حظرت الحكومة المغربية الاحتفالات الميدانية بعيد العمال تفاديا لكل ما يمكن أن يفضي إلى خرق الطوارئ الصحية، علما أن الاتحادات العمالية ما فتئت تشتكي من تسريحات طاولت العمال وخرق قانون العمل.
ورغم المنع فقد دعت اتحادات عمالية لمنتسبين لها للاحتفال بعيد العمال. فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وجهت نداء تحت شعار "لا لاستغلال الظرفية للمس بالحقوق والحريات والمكتسبات الاجتماعية".
وأكد الاتحاد أن الطبقة العاملة "تعيش وضعا اجتماعيا استثنائيا وصعبا، نتيجة استمرار الجائحة وانعكاساتها السلبية على فرص العمل والقدرة والشرائية، في ظل غياب الحكومة وتعطيل الحوار الاجتماعي وتنامي النزاعات الاجتماعية".
ولم تنعقد جلسات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والاتحادات العمالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يمثل مصالح رجال الأعمال. وهو ما يعتبر مصدر شكوى من الاتحادات بينما ترى الحكومة أن الحوار لم يتوقف.
سجال حول الحوار
وأثيرت مسألة تعثر الحوار الاجتماعي بمجلس المستشارين، إلا أن وزير الشغل والإدماج الاجتماعي، محمد أمكراز، أكد على أن الحكومة استطاعت إنجاح مسلسل الحوار الاجتماعي الذي توج بإبرام اتفاق ثلاثي يغطي الفترة بين 2019 و2021.
يؤكد الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن القطاع غير الرسمي يمثل 50 في المائة في الاقتصاد الوطني
غير أن ميلودي موخاريق، رئيس الاتحاد المغربي للشغل، يرى أن الحكومة أخلت بالتزاماتها بعقد حوار اجتماعي في شهر أبريل/نيسان، وهو الحوار الذي اعتادت على عقده مع الاتحادات العمالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب قبل أول مايو/أيار من أجل الوصول إلى اتفاقات تتضمن التزامات.
وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن الاتفاق الذي أبرم في أبريل/نيسان من عام 2019 لم تطبق بنوده ذات الصلة بزيادة الأجور وعقد الحوارات ذات الطابع القطاعي، واحترام بعض التدابير التي تساهم في تحسين وضعية العمال، خاصة ذات الصلة بالحقوق المرتبطة بالعمل النقابي.
ذات الرأي يعبر عنه نعمى ميارة في تصريح لـ" العربي الجديد"، إذ يشدد على أن الاتفاق الذي عقد قبل عامين لم تنفذ بعض مقتضياته.
فقدان فرص عمل
وكانت اتحادات عمالية دعت في سياق الأزمة إلى إحداث لجنة لليقظة الاجتماعية لاتخاد تدابير ذات طبيعة اجتماعية، على غرار لجنة اليقظة الاقتصادية التي أحدثتها الحكومة بهدف بلورة تدابير لدعم الشركات والأسر والأجراء، في سياق انكماش اقتصادي وصل إلى 7 في المائة.
وكان المغرب عمد في سياق الجائحة التي أثرت على الشركات إلى توفير دعم لنحو 950 ألف أجير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بقيمة 210 دولارات في الشهر، كما قررت لجنة اليقظة الاقتصادية مواصلة دعم بعض القطاعات المتضررة، في الوقت الذي تؤكد السلطات العمومية تعذر إحصاء المتضررين من عمال المقاهي والمطاعم جراء منع التنقل الليلي في رمضان.
ويذهب ميلودي موخاريق، الذي يرأس أكبر اتحاد عمالي بالمغرب، إلى القول إن عيد العمال في هذا العام، استثنائي، إذ فقد 680 ألف عامل شغلهم، بحسبه، تحت ذريعة كوفيد-19، متهما بعض الشركات بالتخلص من العمال دون أن تكون في وضعية أزمة.
وكانت المندوبية السامية للتخطيط، التي توفر البيانات حول سوق الشغل بالمغرب، أكدت أن الاقتصاد الوطني فقد في العام الماضي في ظل الجائحة 432 ألف فرصة عمل، بعدما أحدث 165 ألف فرصة عمل في العام 2019.
ويشدد نعمى ميارة على أن العام الأخير كان صعبا، فقد تراجعت الإنتاجية وضعفت المردوية، ما أفضى إلى فقدان مناصب شغل، رغم الجهود التي بذلت من قبل الدولة من أجل دعم فئات متضررة، والتي ظلت محدودة في ظل سيادة القطاع غير الرسمي، مشددا على أن النقطة المضيئة تمثلت في إطلاق خطة للحماية الاجتماعية تستهدف 22 مليونا من الأشخاص.
فقد الاقتصاد المغربي العام الماضي في ظل الجائحة 432 ألف فرصة عمل، بعدما أحدث 165 ألف فرصة عمل في العام الذي قبله
ويتصور نعمى ميارة، الذي يرأس اتحادا تابعا لحزب الاستقلال، أن العديد من الشركات استغلت ظرفية الأزمة الصحية من أجل التضييق على الحريات النقابية، من قبيل التخلي عن المكاتب النقابية، والتنكر لبعض المكاسب التي حققها العمال في السابق، في الوقت نفسه، الذي تم تقليص الأجور.
حالة من عدم اليقين
وتجلت الهشاشة التي تعاني منها تلك الفئة في ظل الجائحة، حيث تدخلت الدولة لدعم 5.5 ملايين أسرة، بينما يبلغ معدل البطالة، حسب صندوق النقد الدولي 11.9 في المائة، وهو معدل يتوقع أن يتراجع إلى 10.5 في المائة.
ويؤكد الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن القطاع غير الرسمي يمثل 50 في المائة في الاقتصاد الوطني.
وكانت الحكومة قد ربطت في الأشهر الأولى للجائحة حصول الشركات المنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالحفاظ على 80 في المائة من فرص العمل للحصول على دعم الدولة، ما يعني ضمنيا السماح لها بالتخلي عن 20 في المائة من العاملين.
ويفيد بحث المندوبية السامية للتخطيط، حول مؤشر ثقة الأسر، أن 85 في المائة منها، يتوقع أن يرتفع معدل البطالة في الاثني عشر شهرا المقبلة، علما أن محاصرة نزيف فرص العمل يبقى رهينا بتطور النمو الاقتصادي الذي ينتظر أن يتراوح بين 4 و4.6 في المائة، وهو معدل يرتبط بتطور الوضعية الوبائية والتلقيح في المغرب والبلدان الشريكة.
وبدا بنك المغرب أكثر تفاؤلا حول معدل النمو في العام الحالي، حيث يرى أن يستقر في حدود 5.3 في المائة، مدعوما بموسم فلاحي وفير وخطة تحفيز حكومية بنحو 13 مليار دولار، حيث يمكن أن تفضي الفلاحة إلى خفض معدل البطالة في الأرياف، رغم هشاشة التشغيل في تلك المناطق.
عندما سأل "العربي الجديد" ميلودي موخاريق، حول توقعاته لتطور أحوال العمال، أجاب بأن ذلك يرتبط بالإقلاع الاقتصادي، علما أن المؤسسات الوطنية والدولية تربط الإنعاش بوضوح الرؤية الذي يبقى رهينا بتقدم عملية التلقيح في المغرب ولدى البلدان الشريكة.