استمع إلى الملخص
- أثرت الإجراءات المصرية على السوريين، خاصة المستثمرين، بسبب الشروط المالية الصارمة للحصول على الإقامة، مما يعقد وضعهم مع استثمارات تقدر بحوالي 23 مليار دولار.
- يظل السوريون مترددين في نقل استثماراتهم إلى سوريا بسبب عدم استقرار الأوضاع، بينما يرغب الشباب في العودة بعد التأكد من استقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
قرعت أجراس العودة إلى الشام، والسوريون عالقون بين رجاء السفر للوطن الذي يعيش أوضاعاً معيشية واقتصادية غير مستقرة رغم تحرير بلدهم، والخوف من مغادرة الأرض التي احتضتهم لسنوات ونجحوا في تأسيس مشروعات ناجحة فيها.
منذ اللحظات الِأولى لسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جهز آلاف السوريين المقيمين بمصر حقائبهم لشد الرحال لوطن أخرجوا منه قسريا على فترات بدأت عام 2011، مع تصاعد مجازر وحشية قتل فيها نحو 500 ألف إنسان وهروب أكثر من ستة ملايين إنسان خارج بلدهم، في حين بقي ستة ملايين مشردين بالداخل.
دفعت حملات العودة المصريين إلى مداعبة أشقائهم عبر حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحثهم على عدم مغادرة مصر، بينما سببت أفراح السوريين الجماعية بالشوارع هاجسا أمنيا دفع السلطات إلى القبض على ثلاثة شبان وترحيلهم قسريا.
بعد كبت فرحة السوريين، أصدرت السلطات تعليمات في 15 ديسمبر الماضي، عُلّقت بمكاتب حكومية ومركز شؤون اللاجئين، بوقف كافة المعاملات التي تجريها الأجهزة المعنية لتقنين أوضاع السوريين باعتبارهم لاجئين أو تجديد الإقامة لأي منهم.
حولت التعليمات 153 ألف سوري لديهم حق الإقامة بصفة لاجئين مسجلين بمركز المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة بالقاهرة، إلى أشخاص مسلوبي الحقوق عليهم العودة إلى وطنهم، بحجة زوال الخطر عليهم من النظام.
فزع أصحاب المشروعات
أفزعت رسالة شبان سوريين شدوا الرحال للسفر خارج مصر على وجه السرعة فأصبحت العودة محظورة عليهم، الكثير من السوريين الموجودين في مصر، فأجلوا قرار العودة، خاصة أصحاب المشروعات والمستثمرين، ودفعتهم إلى التريث لحين ضمان استقرار الأمن في الوطن.
تقدر الحكومة المصرية عدد السوريين بنحو خمسة ملايين لاجئ، وتفرض عليهم شروطا مالية باهظة للحصول على الإقامة، مقابل 1000 دولار للفرد، مع إلزامهم بعقد إيجار وعقد عمل موثق، ودفع كلفة تعليم الأبناء بالمدارس والجامعات بالدولار، عدا ما تستقبله الدولة من حالات إنسانية.
تبرر قيادة أمنية سابقة التعليمات الرسمية، في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن السلطات ما زالت تترقب ما يحدث في سورية من تطورات، مبينة أنه رغم احترامها حرية الشعب السوري في اختيار ما يمثله، فإنها لم تشرع بالاعتراف بسلطة تصنفها كثير من الدول بأنها تنظيم إرهابي، ولم يحدث إجماع على شرعيتها داخل الجامعة العربية والمؤسسات الدولية، وتضم تحالفات مع "جماعات إرهابية" مطاردة من جانب الدولة.
يؤكد اللواء السابق، الذي رفض ذكر اسمه، خشية تسهيل إجراءات دخول وخروج السوريين بأن تتسرب معها عناصر تهدد الأمن المصري. يشير القيادي الأمني السابق إلى أن تفجير مراكز الأحوال الشخصية والجوازات في سورية، خلال الفترة الماضية، عمق مخاوف السلطات، فأسرعت بمطالبة حاملي جوازي السفر السوري والمجنسين بأي جنسية أخرى، المتجهين للقاهرة بالحصول على موافقة مسبقة من السفارات المصرية بالخارج قبل دخول مصر، ومن يخرج من مصر إلى سورية لن يسمح له بالعودة لحين اتضاح الرؤية خلال الفترة المقبلة.
حصار السوريين رغم الاستثمارات الضخمة
يعبر سوريون التقت بهم "العربي الجديد" على مدار الأيام الماضية بمنطقتي المهندسين ومدينة الشيخ زايد، غرب القاهرة، عن غضبهم من وقوعهم تحت حصار السلطات التي تعرض المقيمين بطرق شرعية لعدم قدرتهم على تجديد الإقامة، خاصة الأسر التي لديها أبناء بالمدارس والجامعات، ويحتاجون إلى إنهاء إجراءات التجديد أو السفر المؤقت لأماكن دراستهم بالخارج والعودة بمجرد انتهاء العام الدراسي، مشيرين إلى أن بعض الأبناء حاولوا العودة لمصر من ألمانيا وإنكلترا، وهم يحملون بطاقة إقامة بصفة لاجئين بمصر، بمناسبة إجازات نصف العام الدراسي بالخارج، وفشلوا ليظلوا عالقين في الخارج.
تشهر السلطات الأمنية قرارات إقامة اللاجئين الجديدة في وجه السوريين الراغبين في التعبير عن فرحتهم بسقوط الأسد، والغاضبين من الإجراءات التي تراها منظمات حقوقية متعسفة ضد حرية السوريين في التعبير عن آرائهم والراغبين في الانتقال بحرية بين مصر وسورية أو غيرهما، وفرض قيود على استمرار بقائهم، رغم ما يملكونه من استثمارات تقدرها تجمعات رجال الأعمال المصرية السورية بنحو 23 مليار دولار.
تتركز استثمارات السوريين في منشآت الغزل والنسيج والملابس والصالونات والتجميل والمطاعم والأنشطة التجارية والعقارية والأغذية والصناعات التحويلة متوسطة وصغيرة الحجم.
يؤكد مازن حسن، وهو مدير شركة سورية بالقاهرة، لـ"العربي الجديد"، أن رغبة السوريين في السفر ستظل قاصرة على حركة الأفراد، دون المخاطرة بخروج استثماراتهم من مصر على المدى القريب والمتوسط، لحين التأكد من استقرار الأوضاع الأمنية، وعدم ارتداد الثورة أو القفز عليها من قبل فلول النظام السابق، أسوة بما شهدته ثورات الربيع العربي الأخرى.
رجال أعمال محسوبون على الأسد
وبين حسن أن أغلب الاستثمارات الكبيرة والمتوسطة التي انتقلت أموالها وصناعاتها من سورية إلى مصر خلال العقد الماضي يشارك فيها رجال أعمال محسوبون على نظام الأسد، وكانت تدار أموالهم عبر السفارة السورية بالقاهرة، بما يجعل من المستحيل عليهم مغادرة مصر والمخاطرة بخروج أموالهم إلى مكان آخر لسنوات قادمة.
يوضح حسن وجود رغبة كبيرة لدى الأسر بأن يبدأ الشباب من العاملين في المهن الحرة، وخاصة المطاعم والصالونات والأطباء، بالعودة إلى سورية بعد انتهاء كابوس الملاحقة الأمنية والتأكد من استقرار الأوضاع الاقتصادية.