عن مخاطر زيادة سعر الخبز في مصر

03 يونيو 2024
عامل توصيل ينقل الخبز وسط القاهرة، 17 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن عن زيادة سعر رغيف الخبز المدعم بـ300%، وهي خطوة تأتي في سياق تخفيض الدعم الحكومي للخبز وتقليص وزن الرغيف، مما يعكس تراجعًا في قيمة الدعم الحكومي بنسبة 28%.
- الزيادة في سعر الخبز تأتي استجابةً لإملاءات صندوق النقد الدولي وسط تحديات اقتصادية متزايدة تواجهها مصر، بما في ذلك ارتفاع التضخم والبطالة، مما يثقل كاهل الأسر المعتمدة على الخبز كمصدر أساسي للغذاء.
- يُقترح تبني حلول بديلة لتخفيف العبء عن المواطنين، مثل زيادة نسبة استخراج الدقيق وتوسيع زراعة الأرز، بالإضافة إلى تحسين الدعم الغذائي والنقدي، لتجنب تداعيات اجتماعية وأمنية سلبية.

أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي منتصف الأسبوع الماضي أن الحكومة قررت رفع سعر رغيف الخبز البلدي المدعم من خمسة قروش إلى 20 قرشاً، بنسبة زيادة 300%، هي الأعلى والأولى التي يتم إضافتها لسعر رغيف عيش الغلابة منذ 37 سنة. لكن الحكومة سبق أن خفضت وزن رغيف الخبز المدعم من 12 غراماً إلى 90 غراماً للرغيف، وهو تخفيض في دعم الخبز وزيادة غير مباشرة في سعر العيش. بمعنى أن المواطن كان يدفع 25 قرشاً للحصول على حصته التي تبلغ خمسة أرغفة وتزن 625 غراماً، ولكن بعد تخفيض الوزن، أصبح المواطن يدفع نفس السعر ليحصل على نفس عدد الأرغفة ولكن بوزن أقل، وهو 450 غراماً.

وبذلك خفضت الحكومة دعم الخبز بنسبة 28% بطريقة ملتوية خوفاً من الاضطرابات الشعبية. القرار لم ينبع عن قناعة الحكومة، ولم ينتج عن تحسن في أدائها الاقتصادي أدى إلى تراجع معدلات البطالة والغلاء وتحسن في دخول الأسر، بل صدر تنفيذاً لإملاءات صندوق النقد الدولي، بالتزامن مع وجود بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، تمهيداً للإفراج عن شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار، وتفاوض الحكومة للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من القرض الذي تم الاتفاق في شهر مارس/آذار الماضي على منحه بقيمة ثمانية مليارات دولار.

قيمة الدعم تتراجع

يدعي النظام أن قيمة الدعم زادت إلى 125 مليار جنيه، مقابل 21 ملياراً في سنة 2013. وفي تقديري أن قيمة الدعم بالدولار انخفضت، وأن زيادة قيمة دعم الخبز في الموازنة نظرية ناتجة عن تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، ذلك أن الحكومة في 2013 كانت توفر الخبز لنحو 77 مليون مواطن، بتكلفة 21 مليار جنيه، تعادل 3.2 مليارات دولار، وكان وزن الرغيف 125 غراماً.

لكن في الوقت الراهن خفضت الحكومة عدد المستفيدين من الخبز إلى 70 مليون مواطن، بنسبة 10%، ورغم التخفيضات في الوزن وعدد المستفيدين، زادت تكلفة دعم العيش إلى 125 مليار جنيه. ولكن قيمة هذا المبلغ تعادل 2.6 مليار دولار. وباحتساب التخفيضات السابقة، انخفضت قيمة دعم الخبز بنسبة 47% عمّا كانت عليه في سنة 2013.

موقف
التحديثات الحية

توقيت قرار زيادة سعر الخبز غير مناسب في ظل ارتفاع أسعار الغذاء في مصر بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا. ويجب ألا يغفل النظام أن المواطن قد ينفجر، حيث تواجه الأسرة أزمة اقتصادية ربما هي الأسوأ في تاريخها الحديث. وقد سجلت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 40.3% في نهاية العام الماضي. وأعلن البنك الدولي أن مصر تتصدر قائمة الدول الأكثر ارتفاعاً في معدل أسعار الغذاء على مستوى العالم.

