دوامة الصراعات تغرق اقتصاد العراق: انهيار البنى التحتية وارتفاع الفقر إلى 30%

04 أكتوبر 2022
الصراعات ساهمت في تدمير معيشة ملايين العراقيين وتشريدهم (Getty)
+ الخط -

انتهت الحرب على تنظيم "داعش" في العراق، لكن حروباً أخرى بين شركاء الأمس وفرقاء اليوم اندلعت، وسط فوضى السلاح واضطرابات وتوترات سياسية متواصلة، كما جرى قبل أيام، أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بل والتلويح بوقف صرف الرواتب.
وبدلا من أن تواجه الحكومات المتعاقبة آثار دمار الحرب على داعش، جاءت الصراعات العسكرية والسياسية ولا سيما خلال الفترة الأخيرة، لتزيد من عمليات التخريب لمختلف القطاعات.
ويأتي ذلك استكمالاً للأزمات المتواصلة في بلاد الرافدين، حيث لم يشهد العراق استقراراً منذ تسعينيات القرن الماضي بفعل الحصار الاقتصادي الذي فُرض عليه عقب غزو الكويت.
كما ساهم التأزم الطائفي بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 في مزيدٍ من المحن الاقتصادية جرّاء ظهور الجماعات والمليشيات المتطرفة، حتى وصل الحال إلى انهيار شبه كامل للبنى التحتية وبلوغ نسبة الفقر في البلاد حوالي 30 بالمائة من إجمالي عدد العراقيين الذي يقدر بـ 40 مليون نسمة.

وهو ما يؤدي كنتيجة طبيعية إلى تصاعد حالات الاحتقان لدى العراقيين من الأحزاب الحاكمة، المتهمة بالفساد واختلاس الأموال ومنع الاستثمار، والاعتماد على توفير الغذاء المستورد وتحديداً من إيران، حسب مراقبين.

وشهدت الفترات الأخيرة صراعات سياسية ومعارك مسلحة سقط على أثرها عشرات القتلى والمصابين، وباتت محاولات التهدئة مهدّدة بالفشل.

إنفاق ضخم على التسليح
لفت عضو تيار "الحكمة" محمد اللكاش، إلى أن "الأوضاع الأمنية المتردية فضلاً عن الفساد الكبير لدى الأحزاب في العراق، أدت إلى استنزاف ثروات العراق في سبيل تسليح قوات الأمن والجيش والشرطة والحشد الشعبي، ولو أن العراقيين انتخبوا حكومة تمثلهم وليست حكومات تتخادم مع الخارج على حساب أبناء الشعب، لكان الوضع مختلفا، دون أن نشاهد عراقيين يأكلون من القمامة ولا يملكون أدنى درجات الخدمات".
وأوضح اللكاش لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومات العراقية منذ عام 2003 ولغاية الآن تنفق مبالغ انفجارية على قوات الأمن، فيما تهمل مساحات وقطاعات مهمة، منها الصناعة والزراعة والتنمية والخدمات، ورغم أهمية تسليح وتقوية قوات الأمن إلا أن هذا الإنفاق يشهد حالات فساد إداري ومالي".

استنزاف موارد الدولة
فيما يوضح عضو حزب "البيت الوطني" محسن الشمري، أن "العراقيين ليسوا مرتاحين للحياة في العراق، وهناك شعورا كبيرا باليأس، خصوصاً مع تغول المليشيات واستنزافها لموارد الدولة بعدما باتت تمتلك قواعد سياسية، وفي بعض المدن المحررة باتت هذه المليشيات تسيطر بالكامل على القطاعات الاقتصادية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب هي التي تصنع الأزمات والحروب والاقتتال لأنها تعتاش عليها، وفي كل مرة يحدث اشتباك فإن العراقيين يزدادون مجاعة وحرمانا".
أما الخبيرة في شؤون الاقتصاد والأعمال ببغداد سلام سميسم، فقد بيَّنت لـ"العربي الجديد"، أن "سوء الإدارة في العراق وإهمال مطالب الناس، أديا إلى ضياع عشرات مليارات الدولارات، ولا تزال عملية الضياع مستمرة، طالما أن الجهات الرقابية بيد الأحزاب نفسها، وأن العراق خسر أموالا كبيرة، كانت مخصصة للمشاريع الخدمية وأخرى متعلقة بالطاقة، وبناء المدارس والمستشفيات وتأهيل البنى التحتية، لكنها ذهبت إلى جيوب الفاسدين".

