الحرب تلتهم عمّال اليمن

01 مايو 2021
لا يحظى العامل اليمني بأي اهتمام في ظل تلاشي وخفوت النقابات العمالية (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه عمال اليمن ظروفاً صعبة تزداد قساوتها من عام لآخر مع تكالب عديد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، مع فقدان كثير منهم لما كان متوفراً لهم من دخل نتيجة فقدان أعمالهم ورواتبهم وتبعات ذلك في ما يواجهونه من ظروف حرجة وتضاؤل قدراتهم على تحملها ومواجهتها.
المعاناة طاولت أيضا العمال الذين اتجهوا للأعمال الحرة، حيث وجدوا أنفسهم في خضم أوضاع مزرية نتيجة قبولهم بأعمال غير معتادة، في بيئة عمل شاقة تطاولها العديد من الانتهاكات التي تتعرض لها الأيدي العاملة. 
ويروي أحد العمال معاناته في العمل بهذه البيئة المضطربة، عقب توجهه إلى عدن، جنوبي اليمن، قبل ما يزيد على عام بعد تسريحه من العمل في منشأة صناعية في محافظة تعز جنوب غربي البلاد، نتيجة خلافات مع المسؤولين في هذه المنشأة حول الأجور وما يتعرضون له كعمال من امتهان في المعاملة ومشقة العمل، لكنه كان كما يصف حالته "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
يتحدث العامل حمدي جلال، لـ"العربي الجديد"، عن أنه كابد حياة شاقة في الفترة التي قضاها في منطقته الريفية التي انتقل إليها عقب تسريحه، فقرر التوجه إلى عدن للبحث عن العمل، واستقر به المطاف للالتحاق مضطراً للعمل في أحد المطاعم الذي يذوق فيه الويل كما يقول، بسبب تدني الأجر اليومي الذي يكسبه والذي هو عبارة عن مبلغ رمزي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا بيئة صالحة للعمل لعدم توفر مسكن خاص بالعمال، يضطرون للنوم على سطح مبنى المطعم في مدينة تشهد تفشياً لوباء كورونا وارتفاع عدد الإصابات بالفيروس.

