تتوفر البدائل، كذلك مختلف أصناف الإكسسوارات الخاصة بالأجهزة، كقطع الحماية والأغطية التجميلية، أو الشاشات اللاصقة، أو سماعات الأذن السلكية واللاسلكية، والتي ارتفعت أسعارها كذلك إلى نحو 15 ضعفاً.
خيمة لتصلح الجوالات
في الإطار يبين الفلسطيني محمد عزام الذي افتتح خيمة لتصليح الجولات غربي مدينة دير البلح بعد نزوحه مع عائلته من منطقة التوام شمالاً في ظل الطلب المتزايد على إصلاح الهواتف، والذي يتركز في ثلاث مشكلات أساسية، وهي حرق في اللوحة أو حرق وكسر في الشاشة، أو خراب في مدخل الشحن، وهي مشكلات يتسبب فيها الشحن الخاطئ جراء عدم انتظام الكهرباء.
ويشير عزام لـ"العربي الجديد" إلى أنه لم يعد قادراً على حل المشكلات الأساسية للأجهزة بفعل نفاد قطع الغيار وعدم توفر البدائل، في الوقت الذي يُباع فيه بعض القطع المتوفرة بأسعار خيالية تصل إلى أضعاف ثمن الجهاز بالكامل، ويقول: "طوال الوقت نردد عبارة لا يوجد، إلّا أنني وشقيقي سمير لا يمكننا إغلاق الخيمة التي نعتمد عليها بشكل أساسي في توفير قوت عائلتنا، وقد بتنا نعتمد على إصلاح الأعطال البسيطة، التي لا تتطلب قطع غيار غالباً".
ويشير إلى مجموعة أسباب تدفع الفلسطينيين نحو إصلاح أجهزتهم التالفة والمتعطلة في حال تمكنهم من ذلك، ومنها عدم توفر البدائل أو توفرها بأسعار مرتفعة للغاية، في الوقت الذي تعاني فيه مختلف الشرائح من أوضاع اقتصادية متردية نتيجة فقدان مصادر عملهم، أو توقف مخصصاتهم المالية، وعدم انتظام صرف الرواتب، أو صرفها مقابل نسب "تكييش" مرتفعة تصل إلى أكثر من 20%.
ويلفت عزام إلى أن فتح المعابر وإدخال قطع الغيار وتحديداً الشاشات بمختلف أنواعها وأحجامها يمكن أن يحلّ إشكالية الأجهزة المكدسة بشكل كبير داخل الكراتين في انتظار إصلاحها، كذلك إدخال أجهزة الهواتف النقالة الجديدة والحديثة، والتي من شأنها كذلك تخفيف الضغط، وتسهيل عملية بيع وشراء وتبديل الأجهزة.
وتتزامن الأزمة الحادة في الهواتف النقالة وملحقاتها وقطع الغيار الخاصة بها مع مجموعة أزمات أخرى في مختلف المجالات المعيشية والاقتصادية والتجارية والصحية والمجتمعية جراء تواصل العدوان الإسرائيلي لقرابة العام، في ظل الإغلاق المحكم للمعابر ومنع دخول البضائع، وفي مقدمتها المتطلبات الأساسية، الأمر الذي ضاعف معاناة الفلسطينيين جراء الارتفاع الجنوني في أسعار كل شيء.