- النزاع المسلح أدى إلى نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص، تعرض البنية التحتية والنظام المصرفي لأضرار بالغة، وارتفاع حاد في الأسعار مع تعطل الخدمات الأساسية.
- الأمم المتحدة تحذر من كارثة وشيكة وتطلب تمويلاً بـ2.7 مليار دولار للتعامل مع الاحتياجات الإنسانية، لكن تلقت 6% فقط من المطلوب، مما يشير إلى حاجة ماسة لدعم مادي طارئ.
وضع كارثي على كافة المستويات بعد مرور عام على الحرب في السودان.. هكذا المشهد في البلد الذي توارت أخباره وراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دخل شهره السابع وشغل المنطقة والعالم، بينما بات السودان على شفا مجاعة حقيقية، حيث انهارت قطاعاته الاقتصادية الحيوية، وقُدرت خسائره بنحو 100 مليار دولار.
وتسببت الحرب في أكبر أزمة نزوح في العالم وهروب رؤوس الأموال، ما أدى إلى تجفيف البلاد تقريباً من النقد الأجنبي، وعمق الأضرار الداخلية بفعل شح السيولة الأجنبية لتهوي العملة الوطنية وتتآكل قدرتها الشرائية، وتقفز البطالة إلى مستويات قياسية قدرها محللون بنحو 55%، في وقت تغيب البيانات الرسمية بسبب الانهيار الذي لحق بالكثير من المؤسسات الحكومية.
وسقط السودان في أتون الفوضى، عقب تصاعد التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع وتحولها إلى اشتباكات في الشوارع في العاصمة الخرطوم في منتصف إبريل/ نيسان من العام الماضي 2023. وسرعان ما امتد القتال إلى جميع مدن وبلدات البلاد.
وتسببت الحرب المحتدمة منذ عام في نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، واضطرار عائلات للنزوح عدة مرات بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية خاصة بها في ظل انهيار شبكات إنتاج وتوزيع الغذاء وانعدام الأمن.
وأعادت الحرب السودان عشرات السنوات إلى الوراء وفق محللين. وأضرت المعارك بالنشاط الاقتصادي، لينكمش الاقتصاد بنسبة 12% في 2023 وفق تقديرات البنك الدولي، بينما يؤكد خبراء اقتصاد تحدثوا مع "العربي الجديد" أن النسبة واقعياً تصل إلى 20% في ظل الأضرار الواسعة التي لحقت بمختلف الأنشطة الاقتصادية. ومن المتوقع أن يكون معدل الانكماش أكثر من مثلي ما حدث خلال الحروب في اليمن وسورية.
وتعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة، وانهارت خطوط الإمدادات، وأصيب النظام المصرفي الرسمي بالشلل، ما أدى إلى عدم دفع العديد من الرواتب، ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقرب من نصف السكان بلا عمل.
وقفزت الأسعار بشكل حاد في العديد من المناطق، في حين أدى انقطاع التيار الكهربائي الذي ألقي باللوم فيه على الطرفين المتحاربين وتعطل شبكات المحمول إلى إعاقة عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول التي يعتمد عليها كثيرون.
وقال المحلل الاقتصادي إبراهيم أونور لـ"العربي الجديد": "بعد مرور عام من الحرب المدمرة اختفت عن الوجود دولة المؤسسات، والآن نحن تحت شبح اللادولة".
وأضاف: " لا مؤسسات اقتصادية ولا صحة.. الواقع الذي ساد طيلة عام من الحرب هو لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص".
ويتواجه في هذه الحرب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي يعدّ الحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2021، ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وفي 2021، أطاح الحليفان السابقان بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم منذ خلع الثورة الرئيس السابق عمر البشير في العام 2019. لكنّهما اختلفا لاحقاً بشأن مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وكان السودان يرزح بالفعل تحت وطأة ارتفاع معدلات الجوع وتداعي نظام الرعاية الصحية وتفشي الفقر، قبل اشتعال الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وبعد عام من الحرب تنجرف أجزاء من البلاد إلى حافة المجاعة، حيث ترك الصراع قرابة 25 مليون شخص أو نصف عدد السكان في حاجة للمساعدات، وفق البيانات الدولية.
ويواجه نحو 17.7 مليونا من سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة ما يسميه الخبراء انعدام الأمن الغذائي الحاد، في زيادة حادة عن العام الماضي، وفقا لتوقعات تغطي خمسة أشهر حتى فبراير/ شباط الماضي أعدها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي "آي.بي.سي"، وهو أداة معروفة عالمياً لمراقبة الجوع. وهذا يعني أن حياتهم أو سبل عيشهم معرضة لخطر داهم لأنه ليس لديهم ما يكفي من الغذاء.
من بين هؤلاء، يقدر أن 4.9 ملايين شخص يواجهون مستويات شديدة من الجوع، ويقفون على بعد خطوة واحدة من المجاعة. وقال التصنيف المرحلي المتكامل الشهر الماضي، وفق وكالة رويترز، إنه لم يتمكن من تحديث تقييمه بشأن السودان بسبب فجوات البيانات وتحديات الاتصالات لكنه حذر من أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع الوفيات الجماعية.
وتعطل نشاط الزراعة، الذي يعتمد عليه معظم السكان للحصول على الدخل، بشدة إذ فر المزارعون من القتال أو لا يمكنهم الحصول على ما يحتاجونه من مستلزمات. وفر أكثر من 8.6 ملايين شخص، أو نحو 16% من السكان، من منازلهم منذ بدء الصراع. وبهذا يشكل السودان أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، مع وجود ثلاثة ملايين شخص أخرين بلا مأوى بسبب صراعات سابقة وخاصة في دارفور غرب البلاد.
