عقارات مصر في "الإنعاش": احتكار وفوضى بالأسواق

25 نوفمبر 2021
ارتفاع 70% في أسعار بعض مواد البناء (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

غادر الصيف وهلَّ الشتاء والحال الذي يعيش به سوق العقارات في مصر كما هو منذ عامين. زيادة في العرض مع ندرة الطلب، وارتفاع في أسعار الوحدات، وانخفاض في قيمة دخل المواطنين، وفوضى تسكن الأسواق لأسباب قانونية وسياسية، منذ سنوات، تبحث عن حل، مهددة تارة بـ"فقاعة عقارية"، وأخرى بركود تضخمي، يأتي على الأخضر واليابس.
سوق العقارات في مصر يعيش أزمة واسعة منذ فترة، حسب دراسات حديثة، آخرها أطلقها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، حذر فيها من "مواجهة القطاع العقاري لأزمة نتيجة زيادة المعروض، مع تراجع القدرة الشرائية للمصريين، بما أدى إلى تباطؤ البيع في أسواق التجزئة".
النداء الذي أطلقه باحثون ومستثمرو عقارات، خلال الفترة الأخيرة، لم يجد صدى مسموعاً لدى الجهات المعنية في الدولة، وعلى رأسها الحكومة، والمؤسسات السيادية، التي دخلت بكلّ ثقلها المالي والإداري لمنافسة الشركات في إقامة مئات المشروعات العقارية، ذات المستويات الفاخرة في أغلبها والمتوسطة أحياناً بما زاد السوق تخمة.
ويأتي ذلك رغم استعانة الحكومة بعدد من كبار رجال الأعمال من ذوي الحظوة الذين تحصلوا على أراضٍ منها، في وقت أصبحت فيه الدولة هي المحتكر لبيع الأراضي للقطاع العقاري، بعد وقف المشروعات الأهلية في المحافظات، والذين بشروا الصيف الماضي بأنّ حركة السوق ستعود بقوة بعد توقفها لمدة عامين بسبب الإغلاق الإجباري مع انتشار جائحة كوفيد 19، ومع ذلك خابت توقعاتهم.

فشل مبادرة التمويل
كان منتظراً أن تشهد الأسواق انفراجة، خصوصاً مع إعلان الحكومة عن دعم للقطاع بمبادرة تبلغ قيمتها 100 مليار جنيه للتمويل العقاري (الدولار = 15.7 جنيهاً)، والتعهد بدعم الراغبين من متوسطي الدخل في الشراء بفائدة بنكية لا تزيد عن 3% وزيادة مدة السداد إلى 30 عاماً.
كما بشرت بعض شركات التسويق بحاجة العاصمة وحدها إلى بناء 500 ألف وحدة خلال 3 سنوات فقط، إلّا أنّ الواقع جاء عكس ذلك. فالمبادرة الرئاسية لم تنفذ، لأنّ البنوك تضع شروطاً قاسية لإقراض القطاع العقاري، خوفاً من أن يمر بـ"فقاعة" مثلما مرت به الأسواق الأميركية عام 2008، وأدت إلى إفلاس بنوك وأزمة مالية دولية.

وتمرّ الصين بأزمة حادة مع انهيار القطاع العقاري بها، بالإضافة إلى أنّ أغلب الشركات التي تتولى إنشاء وتسويق العقارات لم تنهِ إجراءات نقل ملكية الأراضي التي تقام عليها تلك المشروعات، بما يزيد من حذر البنوك في التعامل معها.

احتكار حكومي
يحمّل مراقبون الحكومة المسؤولية عن تدهور حالة السوق، التي "احتكرت بيع الأراضي، وأصبحت المنافس لكلّ المستثمرين العقاريين، وبدلاً من أن توجه مشروعاتها لخدمة موظفيها والطبقة العاملة، اتجهت إلى الإسكان الفاخر وفوق المتوسط الذي كانت توفره الشركات الخاصة، المحركة للسوق خلال السنوات السابقة للأزمة الحالية.
ويرجع المختص في الشؤون العقارية تامر فهمي الأزمة إلى كثرة المعروض ورفع المطورين سعر البيع، للوحدات القديمة والجديدة، مع اعتمادهم على الإنفاق ببذخ على التسويق، بما أصاب "قلب السوق" في مقتل.
ومن جانبها، تلفت ماري بطرس، في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى تراجع استثمار الأفراد في العقارات، بعدما كانت هي الوعاء الادخاري الأول للمصريين، بسبب ارتفاع أسعار البيع، مع إحجام شريحة كبرى من المصريين عن الشراء، فأحدث ذلك فجوة بين العرض والطلب.

