بدلت حرب نظام بشار الأسد على ثورة وحلم السوريين من شكل وبنية الدولة على الصعد كافة، وإن كان الأثر الأبلغ أو الأكثر ظهوراً على الاقتصاد، بعد أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي وفق الإحصاءات السورية الرسمية، من نحو 60 مليار دولار إلى أقل من 11 ملياراً، وتراجع سعر صرف العملة السورية من 50 ليرة مقابل الدولار عام 2011 إلى أكثر من 4500 ليرة اليوم.
وبهذا تزيد نسبة الفقر، وفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، عن 90%، وترتفع نسبة البطالة إلى 83%، ونحو 12.4 مليون شخص في سورية لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
ويقول الباحث السوري سمير سعيفان إنه لا توجد إحصاءات رسمية موثقة عن خسائر الحرب السورية، وإن كانت تقديرات فريق "منسقو استجابة سورية" التي قدرت خسائر الحرب بنحو 650 مليار دولار، هي الأحدث وربما الأقرب للدقة على اعتبار أنها انطلقت من داخل البلاد.
ويشير سعيفان، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن تحويل سورية إلى معسكر خلال الحرب الدائرة منذ عام 2011 حول قوة العمل إلى مستهلك، كاشفاً عن أن عدد أفراد الجيش كان بنحو 400 ألف يضاف لهم نحو 100 ألف عنصر أمن بمختلف الفروع، ومن ثم دخل نحو 150 ألف مقاتل كثوار، ونحو 100 ألف مليشيات، وهذا الأمر استنزف الموازنة العامة وحول التمويل من القطاعات الإنتاجية إلى العسكرة، علما أنه "لا يوجد أرقام رسمية عن حصة الجيش بالموازنة ولا عن حجم الإنفاق العسكري، ولكنه، منذ عام 2011، يكاد يوازي جميع الإنفاق ببقية القطاعات، إن أخذنا بالاعتبار ثمن الأسلحة والأجور والعلاج، ولحظنا التهديم والخسائر البشرية".
ويضيف سعيفان أن تحويل البلاد لساحة حرب دولية إثر مواجهة حلم السوريين بالعدالة بتوزيع الثروة والحرية، زاد في الخسائر الاقتصادية نتيجة هروب الرساميل والاستثمارات، وتعدد الجهات المسيطرة على الأرض، كما "قوات سورية الديمقراطية" على النفط والغاز.
وكانت حكومة بشار الأسد قد قدرت أخيراً خسائر قطاعي النفط والغاز بنحو 107.1 مليارات دولار "خسائر مباشرة وفوات القيم"، مطالبة خلال رسالة أرسلتها لمجلس الأمن الدولي بتعويض من التحالف الدولي، وتمويل مشاريع التعافي المبكر وعملية إعادة الإعمار.
ويقول رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة قاضي، إن أولى الخسائر هي العنصر البشري والكفاءات السورية، بعد قتل وإعاقة أكثر من مليون سوري وتهجير نصف السكان، الأمر الذي سيزيد من صعوبة إعادة البناء والإعمار مستقبلاً، وهذا الجانب قلما يتم التركيز عليه بواقع الغرق بالخسائر المالية فقط، فـ"البطالة التي لم تزد عن 14.9% عام 2011 وصلت اليوم إلى 83%".
ويضيف قاضي، لـ"العربي الجديد"، أن خسائر الحرب طاولت القطاعات السبعة الرئيسية، بما يزيد 10 أضعاف الناتج المحلي، "ما يعني أننا أمام أكبر خسائر حرب، ربما قبل الحربين العالميتين".
وأوضح أن أكثر من 40% من قطاع البنى التحتية قد تهدمت، ووصلت خسائر قطاع النفط إلى نحو 1.7 مليار دولار، بعد تحويل النفط من أهم موارد القطع الأجنبي، وتصدير نحو 200 ألف برميل يوميا من إنتاج وصل إلى 380 ألف برميل، إلى أهم مستنزف للقطاع اليوم، بعد تراجع الإنتاج لنحو 30 ألف برميل، وزادت خسائر قطاع الكهرباء عن 6121 مليار ليرة، فيما كانت الشبكة الكهربائية تغطي 99% من مساحة سورية قبل الحرب على الثورة.
وتبلغ الخسائر المباشرة للكهرباء، بحسب وزارة الكهرباء في حكومة الأسد، نحو 2040 مليار ليرة، فيما تناهز الخسائر غير المباشرة 4081 مليار ليرة.
ولم يسلم القطاع الزراعي من الخسائر البالغة، فتحولت سورية من مصدر للقمح والقطن والزيتون والحمضيات، إلى مستورد يبحث عن قوت السوريين.
وبواقع صفرية عائد السياحة وخسائر الميزان التجاري، تم استنزاف الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي المقدر بنحو 18 مليار دولار عام 2011، الأمر الذي سرّع بتهاوي سعر الصرف، والذي يراه قاضي ممسوكاً بالقبضة الأمنية وإلا لفقدت الليرة صلاحية التداول.
وفيما لم تزد تقديرات خسائر المختصين والمراكز السورية عن 530 مليار دولار، أشار تقرير مشترك لمنظمتي "الرؤية العالمية - وورلد فيجن" وشركة "فرونتير إكونوميكس" لتطوير النتائج الاقتصادية الكلفة الاقتصادية للحرب السورية، بنحو 1.2 تريليون دولار.
ويشير التقرير المعنون بـ"ثمن باهظ جداً: كلفة الصراع على أطفال سورية"، إلى أن النتائج تشير إلى أن جيلاً كاملاً قد ضاع في هذا الصراع، والأطفال سيتحمّلون الكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة، مما سيمنع الكثيرين من المساعدة في تعافي البلاد والنمو الاقتصادي بمجرد انتهاء الحرب.
وأشار في الوقت نفسه إلى أنه حتى لو انتهت الحرب اليوم، فستستمر كلفتها في التراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافي بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035.
ولم تسلم المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد "شمال غرب سورية" من الدمار والخسائر، بعد القصف لمدة عشر سنوات، ما أوصل نسبة التضخم السنوي إلى نحو 51% بحسب تصريح وزير الاقتصاد بالحكومة المعارضة، عبد الحكيم المصري، والذي قدر خلال اتصال مع العربي الجديد نسبة الفقر، بأكثر من 80% بعد ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة، بحسب دراسة للوزارة، إلى 4 آلاف ليرة تركية، في حين لا يزيد الدخل الشهري عن 1500 ليرة.