وعبر أكثر من مليونين إلى دول مجاورة تواجه تحديات أمنية واقتصادية بالفعل. حيث فر مئات الآلاف من الأشخاص إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، فيما وصلت أعداد صغيرة إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وقال عثمان التوم الخبير المصرفي ومدير البنك السوداني الفرنسي لـ"العربي الجديد" إن عمليات النزوح الواسعة وفرار رؤوس الأموال إلى خارج البلاد عمقت الأزمات الداخلية، موضحا أنه نتيجة للحرب حدثت هجره لكثير من المواطنين لدول أخرى وهؤلاء اضطروا لتحويل ما لديهم من عمله محليه إلى عملات أجنبيه، ما شكل ضغطاً على العملة المحلية نتيجة زيادة الطلب عليها، فضلا عن هروب رؤوس أموال المستثمرين بالأساس.
وأضاف التوم أن الحرب أثرت على النقد الأجنبي وسعر الدولار مقابل الجنيه، مشيرا إلى أن لذلك تأثيرات سلبية كبيرة على الإنتاج وحركة الأسواق والأسعار، التي تضررت بالأساس نتيجة تدمير المصانع وانخفاض القدرة الإنتاجية وتقليل الصادرات وبالتالي قلة عائدات البلاد من النقد الأجنبي.
وأكد أن هناك تداعيات إنسانية كبيرة على السكان المتضررين من الحرب، حيث تتفاقم معدلات الفقر، مضيفا: " الحرب أدت إلى تدهور مريع في الاقتصاد والعملة المحلية وتسببت في أزمة إنسانية كبيرة".
حذرت الأمم المتحدة من كارثة وشيكة في السودان. وتقول إنها طلبت تمويلا بقيمة 2.7 مليار دولار للتعامل مع الاحتياجات الإنسانية في البلد، لكنها تلقت 155 مليون دولار فقط، وهو ما يعادل 6% من المطلوب. وشددت على أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية "لمنع حدوث وفيات على نطاق واسع وانهيار تام لسبل العيش وتجنب أزمة جوع كارثية في السودان".
وقال المحلل الاقتصادي هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" إن الحرب تسببت في انهيار البنى التحتية للاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن التدمير طاول الكثير من المرافق الحيوية منها مصفاة الخرطوم الرئيسية، التي كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يومياً.
وأضاف فتحي أن الحرب أدت إلى انهيار المستوى المعيشي للمواطنين وارتفاع معدل الفقر بجانب نهب ممتلكات المواطنين وأموالهم من قبل قوات الدعم السريع. وأكد حاجة السودانيين إلى دعم مادي طارئ يلبي جزءاً قليلاً من احتياجاتهم الأساسية المتزايدة لتوفير الغذاء في ظل هذه الظروف.
وأشار إلى أن الحرب تسببت في خفض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية. وأوقفت 70% من فروع المصارف وجرى نهب ممتلكات وأصول وموجودات المصارف، ما زاد معاناة القطاع المصرفي.
وأشار إلى أن الأضرار طاولت أيضا مصالح السودان مع دولة جنوب السودان، حيث تراجعت صادرات جوبا من النفط إلى 150 ألف برميل يومياً من 350 ألف برميل قبل ذلك، لافتا إلى تأثر عائدات السودان البالغة 300 مليون دولار سنوياً جراء هذا الأمر. وأوضح أن خط تصدير النفط وهو الأطول في أفريقيا تضرر من الصراع بينما بلغت تكلفة إنشائه 1.8 مليار دولار.
كما تسببت الحرب في تهاوي الصادرات السودانية بنحو 60% مع إغلاق مطار الخرطوم ومعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، ما تسبب في اضطراب سلاسل التوريد إلى البلد أيضا، وفق فتحي، الذي أشار إلى أن صادرات الذهب التي تعد مصدراً مهماً للنقد الأجنبي هوت بنحو 50%.
وأشار إلى أن قطاع الطيران خسر أيضا نحو 600 مليون دولار، فضلا عن الأضرار الفادحة التي لحقت بالقطاع المصرفي، حيث تعرض 100 فرع للمصارف العاملة في البلاد للنهب والتدمير.
وقال إن 38% من الأموال المنهوبة أكثرها من مصارف الخرطوم فقط، فضلا على التخريب الذي طاول البنك المركزي نفسه، ما جعله يعاني من نقص حاد في السيولة، وصعوبة تصدي المصارف لمشاكل إدارة ديونها، إثر تعرض الشركات الكبرى التي اقترضت منها مبالغ كبرى للتدمير والنهب أيضا.
وأضاف أن التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعام الأول للحرب تقدر بأكثر من 100 مليار دولار وفق دراسات محلية، مع توقف 70% من النشاط الاقتصادي.
بدوره قال المحلل الاقتصادي علي كرار لـ"العربي الجديد" إن "الاقتصاد السوداني كان على حافة الانهيار بالأساس قبل عام الحرب هذا وذلك لأسباب عدة منها الضائقة المعيشية وانفلات التضخم وتراجع أداء القطاعات الاقتصادية، لكنه بات الآن في قاع الهاوية بسبب الحرب والدمار وحالة اللادولة".
وأضاف: " يمكن القول إن معدل الانكماش الحقيقي للاقتصاد يتجاوز 20% العام الماضي، والعملة فقدت 80% من قوتها الشرائية".