- التوترات مع الصين والحلفاء: العلاقة بين الولايات المتحدة والصين قد تهيمن على ولاية ترامب الثانية، مع احتمال العودة للحرب التجارية وزيادة الاستعداد العسكري. قد يفرض ترامب ضغوطًا جديدة على الحلفاء الأوروبيين والآسيويين.
- استراتيجية الصين لمواجهة التحديات: تسعى الصين لمواجهة سياسات ترامب من خلال تخفيضات جمركية وعروض استثمارية، لتعزيز العلاقات التجارية مع أوروبا وآسيا، رغم التحديات من مواقف الاتحاد الأوروبي وحلفاء الولايات المتحدة.
بات أعداء أميركا وحلفاؤها على يقين من أن سياسة "الحمائية" التي ينتهجها الرئيس العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب تطاولهم، وإن كانت بدرجات متفاوتة، ما يدفع الجميع إلى ترتيب أوراقه والاستعداد لعالم جديد تقوده سياسات "ترامبنوميكس"، وفق وصف تقارير اقتصادية.
من المتوقع أن يستعرض الرئيس المنتخب القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، سعياً لبثّ الخوف في نفوس الخصوم واستخراج قدر أعظم من التسهيلات من الحلفاء، إذ يرجح اقتصاديون ومستشارون سابقون في البيت الأبيض أن يضاعف نهجه المتشدد حيال الصين وأن يمارس ضغوطاً أكبر على الدول الأوروبية تحديداً التي تستغل "السخاء الأميركي".
وفقاً لهؤلاء المستشارين، لم تكن الولايات المتحدة موضع خوف كافٍ في الخارج خلال إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن. وقالوا إنه من خلال استعراض القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية، يجب أن تجلب رئاسة ترامب الثانية السلام أو على الأقل تمنع المزيد من التصعيد في أوكرانيا والشرق الأوسط وخارجها. وقال مستشار الأمن القومي السابق لترامب، روبرت أوبراين، الذي قد يلعب دوراً كبيراً في الإدارة القادمة، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال: "الردع سيُستعاد ... الخصوم الأميركيون يدركون أن الأمور التي أفلتت من الإدارة الأميركية على مدى السنوات الأربع الماضية لن يتم التسامح معها بعد الآن".
من المرجح أن تهيمن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين على ولاية ترامب الثانية. ومن المتوقع أن يضاعف نهجه المتشدد، الذي استمرت فيه إدارة بايدن إلى حد كبير، كما قال المستشارون السابقون والحاليون. وقد يعود ترامب إلى الحرب التجارية التي ميزت إدارته الأولى ويستثمر أكثر في الاستعداد العسكري الأميركي لصراع محتمل في المحيط الهادئ.
وقال مسؤولان سابقان في إدارة ترامب إن الرئيس المنتخب أكثر حذراً حيال الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يلقي على بلاده باللوم في انتشار جائحة فيروس كورونا، التي بسبب عواقبها الكارثية خسر الانتخابات أمام بايدن في عام 2020. كذلك غضب ترامب من المحاولات الصينية لاختراق حملته لعام 2024. وأشار أحد المسؤولين السابقين إلى أنّ "ترامب لن يكون لديه الاستعداد نفسه لقبول شيء على ظاهره".
كما من المرجح أن يتعرض حلفاء أميركا لضغوط جديدة، ولا سيما إذا رفع ترامب التعريفات الجمركية على الحلفاء الأوروبيين والآسيويين ضمن استراتيجيته لزيادة الرسوم على مختلف انحاء العالم إلى ما بين 10% و20%، كما قال في حملته الرئاسية. واشتكى ترامب مراراً وتكراراً من دول مثل ألمانيا، التي تدير فائضاً تجارياً ضخماً مع الولايات المتحدة، بينما تتمتع بحمايتها العسكرية وتستغل السخاء الأميركي.
وقال جيريمي شابيرو، مدير برنامج الولايات المتحدة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لا أعتقد أن ترامب لديه خطة لتدمير التحالفات، لكنه لا يهتم بها حقاً... إنّه يعتقد أنها عمليات نصب واحتيال على الجمهور الأميركي، وأن الحلفاء مثل الأقارب الذين يأتون إلى منزلك لاقتراض المال ثم يبقون طوال اليوم ويستخدمون حمام السباحة الخاص بك".
وفي إطار الاستعداد لعلاقة أميركية جديدة، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس الماضي، من "الأطلسي الساذج"، في خطاب أمام الزعماء الأوروبيين المجتمعين في بودابست. وقال ماكرون: "لقد انتخب الشعب الأميركي ترامب، وسيدافع عن المصالح الأميركية، وهو أمر مشروع وجيد.. والسؤال هو ما إذا كنا مستعدين للدفاع عن مصالح الأوروبيين.. هذا هو السؤال الوحيد".
وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، واجه فريقه صعوبة في إقناع الأوروبيين باستبدال المعدات من شركات الاتصالات الصينية المملوكة للدولة مثل "هواوي"، خوفاً من إمكانية تجسسها. وجعلت حرب ترامب التجارية ضد أوروبا بعض القادة أقل استعداداً للعمل مع واشنطن. كذلك فإنه إذا شعرت الحكومات الأوروبية أنّ إدارة ترامب الجديدة تهدد أمنها من خلال استيعاب روسيا بشأن أوكرانيا، فقد يميل الحلفاء الأميركيون إلى تحسين العلاقات مع الصين، القوة العظمى الأخرى في العالم، حتى لو كان ذلك يعني كسر الصفوف مع واشنطن.
الصين تغازل حلفاء أميركا
وحذر السناتور كريس كونز (ديمقراطي من ولاية ديلاوير) من أن أي سوء تعامل من جانب ترامب مع العلاقات بالحلفاء الأوروبيين قد يثبت أنه نعمة جيوسياسية لبكين. وقال: "لقد كان الصينيون ينتظرون ذلك ويستعدون له، ومن الأفضل لنا أن نتحدى التقدم التكنولوجي للصين والهيمنة المقصودة بالشراكة مع حلفائنا".
لذا فإن الصين تغازل حلفاء الولايات المتحدة لتكوين حائط صد ضد سياسة "الحمائية" التي ينتهجها ترامب. وتأمل بكين جذب الشركاء الأميركيين في أوروبا وآسيا عبر استخدام تخفيضات التعريفات الجمركية "الاستباقية" وعروض الاستثمار المغرية. ومع تلويح ترامب بإلحاق الأذى بالاقتصاد الصيني من خلال إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية، تبحث بكين عن سبل لإبعاد الحلفاء الأميركيين عن واشنطن رداً على ذلك.
فقد تعهد الرئيس المنتخب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات من الصين، وهو ما يهدد خطط الرئيس الصيني للحفاظ على النمو، الذي يركز على تكثيف التصنيع والتصدير للخروج من الركود.
وللتعويض عن الضربة المحتملة للاقتصاد الصيني المتذبذب بالفعل، تدرس قيادة شي جين بينغ خططاً للإغداق على الحلفاء الأميركيين في أوروبا وآسيا بتخفيضات التعريفات الجمركية، وإعفاءات التأشيرات، والاستثمارات الصينية وغيرها من الحوافز، وفقاً لأشخاص مقربين من صنع القرار في بكين. ولكن هناك من يرى أن الصين مستعدة للانخراط في حوار مع واشنطن بمجرد تولي فريق ترامب الجديد منصبه، لكنّها تغتنم الفرصة أيضاً لمغازلة شركاء أميركا التقليديين لكسب الوقت والرافعة في المنافسة المتزايدة مع الولايات المتحدة.
لكنّ بكين تواجه معركة شاقة لجعل الاستراتيجية ناجحة، وفق تقرير منفصل لـ"وول ستريت جورنال". فقد شدد الاتحاد الأوروبي موقفه من الصين في السنوات الأخيرة، وهو غاضب من دعم الصين لحرب روسيا في أوكرانيا، التي يراها تهديداً أمنياً وجودياً. كما أنّ حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، حذرون بشكل متزايد من جارتهم.
وفي الأشهر الأخيرة، ألغت الصين بالفعل متطلبات التأشيرة للمسافرين من نحو عشرين دولة، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا والدنمارك وفنلندا وكوريا الجنوبية، دون أن تشترط أن يحصل الرد على هذه التحركات على الفور. وتمثل الاستراتيجية، التي يطلق عليها "الانفتاح الأحادي الجانب" في دوائر السياسة الصينية، تغييراً تكتيكياً لقيادة فضلت منذ فترة طويلة الصفقات الاقتصادية والدبلوماسية القائمة على مبدأ المقايضة.
وفي اجتماعات حديثة مع قادة الأعمال الغربيين، ألمح نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ، إلى أن بكين تدرس تخفيضات التعريفات الجمركية "الاستباقية" في قطاعات مختلفة لتعزيز الاستثمار الأجنبي والتجارة مع أوروبا ودول آسيوية أخرى، وفقاً لأشخاص مقربين من صنع القرار. يقول هؤلاء إن القطاعات التي يجري التركيز عليها تشمل المعدات الكهربائية والاتصالات، فضلاً عن المأكولات البحرية وغيرها من المنتجات الزراعية، اعتماداً على البلدان التي تستهدفها بكين. وفي معرض تجاري كبير في شنغهاي، الثلاثاء الماضي، قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إن الصين ستسعى للانفتاح من جانب واحد لتقديم فرص للأجانب للوصول إلى السوق الصينية.