مخاوف الركود
وفي استطلاع "العربي الجديد" لآراء عدد من المواطنين، أعربوا عن مخاوفهم من عدم وجود منظومة تحمي المشترين في ظلّ الارتفاع الجنوني للعقارات، وفي المقابل يتخوف المستثمرون من تفاقم حالة الركود.
ويتوقع ممدوح الشاهد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تحدث "فقاعة عقارية" بالتوازي مع استمرار الموجة التضخمية في الأسعار محلياً وعالمياً، والانكماش في الشراء. بينما يرى حسام عبد الغني أنّ الأزمة ترجع إلى عدم وجود منظومة قوانين تحمي المشتري من التعرض لـ"النصب والخداع" من جانب الشركات المنفذة والمطورة، وأصبح الاستثمار في العقار أمراً غير مربح.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويفسر عادل بدير هذه النفقات بما فرضته الحكومة من ضريبة التصرفات العقارية على المشتري بواقع 2.5%، والضريبة العقارية على العقارات المغلقة. بينما يؤكد عماد حسني أن تدخل شركات الدولة في السوق العقاري "لخبط" كلّ شيء، إذ تقود المضاربة على رفع الأسعار، وهو ما يؤيده آخرون بأنّ الحكومة هي التي بدأت برفع قيمة بيع الأراضي ووحداتها بعشرات الأضعاف عن قيمتها السوقية، فأسرعت الشركات الأخرى بتقليدها، خصوصاً في المناطق التي يقبل عليها المشترون أملاً في حفظ استثماراتهم وتحقيق أرباح من الوحدات التي يشترونها مستقبلاً.

"نصب المطورين"
ويتهم مواطنون الحكومة بأنّها وراء ركود السوق العقاري، كما تذكر هالة الكرابيجي، لعدم وجود مظلة قانونية تحمي المشترين من "نصب المطورين" العقاريين، الذين يتأخرون عادة في تسليم الوحدات، وكثيرون منهم يسلم الوحدات غير مطابقة للشروط، بما يشعر المشترين بعدم الأمان.
وتذكر شاهيناز الخياط أنّ القوانين الحالية لا تحمي حقوق المشتري، لذلك يظل خاضعاً لعقود الإذعان التي يكتبها لصالحه، وإما يتعرض لبطشه والمشاكل المترتبة عن قدرته على التلاعب بالعملاء.
لذلك، ينادي مختصون في الشأن العقاري بسرعة إصدار البرلمان لقانون المطور العقاري الذي تعطل إصداره العام الماضي، لتنظيم السوق العقاري، ويلزم الشركات المرخص لها فقط بالبناء ويضع رقابة صارمة على التنفيذ تضمن حقوق كلّ الأطراف، وينظم سوق العمل.
وعندما سألنا حسام فريد، وهو أحد المتضررين من المطورين العقاريين بما قررته الرئاسة المصرية بعدم بدء الشركات بالإعلان عن الوحدات العقارية وبيعها دون تنفيذ 30% من المباني، قال إن هذا لم يحدث على أرض الواقع. وبمراجعة لما قررته الرئاسة، في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، تبين عدم التزام الشركات بما قررته حتى الآن، إذ ما زال السوق يعمل بالأساليب نفسها، فتعلن الشركات، ومن بينها الحكومية والتابعة للأجهزة الأمنية والسيادية، عن بيع مشروعاتها، بمجرد الاتفاق الأولي مع الوزارة المعنية على المشروع، وتسوقه بنفسها أو عبر مطورين تابعين لها، دون الالتزام بهذه الضوابط.

مخالفات البيع المبكر
حسب مراقبين، تتوسع العديد من الشركات في عمليات البيع لمراحل تالية في المشروع دون أن تحصل على أيّ موافقات رسمية، أو الأراضي اللازمة لها، بل هناك من استغل تركيز الرئاسة على مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، وباع عدة مراحل في المشروعات دون أن يشرع في بناء مرحلة واحدة، ومن بينها مشروعات لشركات حكومية.