والمواطن المصري يعتمد على الخبز البلدي المدعم في تلبية حاجاته الغذائية الأساسية من السعرات الحرارية والبروتين. وليس من المبالغة الإقرار بأن الخبز هو السلعة الاستراتيجية الأهم من الناحية الغذائية، والأخطر من الناحية الاجتماعية والسياسية والأمنية في كل دول العالم، وكان سبباً رئيساً في إشعال الثورات الاجتماعية قديماً، وشرارة ثورات الربيع العربي ومطلبها الأول.

الاستقرار السياسي

في سنة 2005، أجرى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري دراسة بعنوان، الأبعاد الاقتصادية والتوزيعية للتحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي للخبز البلدي. وأكدت الدراسة أن توفير الخبز البلدي المدعم بأسعار منخفضة للفقراء، يساهم في تحسين مستوى التغذية للأسر الفقيرة وأطفالهم. اللافت أنه رغم توصية الدراسة بتحويل دعم الخبز عينيّاً إلى الدعم النقدي، حذرت من تفعيل توصيتها، وقالت إن الدعم النقدي سيضاعف سعر رغيف الخبز أربعة أضعاف، وسيصل السعر إلى 20 قرشاً، ما يجعل القرار محفوفاً بتداعيات اجتماعية وأمنية خطيرة ينبغي تقديرها بدقة تحاشياً لقلاقل قد تؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد. وتراجع نظام مبارك عن العبث بملف الخبز رغم قبضته الأمنية.

دعم الخبز أمن قومي يجب عدم التفريط فيه. وقد كشف البنك الدولي بعد أزمة الغذاء العالمية في 2008، عن أن منظومة دعم الخبز والسلع التموينية في مصر، مكنت 9% من المصريين من الصمود فوق خط الفقر، وبدون ذلك الدعم، خاصة الخبز البلدي، كانت نسبة الفقر في مصر سترتفع إلى 30%، مقابل 20% قبل الأزمة. والغلابة في مصر اليوم، أو بقايا الطبقة المتوسطة، أحوج إلى رغيف الخبز المدعم وبسعر منخفض من أي وقت مضى، وقد أعلن البنك الدولي في مايو/أيار 2019 تنامي عدم المساواة في مصر.

الغلابة في مصر اليوم، أو بقايا الطبقة المتوسطة، أحوج إلى رغيف الخبز المدعم وبسعر منخفض من أي وقت مضى، وقد أعلن البنك الدولي في مايو 2019 تنامي عدم المساواة في مصر

وكشف أن 60% من المصريين أصبحوا إما فقراء وإما عرضة للفق بسبب سياسات الإصلاح الاقتصادي التي ينفذها النظام إذعاناً لإملاءات صندوق النقد، ولكنها قضت على الطبقة المتوسطة وأسقطتها في دائرة الفقر والتمحور حول لقمة العيش.

ولا يتناسى النظام في ظل إحكام قبضته الأمنية ما يؤكده علماء الاجتماع السياسي، وهو أن الديكتاتورية والانسداد السياسي والبطالة والفقر هي وقود الثورات الشعبية، وأن هذه الأحوال يمكن أن تستمر لسنوات، وربما عقود من دون وصول السخط الاجتماعي إلى مستوى الثورة الشعبية، ولكن في لحظة فارقة، يقول العلماء، عندما ترتفع أسعار السلع الغذائية إلى حد يفوق الغلاء قدرة الطبقة الوسطى من المجتمع، عندها تنطلق الاحتجاجات الشعبية، وتندلع الثورة وربما يسقط النظام السياسي.

زيادة نسبة الاستخراج

هناك حلول اقتصادية لو أخذ بها النظام يمكن أن تعوض قيمة الزيادة المزمعة في سعر الخبز، وتجنب المواطن المزيد من الغلاء، وتحافظ على الاستقرار الاجتماعي الذي يتفسخ بفعل ذلك الغلاء.

وفق تصريح رئيس الوزراء فإن الدولة توفر 100 مليار رغيف سنوياً، بقيمة 125 مليار جنيه، يدفع المواطن منها 5 مليارات جنيه، وبعد زيادة سعر الخبز سيدفع المواطن منها 20 مليار جنيه. بمعنى أن الحكومة تستهدف تحصيل 15 مليار جنيه إضافية من المواطن.

