يشتكي التاجر الفلسطيني محمود اليازجي من مواصلة منع الاحتلال الإسرائيلي تصدير النحاس الأصفر (الخردة) من قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم منذ بداية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2006، ما ألحق بتجارته خسائر فادحة.
وطاولت الخسائر كل منظومة العمل في مهنة جمع وتصدير النحاس الأصفر، والتي يعمل بها ما يزيد عن ألف شخص، ما بين تُجار، وجامعيين للنحاس من الطرقات، فيما يُهدد تواصل منع التصدير بانهيار تلك المهنة بشكل كامل.
وتقدر كميات النحاس الأصفر المُكدسة داخل المخازن وورش تجميع النحاس، بآلاف الأطنان، بقيمة تتجاوز 20 مليون شيكل. ويقول أصحابها إنها أموال مجمدة داخل المخازن، لا يمكنهم تصريفها أو الاستفادة منها، إذ لا تتجاوز حاجة (المساكِب) في السوق المحلي، والتي تعيد تصنيع النحاس الأصفر داخل قطاع غزة، نسبة 5% من الكميات الموجودة، والتي تنتظر السماح لها بالتصدير.
ويتم جمع كميات النحاس الأصفر بذات الآلية التي يتم فيها جمع مختلف المعادن، من حديد أو نحاس أحمر أو ألمونيوم، حيث يطوف الجامعيون بعرباتهم بين المنازل مُنادين عبر مكبرات الصوت لشرائها من الناس وجمعها وبيعها للتجار، والذين يقومون بدورهم بتخزينها وتجهيزها وفق الآلية التي يتم الموافقة عليها تجهيزًا للتصدير.
ويوضح اليازجي، والذي يمتهن برفقة عائلته مهنة شراء وتصدير المعادن، أن كل المعادن التي يتم تصديرها، تكون عن طريق مكتب التنسيق الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ يتم إرسال أصناف وتفاصيل البضائع المراد تصديرها ومن ثم يتم الرد بقبول التصدير من الجانب الإسرائيلي أو رفضه دون الإفصاح عن أي معلومات حول آلية قبول أو رفض تصدير أي سلعة أو معدن من المعادن.
ويؤكد التاجر الفلسطيني لـ"العربي الجديد" أنه لم يتم تصدير النحاس الأصفر منذ ما يزيد عن 15 عاما، رغم التوجه لمكتب الارتباط عدة مرات، إلى أن تم الحصول على موافقة مشروطة بأن يتم وضع النحاس في كراتين بارتفاع 10 سنتيمترات فقط، وأن يتم تمريرها عبر جنزير الفحص، أما بعد فتح معبر كرم أبو سالم، فقد تم إلغاء جنزير التمرير، ووضع جهاز ليزر بالأشعة تحت الحمراء، ما دفع الاحتلال إلى رفض مرور النحاس الأصفر، بحجة أن "الأشعة لا تخترقه بسبب سمك الكتل المعدنية".
ويبين أن التبرير غير منطقي، إذ تم تقديم طلبات أكثر من مرة، وفق آليات مختلفة، تم خلالها إرسال عينات عديدة.
ويشير اليازجي إلى أن مواصلة الجانب الإسرائيلي منع تصدير ذلك المعدن، يفقده قيمته إلى جانب أنه يُضعِف رأس المال، والذي يتم تجميده في بضائع مخزنة بكميات كبيرة.
أما تاجر (الخردة) خالد عياد، فيوضح لـ"العربي الجديد" أنه يتم تصدير كل أصناف الخردة ومنها الألمونيوم والنحاس الأحمر بشكل طبيعي عن طريق معبر كرم أبو سالم، إلا أن الاحتلال يمنع تصدير النحاس الأصفر، "بحسب مكتب التنسيق"، ما ألحق بهم خسائر، إذ يتم جمع الكيلو في الفترة الحالية بنحو 14 شيكلا. (الدولار يساوي 3.40 شواكل تقريبًا).
ويتوافق جميع تجار (الخردة)، على أن منع تصدير النحاس الأصفر، دفع إلى تكدس كميات كبيرة منه، وبأسعار مرتفعة، حيث يتراوح سعر تصدير الكيلو في الوضع الطبيعي بين 17 و18 شيكلا، فيما اضطر التجار إلى تخفيض نسبة شراء المعدن خلال الفترة الحالية.
وينبه عياد إلى مفارقة يصنعها الاحتلال، الذي يسمح بدخول البضائع الجديدة المصنوعة من النحاس الأصفر، فيما يمنع تصديره، ويقول "سياسة الكيل بمكيالين، من خلال الاستيراد والتصدير، ألحقت بنا خسائر كبيرة قد تدفع إلى وقف جمع النحاس الأصفر بشكل تام".
تاجر (الخردة) خالد عياد، يوضح لـ"العربي الجديد" أنه يتم تصدير كل أصناف الخردة ومنها الألمونيوم والنحاس الأحمر بشكل طبيعي عن طريق معبر كرم أبو سالم، إلا أن الاحتلال يمنع تصدير النحاس الأصفر
ويُجبر تجار (الخردة) على مواصلة شراء كميات النحاس الأصفر، لأن من يجمع المعادن لا يقبل ببيع معدن الألمونيوم أو النحاس الأحمر كل على حدة، ما يضطرهم لشراء النحاس الأصفر وتكديسه داخل المخازن على أمل السماح بتمريره وتصديره في يوم من الأيام.
من جانبه، يوضح المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، أن الاحتلال ومنذ بداية الحصار يعطل كل ما له علاقة بالخردة من ألمونيوم أو نحاس بكل تصنيفاته، إلا أنه منذ عام فقط سمح بتصدير الحديد والألمونيوم والنحاس الأحمر، باتجاه المصانع الإسرائيلية، وفق معايير محددة، فيما لا يزال يمنع تصدير النحاس الأصفر.
ويشدد أبو جياب في حديث مع "العربي الجديد" على أن منع تصدير النحاس الأصفر والمكدس في المخازن بقيمة 20 مليون شيكل، يعتبر بمثابة الأموال المهدورة لأصحابها، فيما يُحرم منها الاقتصاد المحلي كسيولة نقدية داخلية، إلى جانب أنه يؤثر على كل دائرة العمل في قطاع (الخردة) بدءا من التجار والعمال داخل المخازن، كذلك على جامعي النحاس، ما يؤدي إلى حرمان غزة من السيولة النقدية.
ويبين أن منع تصدير النحاس الأصفر يأتي في ظل أسباب وتفاصيل غير معلومة، على الرغم من أن المعبر الإسرائيلي يحتوي على ماكينات فرم للتأكد من عدم احتواء هذه المكونات على أي محاذير أمنية إسرائيلية، كالذخائر أو المواد المتفجرة.
ويطالب أبو جياب بالضغط بشكل سريع من قبل إدارة تنسيق البضائع في السلطة الفلسطينية ومن الوسطاء على "إسرائيل" من أجل الخروج السريع لهذه السلعة، بما يُحسن من الواقع الاقتصادي، ويزيد من القدرة على عمليات التشغيل وتحسين التدفقات النقدية في غزة.