عن إفلاس لبنان والأطماع الصهيونية

02 مايو 2022
المواطن اللبناني يعاني من أزمة الاقتصاد المفلس والغلاء (Getty)
+ الخط -

في الرابع من نيسان/ إبريل 2022، فجَّر سعادة الشامي نائب رئيس الحكومة اللبنانية، من خلال حديثه عن إفلاس لبنان ومصرفه المركزي وتوزيع الخسائر على الدولة و"مصرف لبنان" والمصارف والمودعين، ما يشبه القنبلة الاقتصادية والسياسية التي دخلت بمعضلة البلاد في منعطف جديد خطير، ودعمت رأي المتشائمين الذين استشعروا ضياع كل بصيص من الأمل لوقف الانهيار التام.

تتعدَّد الأسباب التي ساهمت في وصول الأوضاع إلى ما آلت إليه الآن في لبنان، ويعتبر طمع إسرائيل في ثروة لبنان من النفط والغاز أحد هذه الأسباب.

فقد انهارت المحادثات بين لبنان وإسرائيل بشأن النزاع الحدودي البحري وحصّة لبنان من ثروات النفط والغاز الطبيعي التي يحتضنها هذا الجزء من البحر وتعدّ تذكرة في غاية الأهمية لخروج البلاد من المشاكل الاقتصادية.

في 11 آذار/ مارس 2022، تمَّ تأكيد وصول سفينة حفر إلى حقل كاريش للبدء بعملية التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الحدودية المتنازع عليها والواعدة بالموارد البترولية والغازية.

الأمر الذي يعتبر سرقة في وضح النهار واعتداءً سافراً على حقوق وسيادة لبنان الذي بعث رسالة إلى الأمم المتحدة في 28 يناير/كانون الثاني 2022 أكَّد فيها أنّ حقل كاريش البحري الذي يقع على بعد 100 كيلومتر من السواحل الإسرائيلية على البحر المتوسِّط هو حقل متنازع عليه وليس حقلاً إسرائيلياً، أي بعد يومين من إعلان وزارة الطاقة الإسرائيلية استئناف المحادثات بشأن ترسيم حدودها البحرية مع لبنان بوساطة أميركية بعد أن تعثَّر التفاوض في 4 مايو/أيار 2021 بسبب تقديم خرائط متعارضة ومتناقضة رفعت مساحة المنطقة المتنازع عليها من 860 كلم إلى 2290 كيلومترا بما في ذلك أجزاء من حقل كاريش الذي تُنقِّب فيه شركة "هاليبرتون" Halliburton الأميركية بالتعاون مع شركة "إنرجين" Energean اليونانية بتوكيل من شركتي "نوبل إنرجي" Noble Energy الأميركية و"ديلك كيدوحيم" Delek Kedohim الإسرائيلية.

تعيش إسرائيل بدون حدود برِّيّة معترف بها بشكل متبادل مع لبنان منذ عام 1949، وتستغلّ جيِّداً الالتزام بوقف إطلاق النار على طول الخط الأزرق الذي حدَّدته الأمم المتحدّة بعد انسحاب القوّات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، حيث يجتذب الكيان الصهيوني الاستثمار الأجنبي لاستكشاف النفط والغاز الطبيعي دون التعرُّض لأية هجمات على الحدود المتنازع عليها.

في المقابل، يأمل لبنان الرازح تحت ضائقة اقتصادية وسياسية بائسة في أن تفسح له تسوية الحدود البحرية المجال لشقّ طريق الخروج من أزمته غير المسبوقة، وبطبيعة الحال فعل حزب الله المدعوم إيرانياً كل ما بوسعه لإجهاض الاتِّفاق على حلٍّ وسط مع إسرائيل في السابق، ولكن يبدو أنّه تراجع عن عناده بعد أن وافق على ترسيم الحدود بناءً على الخطّ الحدودي البحري 23 بعد سنوات من تمسُّكه بالخطّ 29 في نفس الفترة الحسَّاسة التي تجري فيها مفاوضات فيينا لإحياء الاتِّفاق النووي الإيراني لعام 2015، مما يرجح احتمال تقديم تنازل مقابل تنازل لصالح إسرائيل وإيران على حساب لبنان وشعبه.