ويمكن توفير نصف هذا المبلغ من خلال تخفيض كمية استيراد القمح اللازمة لإنتاج الخبز المدعم من خلال رفع نسبة استخراج الدقيق المستخدم في إنتاج الخبز من 87.5% إلى 93.3%، بمعنى أن تزيد كمية الدقيق الناتجة من طحن 100 كيلوغرام من القمح إلى 93.3 كيلوغرام بدلاً من 87.5 كيلوغرام فقط حالياً. هذه الطريقة توفر قرابة نصف مليون طن من إجمالي 8.5 ملايين طن يتم استخدامها في إنتاج الخبز البلدي المدعم، وفق تصريح وزير التموين علي المصيلحي، بنسبة 5.8%. وتوفر 7.25 مليارات جنيه من قيمة دعم الخبز التي أعلنها رئيس الوزراء والبالغة 125 مليار جنيه. ويعادل ذلك 48.3% من المبلغ الإضافي الذي تستهدف الحكومة تحصيله من المواطن بعد الزيادة الأخيرة في سعر الرغيف.

وفي بداية شهر يوليو/تموز 2022، اقترحت رفع نسبة استخراج الدقيق المستخدم في إنتاج الخبز من 82% إلى 87.5% بدلاً من اضافة البطاطا إلى رغيف الخبز التي اقترحها وزير التموين لحل جزء من أزمة القمح. وبعد أسبوعين من نشر المقال، أصدر الوزير القرار رقم 23 لسنة 2022 والذي يقضي بإنتاج العيش البلدي المدعم من دقيق القمح استخراج 87.5%.

وبالطريقة نفسها، أقترح إنتاج الخبز من دقيق استخراج 93.3% باعتباره حلّاً لتوفير جزء من القمح المستورد بدلاً من تخفيض دعم الرغيف. وهناك تجارب بحثية أثبتت إمكانية صناعة رغيف الخبز المدعم من دقيق القمح استخراج 93.3% بنجاح ومن دون تأثير على صفات الخبز التكنولوجية والحسية.

وأثبتت تلك التجارب ارتفاع القيمة الغذائية للخبز الناتج. وقد أجريت بحثاً حول تلك التجربة، وعرض في مؤتمر تكنولوجيا الحبوب في سنة 2013. كما أشرفت على رسالة دكتوراه حول الموضوع نفسه، وكانت النتائج مشجعة لإمكانية تعميم التجربة على المستوى القومي لتوفير نسبة من القمح المستورد.

الأرز في وجبة الغداء

الأرز هو البديل المحلي لرغيف الخبز ورديفه على موائد المصريين الفقراء والأغنياء، ويمكن أن يحل محل الخبز في وجبة الغداء ويوفر 20% من استهلاك القمح. وتكتفي مصر منه ذاتيّاً منذ عقود وقرون طويلة، وكان رافداً للعملة الصعبة بعد تدمير محصول القطن وحتى تخفيض زراعته بقرار حكومي في سنة 2018 بدعوى أنه شره لاستهلاك مياه الري، وهي معلومة غير صحيحة.

وحوّل هذا القرار مصر من دولة مصدّرة للأرز إلى مستوردة له. أقترح أن تتوسع الحكومة في مساحة محصول الأرز، ليكون بديلاً لرغيف العيش وللمكرونة التي تصنع من القمح أيضاً، لتصل المساحة إلى 1.8 مليون فدان، على أن تشتري الحكومة الأرز من الفلاحين بسعر يشجعهم على بيع المحصول لوزارة التموين، ويتم توزيعه على المواطنين من خلال البطاقات التموينية بسعر منخفض في حدود 5 جنيهات للكيلوغرام، وبمعدل 3 كيلوغرام للفرد في الشهر.

وبذلك يتمكن المواطن من استهلاك الأرز بدلاً من الخبز في وجبة الغداء، ويوفر 25 مليار جنيه من تكلفة استيراد القمح بالدولار. ويمكن تغطية تكلفة دعم الأرز خصماً من نقاط الخبز التي توفر 20.5% من استهلاك الخبز، بحسب بيانات الموازنة العامة للدولة هذا العام. هذه الحلول يمكن أن تغني عن تخفيض دعم الخبز في هذا التوقيت بالذات، وتدعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي أيضاً، أتمنى أن تلقى آذاناً مصغية وعقولاً واعية.

المساهمون