وكانت الرئاسة المصرية قد أعلنت، مؤخراً، عن انتقال الحكومة بالكامل إلى العمل من الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، ابتداء من ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وكلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس حكومته مصطفى مدبولي، ببدء فترة تجريبية من العمل مدتها ستة أشهر، لتقييم المزايا والعيوب وأوجه القصور التي ستظهر خلال تلك الفترة والعمل على حلها.
ويمتلك الجيش 51% من شركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" المشرفة على تنفيذ المشروع، الذي يقع في قلب الصحراء على بعد 45 كيلومتراً شرق العاصمة القاهرة، وبلغت كلفة المرحلة الأولى منه نحو 300 مليار جنيه (19 مليار دولار تقريباً)، مقابل 49% لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان المصرية.

قفزات أسعار مواد البناء
ورغم تقديم المطورين العقاريين (المستثمرين) تسهيلات كبيرة في السداد، أملا في جمع أكبر نسبة من قيمة العقار، قبل الشروع في تنفيذه، إلا أن الأسواق شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، يرجعها أصحاب المشروعات والمطورين إلى الارتفاع الجنوني في أسعار الخامات بالسوق المصري وعلى رأسها الحديد والإسمنت والأخشاب وأجور العمالة والنقل، مع ذلك يتجه السوق نحو الموت البطيء.
وحسب بيانات حديثة، سجلت أسعار مواد البناء ارتفاعات متتالية خلال الشهور الأخيرة تخطت معدلاتها 70 في المائة في بعض المواد، إذ ارتفعت أسعار الحديد من 9950 جنيهاً للطن العام الماضي إلى 15.500 جنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني، وبنسبة زيادة (62%)، وزاد سعر طن الإسمنت من 720 جنيهاً إلى 1100 جنيه بارتفاع نسبته (52%)، بخلاف الرمل والزلط والطوب والجير والسيراميك.
وفي إطار قفزات أسعار مواد البناء، قررت الحكومة المصرية إلغاء رسوم الحماية المفروضة على واردات البلاد من البليت (خام الحديد) وحديد التسليح ومنتجات الألومنيوم، تجنبا لتداعيات ارتفاع أسعار هذه السلع على الصناعات المحلية، خصوصاً قطاع الإنشاءات الذي يعاني من قفزات حادة في أسعار مواد البناء.

رغم تقديم المطورين العقاريين (المستثمرين) تسهيلات كبيرة في السداد، أملا في جمع أكبر نسبة من قيمة العقار، قبل الشروع في تنفيذه، إلا أن الأسواق شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار


وتفرض وزارة التجارة والصناعة، منذ عام 2019، رسوما وقائية بنسبة 25% على واردات حديد التسليح و15% على واردات البليت، كما تفرض منذ إبريل/ نيسان الماضي رسوما على منتجات الألومنيوم بنسبة تصل إلى 16.5%.
وقالت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، الأسبوع الماضي، إنّ الوزارة قررت إيقاف العمل بقراري فرض تدابير وقائية على واردات البليت وحديد التسليح ومنتجات الألومنيوم.
وقال رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب طارق شكري، في بيان، الأسبوع قبل الماضي، إنّ هناك زيادة متوقعة بأسعار العقارات نتيجة زيادة أسعار مدخلات صناعة العقار. وأضاف أنّه بالنسبة لمواد البناء المصنعة محلياً مثل الإسمنت، فإنّ مصر لا تواجه بخصوصها أيّ مشكلة إمداد لكنها تواجه مشكلة ارتفاع الأسعار، وبالنسبة للعناصر التي يتم استيرادها مثل النحاس والألومنيوم فإنّها تشهد ارتفاعات سعرية.
وأوضح رئيس غرفة التطوير العقاري أنّ مدخلات الصناعة ثلثها خرسانات شهدت ارتفاعاً بنسبة 80% تقريباً.

وأشار شكري إلى أن الزيادة المتوقعة للعقار تراوح بين 10 و15% خلال الشهرين المقبلين، حتى يتمكن المطور من الوفاء بالتزاماته ويقوم بتوريد مواد بناء وخامات جديدة. وبالنسبة للمبيعات التي تمت، فإنّها لن تتأثر بارتفاع كلفة التنفيذ، لكنّ المبيعات الجديدة تواجه هذه الزيادات الجديدة.

المساهمون