تتوق إسرائيل لأن تصبح لاعباً رئيسياً في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسِّط مستغلَّة من أجل ذلك تعاون جيرانها البحريين كقبرص واليونان، وكذا عجز لبنان عن الدخول في عمليات استكشاف احتياطات الغاز والطاقة الواعدة واستثمارها في ظلّ غياب التوصُّل إلى اتِّفاق في المعركة التي يفعل فيها لبنان ما بوسعه لجعل الحدود البحرية تنحني جنوباً والتي لا تدَّخر فيها أيضاً إسرائيل جهداً لجعل الخطّ الحدودي ينحرف نحو الشمال.

حصلت إسرائيل عنوة وبدعم الولايات المتحدّة على حقّ التنقيب في المنطقة البحرية المسماة "بلوك 9" التي يطالب لبنان بحصّته من الغاز الطبيعي فيها والبالغة حوالي 96 تريليون قدم مكعّب، حيث يمكن لهذه الثروة الضخمة أن تساعد لبنان على خفض حجم دينه العام الذي بلغ 183 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2021 وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في 25 يناير/كانون الثاني 2022.

تستبيح إسرائيل كل الوسائل لجعل تصدير الغاز الطبيعي مجرَّد حلمٍ بعيد المنال في لبنان الذي ينبغي عليه أوّلاً أن يجتاز عقبة التوصُّل إلى اتِّفاق مع الكيان الصهيوني، ثم إقناع الشركات الأجنبية للقدوم من أجل التنقيب في المياه التي يمكن لإسرائيل أن تتنازل عنها في الاتِّفاق بعد تأكُّدها من قلّة مخزون الغاز فيها، ثم المرور إلى مرحلة الاستخراج والبيع التي تتطلَّب بدورها استثمارات هائلة.

كل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إغضاب روسيا التي مدَّت عينيها إلى غاز المنطقة وبدأت عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل سورية الواقعة شرق البحر المتوسِّط بما في ذلك 750 كيلومتراً مربّعاً من المياه التي تطالب بها بيروت أيضاً.

تمضي إسرائيل قُدماً في سياستها المرتكزة على النهب المنظَّم المدعوم أميركياً من أجل الترويج لنفسها كمسيطر على الطاقة في المنطقة ومُصدِّراً استراتيجياً للغاز الطبيعي ومُخلِّصاً هاماً من الضغوطات الروسية، كما تمكَّنت من خلال استحواذها على نفط وغاز المتوسِّط من تسجيل رقم قياسي في عائدات الغاز الطبيعي والنفط بنحو 1.23 مليار شيكل (381 مليون دولار) في عام 2021، أي بزيادة تُقدَّر بـ12.8 بالمائة عن الرقم القياسي السابق البالغ 1.09 مليار شيكل (337 مليون دولار) المُسجَّل عام 2020 وفقاً للتقرير السنوي لوزارة الطاقة الإسرائيلية الصادر في فبراير/شباط 2022.

لكن الكيان الصهيوني يحتاج للتوصُّل إلى اتِّفاقٍ لترسيم الحدود البحرية مع لبنان من أجل إبرام عقود طويلة الأجل دون تردُّد مع الشركات الأجنبية التي تتحاشى قدر الإمكان المخاطرة وعدم اليقين، مع التذكير هنا بأنّ إسرائيل واجهت صعوبات جمّة في جذب الاستثمار الأجنبي وإقناع الشركات الأجنبية للبدء بالتنقيب في المياه المتنازع عليها.

خلاصة القول، تسعى إسرائيل جاهدة للتوصُّل إلى اتِّفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان على النحو الذي يرضيها ويكرِّس نفوذها ويحقِّق لها أفضل المكاسب، وستستمرّ في تأليب كل القوى والأطراف والمنظَّمات على لبنان ما لم تنتزع منه تنازلات مجزية وقطعية لا رجعة فيها.

المساهمون