وخلال السنوات الماضية، كانت نسبة الفقر في العراق لا تتعدى 19 بالمائة من إجمالي السكان، لكنها قفزت العام الماضي إلى أكثر من 30 بالمائة، حسب بيانات رسمية، فيما لا تتوفر أي بنى تحتية في البلاد، مع تراجع بالثروات الطبيعية ومنها المياه في نهري دجلة والفرات، مع انهيار لقطاعي الصناعة والزراعة، ووجود نحو 4 ملايين شخص عاطل عن العمل.

شظايا الصراعات على الاقتصاد
قال العضو المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، إن "الحروب والصراعات التي شهدها العراق أدت إلى تضرر الاقتصاد المحلي بشكلٍ كبير، ولعل أكثر ما أدى إلى انهيار الاقتصاد، هو حكومات ما بعد 2003 التي حوّلت العراق من أغنى الدول العربية إلى دولة تعتمد على الديون في بعض الظروف، وتطلب المساعدات في أوقات الحروب، وهذا ما شهدناه في الحرب ضد تنظيم "داعش" وصولاً إلى أزمة كورونا".
وأوضح خشان لـ"العربي الجديد"، أن "الصراعات والحروب الطائفية والإهمال السياسي للملف الأمني في محطات مهمة من تاريخ العراق، تسببت بخسارة العراق لمليارات الدولارات، إضافة إلى هجرة مئات الآلاف من العقول العراقية إلى الخارج بحثاً عن مناطق آمنة".
وأضاف أنه "بسبب الاضطرابات السياسية والعسكرية ولا سيما الأخيرة، يواصل العراقيون العيش حالياً في ظروف متردية"، مشيرا إلى أن ارتفاع معدلات الفقر وتراجع الخدمات وانهيار منظومات الطاقة والبنى التحتية وصل إلى مرحلة قد تؤدي إلى الانفجار الشعبي في أي لحظة، لأن الأحزاب انشغلت بترتيب أوضاعها المالية وإرضاء دول الخارج ورغباتها وتركت العراقيين يواجهون مصائب صعبة".

قال العضو المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، إن "الحروب والصراعات التي شهدها العراق أدت إلى تضرر الاقتصاد المحلي بشكلٍ كبير


واعتبر أن "كل محافظات العراق تشهد تراجعاً كبيراً بالقطاعات الاقتصادية، حيث إن الموصل تعد من المحافظات الفقيرة، إضافة إلى محافظتي ميسان والمثنى وأجزاء كبيرة من محافظتي بابل والبصرة، إضافة إلى ديالى".

وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت في وقت سابق أن كلفة الدمار الذي خلفه احتلال تنظيم "داعش" لأجزاء واسعة من العراق، بلغت أكثر من 88 مليار دولار.

ودمرت الحرب مدينة الموصل لوحدها، بنحو 80 بالمائة منها، إذ إن المعارك تسببت بمقتل وإصابة وتغييب ما لا يقل عن 40 ألف مواطن من أهالي المدينة.

وهو ما يعني دمارا شبه كامل للبنى التحتية والمصانع والمعامل الأهلية والحكومية. وبالرغم من أن مدن جنوب العراق لم تشهد أي معارك خلال السنوات الماضية، لكنها تبدو منكوبة هي الأخرى بفعل سيطرة الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة، التي تعرقل بشكل واضح عمليات الاستثمار وتتورط مع الشركات المحلية في الحصول على أغلب المشاريع التي لا تنجز بالشكل الصحيح غالبا، حسب مراقبين.

المساهمون