لا يحظى العامل اليمني بأي اهتمام في ظل تلاشي وخفوت النقابات العمالية، التي أصبح وجودها مقتصراً بشكل محدود في بعض المؤسسات العامة، إذ لا أحد يسمع أصوات معاناة ما يربو على خمسة ملايين عامل فقدوا أعمالهم بسبب الحرب والصراع الدائر في اليمن، منهم ما يزيد على 600 ألف موظف في القطاع العام، يعيلون أسراً يقدر عدد أفرادها بالملايين، توقفت رواتبهم منذ نهاية عام 2016.
في محافظة مأرب شرقي اليمن التي تشهد معارك عنيفة منذ نحو ثلاثة أشهر، يقضي كمال إبراهيم، أحد هؤلاء الموظفين الذين توقفت رواتبهم، العام الثالث في عالم التشرد والمجهول والإهمال بعيداً عن عمله وعائلته في محافظة إب، وسط اليمن، إذ يعيش ساعات شاقة بشكل يومي في العراء، كما يؤكد لـ"العربي الجديد"، في حراج عمال البناء على رصيف أحد شوارع مدينة مأرب منتظراً دوره لدى طالبي الأعمال والمقاولين العاملين في مجال البناء.
النقابي في اتحاد عمال اليمن عبدالقادر العمراني يقول، لـ"العربي الجديد"، إن ملايين من الفئة العمالية تحت طائلة الجوع والعوز والفاقة بعد ما عصفت بهم مجموعة من الأزمات الناتجة عن الحرب والصراع الدائرين في اليمن، إضافة إلى مستجدات الأزمات في العام السادس للحرب مثل تفشي فيروس كورونا، وما شهدته البلاد منذ العام الماضي وحتى الآن من أزمة المشتقات النفطية والتضييق على عملية إدخال السفن المحملة بالوقود إلى ميناء الحديدة.
وأثر ذلك بشكل كبير، وفق حديث العمراني، على قطاعات التشغيل، مثل المصانع وغيرها من المنشاَت التي تراجعت قدراتها الإنتاجية، وما رافق ذلك من خسائر طاولتها، وما نتج عنها من تبعات في تقليص الأيدي العاملة وتخفيض الأجور.
ويتحمل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وفق قيادات نقابية في اتحاد نقابات عمال اليمن، جزءا كبيرا من المأساة التي يعيشها عمال اليمن، بسبب ما رافق الحرب من استهداف الطيران الحربي للعديد من المنشآت الاقتصادية والمصانع، والتضييق على فئة عمالية كبيرة فقدت مصادر دخلها الرئيسي، إضافة إلى توقف رواتب جزء من الموظفين في مناطق شمال اليمن، وبقاء رواتب من أعادت الحكومة صرفها لهم من الموظفين في مناطق نفوذها كما هي قبل الحرب، ولم تشهد أي زيادة بحسب وعود حكومية في أكثر من مناسبة. 
ويكابد العامل اليمني مشقة قاسية للحصول على لقمة العيش، لا يأبه كثيراً لأجره وحقوقه في سبيل توفير ما يسد رمقه وما أمكن توفيره من احتياجات أسرته، في بيئة عمل تطغى عليها الانتهاكات والاستغلال والإساءة والاضطهاد من قبل أرباب العمل، أتاحت لهم الحرب والصراع الدائر في البلاد الفرصة لممارسة كافة أصناف الاستغلال، لحاجة العمال لتوفير لقمة العيش في صراعهم للبقاء على قيد الحياة.
وترصد منظمات حقوقية ارتفاع حالات الانتهاكات بحق العمال في مختلف المناطق اليمنية منذ بداية الحرب، والتي زادت بشكل كبير خلال العام الماضي مع انتشار فيروس كورونا وتفاقم الانهيار الاقتصادي والمعيشي بشكل كبير في اليمن.

ويقول الناشط الحقوقي أحمد القدسي، لـ"العربي الجديد"، إن عمال اليمن يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات منذ بداية الحرب، من قطع رواتبهم وتسريح متواصل وفقدان مصادر الدخل، وتعسف واستغلال بأجور متدنية وفي أعمال شاقة تتطلب مجهودا بدنيا وتركيزا، بينما من تبقى من الفئة العمالية في ميدان العمل يعاني الوهن ونقص الغذاء نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية وانهيار الأمن الغذائي لمعظم الأسر اليمنية.
وطوال سنوات الصراع الدائر في اليمن منذ عام 2015، انحصرت فرص العمل المتوفرة في مجموعة من المهن التي أنتجتها الحرب، مثل بيع الوقود في السوق السوداء وقطاع العقارات والبناء والتشييد والمطاعم والمحال التجارية، وفي قطاع النقل وعديد الأعمال الشاقة في بيئة خطرة تشهد تنامي عديد الظواهر السلبية، مثل عمالة الأطفال التي يلاحظ انتشارها بشكل لافت في مختلف المدن اليمنية.
ويؤكد تقرير صادر عن الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة صنعاء، اطلعت عليه "العربي الجديد"، أنه على الرغم من الصعوبات التي تواجهه، إلا أن القطاع الخاص أصبح المشغل الأول للأيدي العاملة طوال السنوات الماضية، بعد ما كانت الحكومة هي من تقوم بهذا الدور في اليمن. ويلفت التقرير إلى الأضرار التي تعرض لها القطاع الخاص جراء الهجمات الصاروخية، التي استهدفت،كما يؤكد، نحو 150 شركة ومؤسسة بعضها مصانع منتجة للمواد الغذائية تعرضت منشآتها الإنتاجية لقصف وتدمير من دون أسباب. 

المساهمون