نحن أمام مشهدين متناقضين في ما يتعلق بمستقبل الوضع الاقتصادي والمالي لدول المنطقة، منطقة عربية ستعاني عجزاً مزمناً في مواردها المالية وموازنتها العامة واستنزافاً لثرواتها، وفي المقابل هناك إيران التي ستحصد مليارات الدولارات في غضون فترة قليلة، وستخرج من المشهد الحالي وربما المستقبلي فائزة كما فازت بصفقة إبرام اتفاق تاريخي يتعلق ببرنامجها النووي، ويقضي بإلغاء العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها منذ أكثر من 10 سنوات، وإعادة الأموال المجمدة لها في الخارج.
وطبقا للاتفاق المبرم بين طهران والدول الست الكبرى فإن طهران ستسترد أموالها المحتجزة في البنوك العالمية والبالغة قيمتها نحو 80 مليار دولار، كما ستجذب استثمارات أجنبية أخرى تقدرها مصادر غربية بنحو 300 مليار دولار، خاصة الموجهة للاستثمار في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والنفط والبتروكيماويات وصناعة السيارات والبنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما يعني توافر سيولة ضخمة لدى الحكومة الإيرانية، تساعدها إما في توسيع نفوذها الإقليمي ومد أطماعها التوسعية في المنطقة، أو اعادة هيكلة اقتصادها وانتشال مواطنيها من الأزمات الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة والارتفاعات القياسية في الأسعار والفقر.
وفي المقابل فإن المنطقة العربية ستعاني شحا في السيولة المالية، وقد تفقد ما لديها من احتياطيات خارجية بالنقد الأجنبي، أو علي الأقل الجزء الأكبر منه؛ بسبب تهاوي أسعار النفط، وتوجيه مليارات الدولارات لشراء أحدث الأسلحة والانفاق علي الأمن، وسداد تكلفة الصراعات والحروب المشتعلة في عدة دول بالمنطقة في آن واحد، كما تواجه معظم دول المنطقة عجزاً مزمنا في الموازنة العامة وتزايداً في العجز بين المصروفات والايرادات واستنزافاً مستمراً لاحتياطاتها الدولية ومواردها الخارجية.
في مقابل هذين المشهدين فإن السؤال المطروح هنا هو: إذا كانت طهران تمرح حالياً في المنطقة العربية، رغم أزماتها الاقتصادية المزمنة والناجمة عن العقوبات الغربية القاسية المفروضة عليها منذ سنوات واختفاء الاستثمارات الأجنبية، ماذا تفعل إذن خلال الفترة المقبلة ومعها كل هذه المليارات التي ستتدفق عليها مع استرداد أموالها المجمدة؟
وإذا كانت طهران تقدم كل هذه المليارات والعون المالي غير المحدود لأنظمة بشار الأسد وحزب الله والحوثيين وحيدر العبادي بالعراق أثناء الحصار الاقتصادي الغربي، فماذا عن المستقبل، وهل ستقوى الأنظمة الموالية لطهران في المنطقة العربية مع قوة المركز المالي لإيران، أم ستضعف كما يخطط لها حالياً؟