إن تغيير نهج بكين يعكس التحديات التي تتوقعها في التعامل مع ترامب، الذي أعادت سنواته الأربع الأولى في البيت الأبيض تشكيل سياسة واشنطن تجاه الصين من خلال استبدال المشاركة التي استمرت لعقود من الزمان بنهج أكثر مواجهة. وقد أدى الصراع التجاري واسع النطاق خلال ولايته الأولى إلى توتر العلاقات الثنائية بشكل كبير.
وأرسل شي رسالة تهنئة إلى ترامب، الخميس الماضي، لكنه وجه أيضاً تحذيراً مبطناً لإدارة ترامب القادمة بشأن الانخراط في معارك اقتصادية جديدة مع الصين. وقال: "يخبرنا التاريخ أن كلا البلدين سيستفيدان من التعاون ويخسران من المواجهة".
عندما بدأ ترامب فرض الرسوم الجمركية على الصين في أوائل عام 2018 لإجبار بكين على تغيير ممارساتها الاقتصادية التي تقودها الدولة، ردت بكين بالمثل في كل مرة، معتقدة أن رجل الأعمال الذي تحول إلى رئيس سيتراجع في النهاية. وتبع ذلك تصعيد متبادل. وانتهى الأمر بالرسوم الجمركية الأميركية على واردات السلع الصينية إلى الارتفاع أربع مرات من 3% إلى 12% في المتوسط خلال ولاية ترامب الأولى. ومع ذلك، استفاد المصدرون الصينيون من الطلب القوي من الولايات المتحدة خلال جائحة كورونا، عندما سُلِّم المستهلكون الأميركيون نقوداً مباشرة من الحكومة عندما أدت العملة الصينية الأضعف بشكل حاد أيضاً إلى جعل المنتجات الصينية أرخص في الخارج.
ويظهر تقرير حديث صادر عن شركة Gavekal Dragonomics وهي شركة أبحاث اقتصادية، أن الصادرات الصينية أعلى بنسبة 60% وأنّ حصة البلاد من الصادرات العالمية أعلى بنقطتين مئويتين مما كانت عليه في عام 2017، قبل فرض التعريفات الجمركية من قبل إدارة ترامب الأولى.
الصادرات نقطة ضعف الصين
لكن هذه الصادرات قد تكون نقطة ضعف بالنسبة إلى الصين التي تعاني من أزمة عقارية، حيث تعد الصادرات الصينية واحدة من النقاط المضيئة القليلة في اقتصاد الصين هذه الأيام. وهذا يعني أنه إذا نفذ ترامب تعهداته بالرسوم الجمركية، فمن المرجح أن يكون التأثير في الاقتصاد الصيني أكبر بكثير مما كان عليه خلال فترة ولايته الأولى.
يقول بعض الاستراتيجيين الجمهوريين إن ترامب، بمجرد تنصيبه، من المرجح أن يبدأ في الوفاء بتعهده بالتعريفات الجمركية من خلال التركيز على فشل الصين في الامتثال الكامل لما يُسمى باتفاقية "تجارة المرحلة الأولى" الموقعة بين واشنطن وبكين في عام 2020، والتي تتطلب من الصين زيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين. ويحق للولايات المتحدة رفع التعريفات الجمركية على الصين لعدم الامتثال بموجب الاتفاق.
ويقدر لاري هو، الخبير الاقتصادي الصيني في "ماكواري" وهي شركة خدمات مالية أسترالية، أن زيادة التعريفات الجمركية بنسبة 60% من قبل الولايات المتحدة يمكن أن تقلل من النمو الاقتصادي للصين بنقطتين مئويتين في الأشهر الاثني عشر التالية للتنفيذ. وقال إنّ "الحرب التجارية الثانية قد تنهي نموذج النمو المستمر في الصين، حيث كانت الصادرات والتصنيع المحرك الرئيسي للنمو".
وأشارت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تقرير لها إلى أن عودة "ترامبنوميكس" تخيف العالم، في إشارة إلى سياسة ترامب الاقتصادية. ولفتت إلى أن من المؤكد أن التعريفات الجمركية التي يتبناها ستدعو إلى الانتقام. ففي أوروبا، أعدّ المسؤولون بالفعل قوائم بالرسوم التي قد يفرضونها على السلع الأميركية. ومن المرجح أن تعاقب الصين المنتجات الزراعية الأميركية، من فول الصويا إلى الذرة. وستميل بلدان أخرى إلى اتباع النهج نفسه.