عندما فقد المصريون الثقة في عملتهم المحلية (الجنيه) قبل شهر نوفمبر 2016، تدافعوا للتخلص منها وشراء العملات الأجنبية والأدوات المالية والاستثمارية شبه المضمونة مثل الدولار واليورو والإسترليني والذهب والفضة والمعادن النفيسة والعقارات والأراضي، بل وشراء السلع المعمرة مثل الأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.
كما توقف بعض المصريين العاملين في الخارج عن تحويل جزء من مدخراتهم بالعملات الأجنبية إلى الداخل انتظارا لانتهاء الاضطرابات العنيفة التي سادت سوق الصرف في ذلك الوقت، أو ترقباً لحدوث مزيد من قفزات الدولار أمام الجنيه المصري، وبالتالي حصْد مزيد من الأرباح السهلة.
والنتيجة حدوث ضغط شديد على النقد الأجنبي في البلاد، غذته سوق سوداء يقودها مضاربون وتجار عملة وسماسرة محترفون لا يعنيهم حال الاقتصاد المصري ومستوى أسعار السلع خاصة المستوردة من الخارج وتكلفة الإنتاج داخل المجتمع.
بل كان همهم الأول تحقيق أرباح سريعة كل يوم تفوق العوائد التي يحصل عليها تجار المخدرات وغاسلو الأموال القذرة وتجارة تهريب الأثار، كما غذى هذا الضغط حدوث طلب شديد على الدولار من قبل الحكومة لسداد مستحقات الشركات الأجنبية التي ساهمت في حفر تفريعة قناة السويس.
واضطرت السلطات في نهاية المطاف إلى تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه المصري لوقف تهاويها، خاصة وأن البنك المركزي فقد السيطرة على السوق السوداء، ولم يكن من المعقول التضحية بما تبقى من احتياطي أجنبي لديه لدعم الجنيه مقابل الدولار، وأسفر التعويم عن حدوث كوارث في المجتمع المصري منها حدوث قفزات في الأسعار وزيادات في مستوى الفقر وإصابة الأسواق بالكساد والركود.
طبعا استعاد المصريون ثقتهم في عملتهم المحلية بعد ذلك، لكن هذه الخطوة استغرقت وقتا ومجهودا وتكلفة ضخمة تحملها المواطن قبل الاقتصاد.
وفي لبنان، عندما فقد المواطن ثقته في عملته الوطنية (الليرة) وقبلها فقد الثقة في النخبة الحاكمة، اندفع نحو البنوك لسحب مدخراته منها، وبالفعل سحب أكثر من 10 مليارات دولار خلال النصف الثاني من العام الماضي حسب تقديرات معهد التمويل الدولي.
وعندما استشعرت جمعية مصارف لبنان الخطر سارعت بوضع قيود على السحب النقدي والتحويلات إلى الخارج للحفاظ على ما تبقى من سيولة لدى البنوك والحيلولة دون انهيارها وافلاسها.
وتكرر المشهد في دول أخرى مثل سورية والسودان والأرجنتين وقبرص واليونان وفنزويلا وبيرو والمكسيك وغيرها من الدول التي مرت بحالة افلاس وتعثر مالي.
فعندما فقد مواطنو هذه الدول الثقة في القطاع المصرفي والعملة المحلية، وقبلها في المؤشرات الاقتصادية، سارعوا نحو البنوك لسحب مدخراتهم.
وغذت تلك الهرولة الشائعاتُ الكثيفة التي انتشرت بين المدخرين الذين كانوا يخشون ضياع تحويشة العمر، والنتيجة حدوث هزة عنيفة في البنوك، ولولا حصول حكومات هذه الدول على مساعدات وقروض خارجية عاجلة لانهارت البنوك وقبلها العملات المحلية.
البنوك من القطاعات الحساسة وكذا العملات، وإعادة ثقة المتعاملين بها تحتاج إلى وقت ربما يطول.