لمّا تنفد ثروات سورية الباطنية بعد، بل ثمة ما يمكن أن يبيعه نظام الأسد، لطالما لاحت بوادر الانفراج وهبّت رياح التطبيع مع الأشقاء العرب، وربما هو خير من يغتنمها.
فما منحه النظام السوري للحليف الروسي، من تنقيب واستخراج بالبر، قبل أن يتبعه العام الماضي بالبحر وحصرية التنقيب بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لسورية في البحر المتوسط "البلوك البحري رقم 1"، ليس كل ما لدى سورية من نفط وغاز.
والدليل على ذلك، تركيز الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، خلال زيارته دمشق أخيراً، على قطاع النفط والفوسفات، لاسترداد الديون وثمن الوقوف بوجه حلم السوريين، بعد أن تعاظمت الفاتورة وقدرتها مراكز إيرانية أخيراً بنحو 50 مليار دولار.
بل وإن نفد النفط والغاز، فلدى الأسد بملكية مزرعته الخاصة، فوسفات يصنف ضمن الخمسة الأهم عالمياً، ولديه معادن وأملاح.. وما على الراغبين أو الدائنين سوى الاختيار والتدلل، فهو المالك الحصري والوحيد ويمنح العقود لخمسين سنة قابلة للتجديد، كما ميناء طرطوس لروسيا، أو 25 عاماً، أيضاً قابلة للتمديد، كما حصدت شركة كابيتال الروسية بالبحر.
أو إن شاء العارض الملكية الدائمة، فليس من ضير بالأمر، فها هي طهران ومن لف لفيفها وحارب تحت رايتها، تملكوا قلب دمشق وأطراف حلب وبدلوا من الديمغرافيا، ولعل بتجوال الرئيس الإيراني خلال زيارته بدمشق وحيداً، كمالك يتفقد رعيته وممتلكاته دليلاً.. وفي قاعدة حميميم على الساحل السوري دليل أكثر قطعاً، فحتى بشار الأسد ممنوع من دخول القاعدة الروسية، وربما مشهد منعه من اللحاق بالرئيس بوتين خلال تفقده ممتلكاته عام 2017 خلّده التاريخ.
قصارى القول: يبدو لا بد مما ليس منه بد، هكذا يفكر نظام بشار الأسد، بعد خيبته من وصول "الأرز الخليجي" والدعم الدولي، بعد همرجات العودة والانتصار.
كما بعودة تفعيل العقوبات الأميركية والتحرك الأوروبي، لدرجة طلب المحاكمة على تراكم جرائم قتل وتهجير السوريين، يبعد الأمل عن طرح إعادة إعمار سورية وتقاسم خرابها بين من ساهم بقتل آخر أحلام الربيع العربي.
لذا، ومن قبيل ليس من بد سوى البيع والاستثمار طويل الأجل، عقدت المؤسسة الحكومية للثروة المعدنية بنظام الأسد، فور عودة القائد المنتصر من قمة جدة المظفرّة، ندوة وصفتها بالتعريفية بثروات سورية الباطنية لمن يهمه الأمر والاستثمار.
ولضرورة تغليف كل شيء بلبوس الممانعة والتطوير، أتبع وزير النفط الجديد، فراس قدور، العنوان بأن الندوة تهدف، في ما تهدف، إلى تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الثروة المعدنية الذي يهدف إلى تحقيق التطوير والاستثمار الأمثل للثروات المعدنية وتحقيق القيمة المضافة.
ولم يفت السيد الوزير طمأنة من يخالجه شك بعدم وجود قوانين تسمح الشراء أو الاستثمار، على اعتبار أن ما منحه نظام الأسد لحلفائه بموسكو وإيران كان يدرج ضمن خصوصية المرحلة وأفضلية الشركاء، فقال الوزير تصريحاً: "هدفنا جعل قطاع الثروات المعدنية أكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية، إضافة إلى تعديل التشريعات التي تسمح باستثمار الخامات والموارد ذات القيمة الاقتصادية وجعلها أولوية مهمة".
نهاية القول: لا أعلم إن كان مشروع نظام الأسد الجديد يتماشى مع التوجه العالمي لزيادة الاستثمار بقطاع النفط والطاقة، فوقتذاك نكون قد ظلمناه لسببين:
الأول، أننا لم نأخذ بالحسبان غيريته على تراجع الاستثمار العالمي بهذا القطاع، بحسب ما يحذر الأمين العام لمنظمة أوبك، هيثم الغيص.
فأن يتراجع الاستثمار وتتقلب الأسعار، وتبلغ الحاجة الملحة لـ12.1 تريليون دولار لتعوض زيادة الطلب المتوقع خلال السنوات المقبلة، فبشار الأسد لها بالمرصاد، فعلاً لا قولاً، وهاكم كل ما فوق أرض سورية وما تحتها، وما عليكم سوى الاختيار والدفع مقدماً.
والظلم الثاني الذي ألحقناه بالنظام السوري، أننا لم نقر ببعد نظره ورؤيته الاستراتيجية، فقبل أن تعيش "أوبك" هذا القلق بعشر سنوات، تنبه القائد الوريث وفتح قطاعات النفط والغاز وحتى الفوسفات، ليس للاستثمار فحسب، بل للبيع بصيغ تأجير ما بعد الـ"بي أو تي"، فالعروض بسورية لخمسين عاماً قابلة للتجديد.
وأما عن عائدات الاستثمارات على شعب صُنّف بالأفقر عالمياً، أو على توافر المشتقات النفطية، ولو من قبيل طبّاخ السم يتذوقه، بواقع شحّ المحروقات بسورية وغلائها، فتلك تفاصيل وهموم جانبية لا ترقى إلى مستوى مد اليد للاقتصاد الدولي وردم فجوة عزوف الرساميل عن قطاع الطاقة.