عادت الأضواء لتلاحق الملياردير الهندي غوتام أداني، ولكن ليس هذه المرة من باب ثروته المتعاظمة أو اختطافه على أيدي إرهابيين كما حدث قبل سنوات، وإنما لكونه أحد أباطرة إنتاج الفحم في العالم، الذي يتسع الاعتماد عليه في الكثير من الدول لتوفير إمدادات الطاقة التي تشهد تكاليف أعلى مع قفزات أسعار الغاز والنفط، بينما كان نشاط "أداني" الحيوي محل انتقادات واسعة قبل سنوات، بفعل دعوات تقليص الوقود الأحفوري الملوث للبيئة.
ويستعد مشروع منجم الفحم الأسترالي المملوك للملياردير الهندي، لبدء التصدير بعد أكثر من عقد من النزاع الطويل بشأن تطويره، إذ كان "أداني" في مرمى المعارضين للوقود الأحفوري، بعد أن بدأ اقتراح تنفيذ المشروع في 2010، لكنه تعثر بسبب التحديات القانونية وانتكاسات التمويل والحملة المضادة من نشطاء المناخ.
ويبدأ المشروع الذي يعرف باسم منجم "كارمايكل" في تصدير أولى شحناته بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ويهدف إلى إنتاج 10 ملايين طن من الفحم الحراري سنوياً لمدة 30 عاماً على الأقل.
وامتدت معارضة منجم "كارمايكل" الذي يقع داخل الحاجز المرجاني العظيم الشهير في ولاية كوينزلاند بأستراليا إلى نشطاء البيئة وبنوك وشركات التأمين والمستثمرين في وول ستريت، ما يعكس نموذجاً على نطاق صغير للحملة الدولية المتصاعدة ضد الوقود الأحفوري الأكثر تلويثاً في العقد الماضي. لكن يبدو أن الأمور تتبدل حالياً.
ويعكس بدء تصدير إنتاج المنجم دور الفحم المحوري ضمن مزيج مصادر الطاقة في العالم، الأمر الذي دفع الصين والهند، أكبر المستهلكين، إبطاء جهود تحديد موعد نهائي للتخلص التدريجي من الوقود عالمياً بمحادثات قمة المناخ (COP26)، التي عقدت في مدينة غلاسكو الإسكتلندية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إذ يتزايد الطلب على الطاقة في الآونة الأخيرة في أجزاء من آسيا وأيضا في أوروبا إذ يتزايد الاعتماد عليها في إنتاج الكهرباء خلال الشتاء الحالي.
وتُستخدم صادرات "كارمايكل" لتوليد الكهرباء في الهند ودول جنوب شرق آسيا وفقاً لـ"برافوس ماينينغ أند ريسورسيز" المملوكة للملياردير أداني في أستراليا.
ويتوقع المحللون استخدام محطات توليد الطاقة الخاصة بالمجموعة لجزء من الإنتاج رغم رفض الشركة تحديد تفاصيل عملائها.
وقالت "برافوس" في بيان حديث: "قمنا بتأمين طلب 10 ملايين طن سنوياً من الفحم"، مشيرة إلى أن خططها التصديرية تسير في الطريق الصحيح.
ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن سامانثا هيبورن، أستاذة القانون في "جامعة ديكين" في ملبورن، التي تركز على قضايا التعدين والطاقة: "يبدو أن كارمايكل قد حفز جدلاً واسعاً حول مستقبل الفحم الحراري، لا يقتصر على النشطاء فقط، بل يمتد إلى مجالس الإدارة والمستثمرين الراغبين في خفض تعرضهم للاستثمارات السامة بكل أنحاء العالم".
ويأتي توسع الملياردير الهندي في إنتاج الفحم مغايراً لتصريحاته التي أدلى بها في منتدى بلومبيرغ الاقتصادي في الهند الشهر الماضي وقال فيها "نبذل قصارى جهدنا لجعل مصادر الطاقة المتجددة بديلاً قابلاً للتطبيق بأسعار مناسبة مقارنة بالوقود الأحفوري".
وأعلن أداني ثاني أغنى رجل في آسيا دعمه لهدف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتخلص ثالث أكبر دولة تلويثاً في العالم من الانبعاثات بحلول 2070، متعهدا باستثمار 70 مليار دولار لبناء شركة رائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة.
وخرجت تبريرات براغماتية لإنتاج الفحم من المنجم الأسترالي، ولكن ليس على لسان الملياردير الهندي صاحب المصلحة الأولى في أن يصل إنتاجه إلى مناطق مختلفة من العالم وإنما اعتبرت الحكومة الأسترالية أن المناجم المحلية مثل "كارمايكل" قد تخفض الانبعاثات العالمية لأن الفحم المنتج منها أعلى جودة ويمكن أن يكون بديلاً للوقود الأكثر تلويثاً.
وقد حصلت شركة "أداني" على أكثر من 100 موافقة لتأمين تطوير المنجم. وفي الوقت الذي يستعدّ فيه أداني لتصدير أولى الشحنات، وتواجه الشركة محاولات تعطيل جديدة، قام المتظاهرون في الأيام الأخيرة بالتصعيد ومحاولة وقف عربات محملة بالفحم ووضع أنفسهم على خط سكة حديد يربط "كارمايكل" بمحطة تصدير.
وقالت وحدة "أبوت بوينت للعمليات" في "أداني" في بيان أخير، إن السلطات أخفقت في إيجاد رادع كاف لمنع الاحتجاجات غير الآمنة التي تعرّض حياة الناس للخطر.
وتعد حياة الملياردير الهندي التي يصل صافي ثروته إلى 50 مليار دولار، مليئة بالأحداث الدرامية، ففي عام 1998 تعرض لعملية اختطاف، إثر هجوم إرهابي على فندق تاج محل في مومباي أثناء وجوده في الفندق.
ووفق سونيل تشانديراماني، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة نيكا للخدمات الاستشارية، فإن "أداني" يعمل على توسيع نشاطاته لتتكيف مع الأسواق. وولد "أداني" في يونيو/ حزيران 1962 في مدينة أحمد آباد بمقاطعة جوجارات الهندية في أسرة تعمل في صناعة النسيج.
والتحق أداني بجامعة جوجارات لدراسة التجارة، ولكنه ترك الجامعة في السنة الثانية لاهتمامه بالعمل، وانتقل إلى مومباي في سن 18 وبدأ العمل في فرز الألماس بشركة ماهيندرا براذرز، ليعمل بعدها وسيطاً لبيع الألماس لحسابه الخاص وتحقيق عوائد جيدة، ليعمل بعدها في تجارة المواد الخام الرئيسة لتصنيع البلاستيك وتعددت أنشطته في مجال تشغيل الموانئ وإنتاج الطاقة.